من سبت الغفران إلى سبت الطوفان15
السم والبؤس والمطوحة
أسمع أصوات تصفيق وهتافات مشجعي كرة القدم في المقهى المجاور، يبدو أنها مباراة مهمة!!
للإعلام خدعة نفسية متفق عليها بين الشاشة والمشاهد حيث يتوهم نفسه من يحرز الهدف، أو يطاله القصف، أو يرمي الميركافا بقذيفة تدمرها!!
بهذا المعنى فإن الفرجة ومشاهدة الصور تتحول تدريجيا إلى عملية خيانة للحقيقة، بل وتقوم بديلا عن الفعل الواقعي البسيط المؤثر بتراكم- الذي يمكن ممارسته للمشاركة الفعلية في الملحمة!!
الفرجة عملية سهلة ومضمونة النتائج، والفعل الفردي الحقيقي الممكن هو بسيط، ولا يظهر على الشاشات!!
ولا الإعلام الذي تتابعه، ولا المقاطع التي تتداولها، ولا أنت نفسك تتعب لتبحث عما يمكنك فعله عمليا كدور في الملحمة المشتعلة، فتظل في مساحة الحزن والتمنيات، وبدلا من الغموض والسعي في مغامرة تعلم مهارات جديدة، والحركة خارج دوائرك المألوفة ستكتفي بترديد: «خذلناكم»، تلك الإجابة الطفولية على استغاثات أهلنا تحت القصف.
لا تعرض أمامك الشاشات شيئا عن طبيعة المعارك التي يخوضها أنصار فلسطين ضد سلطات منحازة، وجماعات ضغط منظمة وقديمة رابضة في أنسجة مجتمعات الرفاه الغربي، ولا يعرض لك طرق مواجهة منظمة لهذا الكيد والعمل المعادي الدائم!!
ولا يعرض الإعلام أمامك بتركيز تجارب المواطنين العاديين في مناصرة القضية: الأفكار المبتكرة، ويقظات الوعي المتواترة والمتنوعة، والإبداعات الشخصية والجماعية، وإمكانات نقلها وتكرارها وتطويرها -حول العالم!!
وإمكانات التواصل والتعلم والتعاون مع جهات كثيرة تعمل في سبيل دعم المقاومة وتحسين وضعنا في الملحمة!!
ويبدو أنه طالما غابت تلك الصور فإن فعلنا سيظل غائبا أو مغيبا!!
وبهذا الوضع وتعاملنا معه هكذا تحول الإعلام إلى سم قاتل نتناوله مختارين مرحبين، ونتداوله بإصرار، ونحسب أننا نحسن صنعا.
على صعيد الحرب النفسية فإن العدو يربح الحرب حين تستسلم له متفرجا عليه وهو يستعرض قوته الغاشمة، وقنابله الغبية، وحصاره المجرم، بينما تبتلع أنت وتصدق أنه لا يمكنك أن تفعل غير الفرجة والحسرة والتشيير.
بينما كل مقطع نشاهده يحمل تأييدا ما فردي أو جماعي، أو تأثرا ما، أو وعيا ما يستكشف مساحة جهل سابق، أو يتأمل في أعماق إيمان متجلي في غزة، كل مقطع وراءه قصة نجاح ما لشخص أو مجموعة، والقصة يمكن أن نتواصل معه(م) لنعرفها، ونكررها أو نطورها أو نبتكر غيرها، لكن قالب ووضعية المتفرج السلبي لا تتضمن التواصل والتعارف والتعاون- فقط المشاهدة!!
وتمر الدقائق والساعات والأيام والليالي والأسابيع والتقتيل مستمر والاعتياد يبرد الاستجابات والملل من التكرار يمنح النفوس تطبيعا مع الشر المجرم، والخصوم يلعبون معنا لعبة إضاعة الوقت، أو «المطوحة» بلهجة المصريين الدارجة، كما في قصيدة نجيب سرور، حيث اللجان مطوحة والتصريحات والقرارات والتحليلات والاجتماعات كلها تهدف إلى أن يمر الوقت دون أن نفعل شيئا ونحن نشاهد ونتفرج وننتظر الأنظمة والمنظمات ودوائر القرار أن تتحرك، وجميعها منهمك في المطوحة!!
الاتصالات مقطوعة عن غزة منذ أيام، وكذلك الكهرباء والأغذية والمياه.. إلخ، منذ وقت أطول، والوقت يمر دون بذل الجهد وممارسة الأفعال الكثيرة الممكنة في دعم المقاومة وأهلنا وخوض المعارك الدائرة على مختلف الجبهات باستماتة، فهل نستيقظ؟؟
بقي أن أذكر أن هذه السلسلة من النصوص المرقمة المتوالية هي متصلة ومنفصلة ومتكاملة وتحبذ قراءتها كلها لاستكمال الفائدة.
ويتبع>>>>>: من سبت الغفران إلى سبت الطوفان17
اقرأ على مجانين: