القوى الكبرى مفترسة الطباع وسلوكها متكرر ومتواصل منذ قرون، ومن الأمثلة أنها عقدت مؤتمر برلين عام (1884) لتقسيم أفريقيا، في حينها صارت الكونغو من حصة بلجيكا، واعتبرها ليوبولد الثاني ملكه الشخصي، وفعل ما فعل فيها حتى قضى على عشرة ملايين من أهلها (1885 - 1908). ومن المعروف أن الهند خضعت لبريطانيا (1700 - 1940).
ومعاهدة سايكس بيكو (16\6\1916) التي قسمت دول الأمة إلى كينونات ليسهل افتراسها، وتوهمت الأمة بأنها للتقسيم وحسب، وتناست أنها وسيلة للافتراس، فالوحوش في الغاب تأكل أهدافها فرادا.
وبموجبها صارت فلسطين من أملاك بريطانيا فأصدر وزير خارجيتها بلفور وعده في (2\11\1917).
ومنذ انطلاق الإتفاقية ومسيرة الافتراس متنامية ومبرمجة، وأمضت دول الأمة القرن العشرين تطارد أوهام الوحدة والحرية والقومية وأخواتها، وكل ما فيها يتشظى ويتقطع إربا إربا.
فما عرفت دولها السيادة، والقانون والدستور، وانمحقت قيمة الإنسان، وفقدت قدرتها على إطعام نفسها، وتحولت إلى عالات على الآخرين في كل شيء.
ولا يزال الافتراس متواصلا وبأساليب وآليات معقدة ومتطورة ومخادعة، وذات نظريات سلوكية وقدرات تدويخية، تجعل من الهدف قوة ضد ذاته وموضوعه.
ومعظم دول الأمة مفترَسة، ومَن يحاول التحرر من مخالب وأنياب المهيمنين على وجوده، يُواجَه بالمصدات والتفاعلات التي تستنزف جهوده وتهدده بالزوال.
فما أكثر العقبات والمطبات والتشوّهات الرامية للنيل من الإرادات المتطلعة للحرية والكرامة الإنسانية.
ومن أفظع الأدوات المُسَخَّرة للافتراس، استعمال الدين كوسيلة للتضليل والتغفيل، ولتمرير الأجندات الفتاكة اللازمة للقضاء على المجتمعات وسرقة ثرواتها، ووضعها في أوعية مضطربة قابلة للتسخين المبرمج.
إن الفهم المنحرف لمعاهدة سايكس بيكو من أهم الأسباب التي أودت بواقع مجتمعات الأمة، وجعلتها تتوحل في موضوعات لا تجدي نفعا، بل تُراكم ضررا وتداعيات مريرة، لأنها تعطل العقول وتؤجج العواطف والانفعالات السلبية المطلوبة لتأمين الوصول للأهداف المرسومة.
وتظل معظم أنطمة الحكم تدور في ذات الدوامة الفارغة، المستحضرة للويلات والنكسات والخسائر الجسيمات.
فإلى متى تبقى الكراسي على تل المآسي؟!!
واقرأ أيضاً:
تناطحت الآثام!! / المواجع!!