أمضينا أكثر من قرن ونصف في مستنقع النظريات المعتقة في ظلمات الرفوف، والبعيدة عن الواقع والمستعبدة للرؤوس.
فهل وجدتم نظرية تمكنت من الحياة في واقعنا المنهوك؟
هل استطاع مفكر أو حركة أو حزب تطبيق نظريته؟
نظرياتنا أقوال فارغة، ومن معطيات خيال وهْمي مألوس.
فكيف تفسرون فشل النظريات في بناء القوة والحياة؟
يتضح وجود خلل حضاري صارخ في آليات تفكيرنا، فالعلاقة بين التفكير والعمل تناقضية بحتة، فالسائد أن الأقوال تناهض الأفعال، وتمكنا من التعبير عن ذلك بتواصل فظيع، فالأحزاب أنجزت ما يتقاطع وشعاراتها ورسالاتها، والمعتقدات تنكر جوهرها، والمشكلة أن فينا عاهة مدمرة خلاصتها، أقوالنا أفعالنا، وتنعدم في وعينا مفردات ومهارات الربط بين الكلمة والفعل، فالفكرة قول وحسب، أما تمثلها وتحويلها إلى منجز فاعل في الحياة، فلا يخطر على بالنا.
المجتمعات تقدمت بقدرتها على تصنيع أفكارها، وتدهورنا لعجزنا عن ذلك، والذين أسهموا في بناء الحضارة عند مبتدئها العربي، كانوا يجيدون مهارات تصنيع الأفكار، ونحن الذين خسرناها أو تجاهلناها، وأصبحنا من القانطين.
فالأمة فيها العديد من المفكرين والمهتمين بنهضتها ومعاصرتها، وما قدموه نظريات ومشاريع مطمورة في صفحات الكتب، وما وجدنا آلية لترجمة المشروع إلى فعل يومي مفيد، بل أن معظمهم يدّعون التفكير، وهم يؤازرون قوائم الكراسي الآثمة، ويزيدون من غفلتها وإمعانها بالجهل والعماء السياسي.
نظريات وما أدراك ما هي، ما أمّنت من خوف ولا أطعمت من جوع، بل استهلكت وقتا وورقا وحبرا، وخمدت أنفاسها فوق السطور، فلا تيار معرفي يهدف للتغيير، ولا قوة ثقافية ذات قيمة تنويرية، بل نظريات، ترضعنا حليب سراب.
فكيف لا نخور، وصراطنا أعوج وملبد بالغيوم؟!!
واقرأ أيضاً:
القادة العلماء!! / القائد والبلاد!!