يذخر تراثنا بالنصائح الموجهة إلى المرأة عمومًا، والفتاة المقبلة على الزواج على وجه الخصوص.. نصائح من قبيل: كيف تكون زوجة صالحة تحافظ على بيتها وتصونه، وتسعد زوجها وتلبى احتياجاته.. والملاحظ أن معظم -إن لم يكن كل- تلك النصائح قائمة على فكرة أساسية هي أن المرأة عليها أن تبذل الجهد في سبيل بيتها وزوجها، وأن هذا هو "واجبها المقدس" الذي يجب أن تقوم به، وإلا فلا تلومن إلا نفسها إذا وقعت الكارثة وهُدم البيت، ونفر منها الزوج!!
ما هو الجهد النفسي والعصبي - ناهيك عن الجهد العضلي - الذي عليها أن تبذله؟
ما الذي "يجب" على الرجل في المقابل أن يفعله أو يعطيه لها؟
من المَلُوم إذا أدَّت ما عليها وهُدم البيت أو نفر الزوج رغم ذلك؟؟
كل هذه الأسئلة وأمثالها لا ترد في الحسبان.. لأن المرأة نفسها ككيان كامل مستقل لا ترد في الحسبان أصلاً.. وتلك هي الملاحظة الثانية والجوهرية.. لماذا نجد النصائح في هذا الخصوص موجهة للمرأة وليس للرجل؟! فمعظم ما يوجَّه للفتى من نصائح تتعلق بميدان العمل أو الفروسية أو السياسة إلخ، أي ميدان مستقبله الشخصي، لكن بالنسبة للمرأة فالبيت والزوج هما مستقبلها الشخصي.. وبالنسبة للمرأة فهي كائن ناقص الخبرة والتجربة والمعرفة، بالإضافة إلى نقصان القدرة على الفكر أو الفعل، ولذلك فهي بحاجة إلى النصيحة لكي تستقيم حياتها!!
ورغم جور هذه النظرة إلا أن الواقع حينذاك كان يجعلها صحيحة، واقع المجتمع، وواقع المرأة في ذلك المجتمع.. فالفتاة التي لا تتعلم ولا تعمل ولا تحتك بالحياة بأي شكل من الأشكال، والفتاة التي تنجو من الوأد الحقيقي ولا تنجو من الوأد النفسي أو العقلي أو الاجتماعي، تلك الفتاة لا بد أن تكون أقل خبرة وأضيق أفقًا من الشاب الذي تعلم وعمل وجرَّب حظه وتعلم من التجربة.. حتى وإن كانت "المواهب العقلية" متساوية أو متقاربة منذ البداية.. فالأسلوب العام للحياة يؤدى إلى قتل تلك المواهب والقدرات في حالة الفتاة، ويؤدي إلى إنمائها في حالة الفتى، فيصبح بلا حاجة إلى كثير نصائح بينما تصبح هي المستهدفة لكل ناصح!!
ومن النصائح التي قيلت للفتاة لتمكنها من الانخراط في "قالب" المرأة العاقلة التي يريدها المجتمع ما قالته أمامة بنت الحارث لابنتها أم إياس عند زفافها إلى عمرو بن حجر: "أي بنية! إنك فارقتِ الجو الذي منه خرجتِ، وخلفتِ العش الذي فيه درجتِ، إلى وكر لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، فاحفظي له خصالاً عشرًا يكن لكِ ذخرًا.. فالخشوع له بالقناعة وحسن السمع والطاعة.. والتفقد لمواقع عينيه وأنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح ولا يشم منك إلا أطيب ريح.. والتفقد لوقت منامه وطعامه لأن حرارة الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مغضبة.. والاحتراس بماله والإرعاء على حشمه وعياله، وملاك الأمر في المال حسن التقدير وفى العيال حسن التدبير.. ولا تعصين له أمرًا، ولا تفشين له سرًا، فإنك إن خالفتِ أمره أوغرتِ صدره، وإن أفشيتِ سره لم تأمني غدره.. ثم إياكِ والفرح بين يديه إن كان ترحًا، والكآبة بين يديه إن كان فرحًا!!!
هذه هي المرأة "العاقلة" .. فمن هو الرجل "العاقل"؟!!
ملاحظة: لسنا ضد النصيحة عمومًا، فالدين النصيحة، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر في جوهره نصيحة.. ولكن في حالتنا تلك ما نتكلم عنه ليس هو "النصيحة" ولكن "المنهج" أو طريقة التفكير القابعة خلفها- والفارق بينهما كبير كما ترى.
ونرجو من القراء أن يخبرونا برأيهم فيمن يكون "الرجل العاقل" الذي لم يهتم المجتمع بالإشارة إليه على اعتبار أنه موجود بالفعل وليس بحاجة إلى نصيحة أو جهد شخصي ليصبح كذلك!!
ويتبع>>>>: هذا هو الرجل العاقل!
اقرأ أيضًا:
المرأة والرجل على الميزان / اختلاف مفهوم الجنس بين الرجل والمرأة