آمرته في أمري مؤامرة إذا شاورته.
وكل مَن فزعت إلى مشاورته ومؤامرته فهو أميرك والمؤامرة تعني المشاورة.
ويتأمرون بك، أي يأمر بعضهم بعضا بقتلك.
وائتمر القوم وتآمروا، إذا أمر بعضهم بعضا.
والتآمر يهدف إلى فعل الشر.
ونحن نستخدم كلمة مؤامرة كثيرا في خطاباتنا وحواراتنا السياسية والفكرية، ونريد بها الخضوع والاستسلام وفقدان الإرادة والقدرة على تقرير المصير، فيكون كل فعل تنفيذا لأمر، فالفاعل يؤمَر بما يقوم به.
وهي في منطوقها الفكري ومردودها النفسي ذات أبعاد سلبية ونتائج مأساوية، لأنها تجعل الفاعل مرهونا بغيره وتابعا لمشيئته.
وواقع التفاعل ما بين الأمم والشعوب يتحدد بالمصالح، التي هي بوصلة السلوك القائم ما بين أبناء الأرض، دولا وأحزابا وجماعات وأفرادا.
والمقصود بالمؤامرة أن يتوفر أبناء من هذه الدولة أو تلك لتحقيق مصالح أية قوة أخرى، أو دولة، أو إرادة خارجية مهما كان نوعها.
وهذا التفاعل ما بين الأمم والشعوب قائم منذ أول نشوء فكرة الدولة وسيبقى إلى الأبد.
فما نسميه بالمؤامرة سلوك لا ينتهي، ويُراد به تدبير المصلحة وتوفير أسباب وعناصر تحقيقها. ودول الأرض تحت ضغط تحقيق المصالح وتأمينها، وبعضها قد أنكرت مصالحها أو تنكرت لها وأذعنت لمصالح غيرها، أي تنازلت عن الدولة والوطن، وانحدرت إلى تأمين أهداف غيرها، وربطت تفاعلاتها بمصلحة الكرسي والمنافع الشخصية والأنانية، وأكدت ذلك بواسطة الأحزاب الضيقة الأفق والمحدودة الرؤى.
بينما العديد من دول العالم أسست الركائز الوطنية والثوابت التي تحقق مصالحها، وتؤهلها للتفاعل مع الدول الأخرى، وفقا لمبادئ ومرتكزات أساسية وذات قيمة للوطن.
فالدول تتفاعل بكيانها المتماسك والموحد، الذي يسعى بطاقاتها القصوى لتأكيد مصالحها، وقدراتها في البقاء والتنافس والتسابق نحو الأحسن.
وعندما تعجز الدول والشعوب عن بناء إرادتها الواحدة وصيرورتها الصاعدة، فأنها تتفرق وتتفاعل بسلبية ضارة لوطنها، ويحاول الجمع المتفرق أن يتشبث بقوى أخرى للتمكن من بعضه البعض.
وفي هذا الواقع المتشظي تتقدم كل دولة لها مصلحة في البلد، وتتفاعل مع أية مجموعة تراها مناسبة لتحقيق مصالحها.
وهذا ما نجده في واقعنا، الذي فقد بوصلة المصلحة الوطنية منذ أكثر من نصف قرن، وسار على هدى وخطط مصالح الغير، والغير قد تعدد وفقا لأجندات التنافس والصراع الدولي، التي وجدت مرتعا خصبا لها فيه، وعلة ذلك، أن بعض أبناء الوطن قد وفروا الأسباب والظروف اللازمة لحضور الآخرين وتأمين مصالحهم، وتحقيق مشاريعهم بجهد وقوة أهله المعبرين عن ذلك بإخلاص مطلق.
هذه التفاعلات المتداخلة قد نسميها مؤامرات، بمعنى أن بعض أبناء الشعب قد تفاعلوا مع الآخرين لتحقيق مصالحهم، وأنكروا مصلحة الوطن ووحدته وما يساهم في قوته وتماسكه.
ومن هنا فالعيب ليس في الآخر الذي يريد تأكيد مصلحته، ولكن العيب في الذين أنكروا مصلحة وطنهم، وقرروا أن يكونوا قوة مساهمة وفاعلة في تحقيق مصلحة الآخرين فيه.
أي أن الموضوع بجوهره يرتبط بأبناء الوطن، وقيمهم وأخلاقهم ومدى وعيهم وتقديرهم لمجتمعهم، وليس بالآخر الذي يسعى دوما لمصالحه وغاياته، وتلك سنة الحياة في التفاعلات الدولية.
إن علة العقل في مجتمعاتنا، هو إنكار المصالح والتوهم بالمبادئ، وسرعة السقوط في أحضان الآخرين، وتأكيد مصالحهم على حساب المصالح الوطنية والإقليمية، لعدم وضوح المفاهيم والمعاني المرتبطة بالوطن وحقوق المواطنة.
كما أن الإمعان في اليأس وإذلال الذات والمجموع، له دور كبير في تأكيد آليات التفاعل الخاسر مع الآخرين.
فمجتمعاتنا ما تربّت على وعي مصلحة الوطن وقيمته ومعنى رايته وعلاء شأنه ودوره، وإنما على مناهج الأحزاب والمذاهب والفرق والجماعات والأشخاص، ولهذا نشأت أجيال لا تعرف قيمة الوطن، وصار الكرسي والفرد في عرفها وطن ومقياس الوطنية المطلق، فمَن لا يمضي على هداهما غير وطني ومَن يناهض الحزب الحاكم متآمر.
والمؤامرة في حقيقتها لعبة للنيل من بعضنا البعض، وتأكيد إرادة الآخرين الفاعلة بقوة فينا.
فلماذا لا نتآمر مثل الآخرين من أجل مصالحنا لا ضدها؟!
واقرأ أيضاً:
النووي دق بابنا!! / أمة الخرافة !!