منْ أسوَدِ اللحْـنِ1
(1)
حَـيَّـاتُ دهري نافِثــاتُ الضلالْ
في العمر بَثُّـوهُ
فالعمرُ مسمومٌ بغيرِ احْتِـمالْ
ما عِشتُ أحسوهُ
والموتُ منْـشودٌ بعيـدُ المنالْ
ما دمتُ أرجـوهُ
مِفتاحُهُ في قلبِ قلبِ المحالْ
في الوهمِ دَسُّوهُ
والبابَ سَـدُّوهُ:
منْ أجلِ أنْ أحيا حياةَ الزوالْ
(2)
يا سوءَ عيْــشي وسِباعٌ جياعْ
أقْـواتهم عمري
العمرُ مَمْضُـوغٌ وفَـــكُّ السباعْ
أنْــيابُـــهُ عَـبري
في عالمي ألقتْ بذورَ الضياعْ
وسُـمُّهُ يَسْـري
عامٌ وعشرونَ طحينُ الصراعْ
ولمْ أطَـأْ قبـري
أوَّاهُ يـا دهـري
لو لمْ تَكُـنْ تَـقـودُ الشـراعْ!
(3)
وضعتَ لي السيوفَ تحتَ الجناحْ
وقلتَ لي رَفْـرِفْ
رفـرفْ! وأوهَمْـتَ بأنَّ الريـاحْ
لِصـالِحي تعْصِفْ
وللجَـناحِ قـــلتَ: أنَّ الجـــراحْ؛
غَدٌ لها مُـسْعِـفْ
وعَـدتَــني بأنـني في الصبـاحْ؛
على المُنى أعْـزِفْ
وهـا... أنـا أنزِفْ
ومنْ نزيفي أنتَ تسقي البِطاحْ
(4)
الحبُّ خِــلتُـــهُ سَيَمحـو الشقـاءْ
عـــنْ تائـهٍ مُجهَـدْ
رأيــتُــهُ تَـرنــيــمــــةً للـوفــــاءْ
في مُهـجةٍ تُنْـشَدْ
والشَّمسُ لمَّا أسرَفتْ في البقاءْ
قلتُ الهوى أخْـلَدْ
حَــلَّفْـــــتُــهُ أنْ أبــدًا بالهـنـاءْ
يـأتي ولا يَـنْــفَـدْ
لـكـنَّـهُ عَـرْبَـدْ
وأُطْفِأتْ شمسٌ وطاحتْ سماءْ
(5)
سمراءُ غَنَّـتْ لي نشيدَ الحنـينْ
فهـاجَ تَحـناني
وفي ظلالِ الأيْكِ غـنَّى السنينْ
واخْـضَرَّ بستاني
والشوقُ في روحي أنينٌ دفينْ
والـلـهِ أبْـكاني
لمْ أخْفِ دمعًا واشْتكَيْتُ الأنينْ
فـطاحَ وِجـداني
في قاعِ بـركانِ:
إذْ باعَـتِ الحـــبَّ لأني حـزينْ
(6)
الهجْرُ يا سمراءُ ألقي السنينْ
في مُلهِـبِ الحِسِّ
فأثْخَنتْ جراحَ قـلبي الحزينْ
ومَزَّقَـتْ نفـسي
الهجْرُ سُمٌّ في فـؤادي دفينْ
في مَجْمَعِ البؤسِ
قبْرٌ ولكنْ منْ عذابٍ لعِـينْ!
جاثٍ بـهِ يأسي
وأدمُعي الخُـرْسِ
ونارُ نفسي أقسَمَتْ لا تلينْ
(7)
يا منْ رَمَتْ روحي بقبر العذابْ
يا خِنْجَرًا مُـغْمَدْ
أهواكِ راضِـيــًا ضـياعَ الشبابْ
وشقْوَةً تَـمتَـدْ
لمْ أنْـسَ ليــلاً إذْ أذَبْـنا فـذابْ
والفَجْرَ إذْ غَـرَّدْ
وعَـدْتُـهُ بأغنِـيـــاتي العِـذابْ
لـوْ أنَّـهُ وَحَّـدْ
لـكنَّـهُ بَـعَّـدْ
وذا ربيعي تائـهٌ في سـرابْ
(8)
والقـصرُ كمْ عـانَقَ فـيهِ النـهارْ
ليْـلاتِ أسراري
وأسْدَلَ الشوقُ علينا الستارْ
وهَـزَّ أوتاري
أتَيْـتُـــهُ اليـومَ بَـكى الــجَـدارْ
والعِطْرُ منْ ناري
والصرْخَةُ الثكْلَى تريدُ الفِرارْ
منْ بينِ أسواري
لـكنَّ إصْـراري
أعادَها غَضْبَى لنارِ الحِصارْ
(9)
هلْ كــانَ ذنْـبي أنني للصَّـفاءْ
غَنَّـيْتُ ألحـاني
وكنتِ روحًا خِلتُها في السناءْ
بقـلبِ وَلْـهانِ
وفِتـــنَةً منْ حُـورِياتِ السماءْ
لاحَـتْ لِلَهْـفانِ
وبَلْسَمًــا يشفي جِراحَ العناءْ
في روحِ ظَمـآنِ
في كُنْهِ وجداني
فصِرْتِ في الوريدِ سرَّ البقاءْ
(10)
هــلْ كــانَ ذنْـبي أنني للغـرامْ
أوقَـفْتُ أيامي
فنحنُ في وصْــلٍ ولحنُ الهيامْ
دمْعٌ بأقـلامي
وفي لهيبِ الشوقِ لَفَّ العِظامْ
رَضِيتُ إضرامي
منْ أجْــلِ حـبٍّ عَبْقَرِي المُدامْ
قدْ كانَ أحلامي
فيـا لأوهامي
وأنتِ والخيالُ صَرْعَى صِدامْ
(11)
والقـــيدُ بـاقٍ في فـــؤادٍ عـنـيـدْ
مادامَ خَفَّـاقَـا
ما كنتُ "كانَ الفكرُ حبي العـتيدْ
وكانَ أشواقَـا"
ما كنتُ "كانَ" رغـمَ أني شريـدْ
ما شئتُ إعْتاقَا!
القـيدُ باقٍ في دمـوعِ القــصـيدْ
والليلُ قدْ ضاقَـا
منْ بأسِ ما ذاقَـا
عنْ خُطْوتي الثكْلَى وروحي العميدْ
ولفوت "أشعار طالب أسود"
يونيو ويوليو /1984
ويتبع>>>>>: منْ أسوَدِ اللحْـنِ2
واقرأ أيضاً:
عَـيْنـاكَ! / حتى لو أنت بعيدة! / حيرة عاشق!! / ألْـفُ سلام!