لكل أمة ومجتمع قدوة وطنية وإنسانية ترسي دعائم مسيرة الأجيال المتعاقبة، ففي أمريكا – مثلا – جورج واشنطن، كان القدوة الوطنية والسياسية، التي وفقا لرؤاها وأخلاقها تم صناعة النظام والبناء على ما قام به والانطلاق نحو القوة والنماء.
وفي تركيا كان مصطفى أتاتورك القدوة التي انطلقت من مسرح رؤاه تركيا الجديدة على ما يقرب من قرن، وفي الوقت الحاضر أوجدت الأمة التركية قدوة أخرى متمثلة في شخص السيد أوردوغان.
وفي جنوب أفريقيا، أصبح السيد نلسن مانديلا قدوة سياسية وأخلاقية سارت على نهجه الأحزاب والقوى، وتفاعلت بإيجابية أدت إلى ارتقاء الوجود الاجتماعي والاقتصادي والتقدم السريع.
وفي مجتمعاتنا تغيب القدوة، فلا يوجد عندنا مَن هو أهل للقدوة، وفي العراق مثلا, ثورة 14 تموز عام 1958 لم تقدم قدوة حسنة، بل بدأت بالقتل والسحل وتعليق البشر على الأشهاد، وأوجدت في لا وعي الناس إقرانا ما بين تغيير النظام وسفك الدماء والتوحش الغريب، فسار على هذا النهج الدموي جميع مَن غيروا أنظمة الحكم بعد ذلك التاريخ.
وقد تحقق ذلك أيضا بعد عام 2003، حيث تم استحضار ما لا يخطر على بال من مؤهلات الفتك البشري وتدمير الإنسان، فقتلت الآلاف وهجرت الملايين وشاع الظلم والفساد حتى صارا وكأنهما الدين.
فلم تلد المرحلة شخصا يمكنه أن يؤسس لانطلاقة ديمقراطية ذات قيمة وطنية وإشراقية، بل أن الذين برزوا ركبوا ظهر الأجداث والكراسي وتفاعلوا بسلبية وبأساليب ضارة بالمجتمع والوطن وأنفسهم، ولم يخطر على بال أحدهم أن يكون قدوة حسنة، ويأتي بأفعال ومقرارات ذات قيمة إنسانية وتأريخية.
بل أن الجميع تفتحت رغياتهم الدفينة وشراهتهم المشينة، وما عرفوا إلا كيف يملأون الجيوب والبطون، ويقهرون الآخرين من أجل المزيد من الذهب، الذي ستكوى به جنوبهم وظهورهم وهم في ضلالهم سادرين.
ومن غرائب ما حصل أن المجتمع قد خاض انتخابات يفترض أن تكون منصفة وغير فاسدة، وفاز فيها مَن فاز ولكن الأمور لم تتغير ولم يتمكن أي شخص أن يعطي مثلا حسنا ويؤسس لقدوة صالحة، وتم نسف النتائج والتشبث بالكرسي وبهذا سُنّت سُنة سيئة لن تشفى منها الانتخابات المستقبلية أبدا، لأن هذا السلوك أفرغها من قيمتها وقوتها ودورها السياسي وحولها إلى لعبة وضحك على الذقون.
إن غياب القدوة الصالحة من أخطر ما يواجه المجتمع، لأن أصحاب الكراسي وعلى مر العقود فشلوا في بناء القدوة الوطنية.
والسبب الأساسي هو الميل المريض نحو الفردية والتلذذ بظلم الآخرين، واعتبار السلطة ساحة حرب ما بين الكراسي والشعب، وهذا ديدن التفاعلات المدمرة القاهرة الدامية في مجتمعاتنا.
فالأوطان لا تُبنى إلا بقدوة وطنيى حسنة!!
واقرأ أيضاً:
المنطقة والمطرقة!! / أين القيادة!!