الديمقراطية بمعنى حكم الشعب بواسطة نوابه الذين يفوّضهم لذلك بالانتخاب، ما عادت كما كانت في القرن العشرين، ذلك أن المعارف والعلوم بأنواعها قد تطوّرت وبلغت ذروتها، ومنها العلوم النفسية التي تعني معرفة النفس وآليات السلوك البشري، وبموجبها يتم ترويضه وبرمجته وفقا للمصالح والغايات.
أي أن البشر ما عاد يمتلك ما نسميه بحرية الرأي والاختيار، وإنما يمكن إعداده لتنفيذ ما يُراد منه دون شعوره وتوهمه بأنه يتخذ قراره بنفسه، ويقرر مصيره كما يرى ويعتقد، والحقيقة أنه مسيّر لا مخير، ومقبوض على وعيه الفردي والجمعي.
وبموجب مفاهيم وقوانين ونظريات وآليات، صارت المجتمعات كالعجينة التي تستطيع أن تصنع منها ما تشاء وتشتهي، فما عادت إرادة الشعوب حرّة، وفقدت دورها وقيمتها، لأنها من الممكن اختصارها ببضعة أفراد تمتثل لهم وتتبع وتقبع في أحضانهم، وفي مجتمعاتنا لعبت العمائم دورها والعشائر والنخب وغيرها الكثير من رموز مختصرات الشعوب ومصادرة حقوقها وتحويلها إلى أرقام.
فالديمقراطيات في أكثر الشعوب تقدما صارت تديرها وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي وفقا لمنطلقات تخدم المرشح المطلوب، وفي المجتمعات المنكوبة، يسير البشر وراء هذا وذاك من مُستعبديه ومبرمجيه وفقا لمنطوق السمع الطاعة المبهرج بالدين.
وهذه الحالة تفسر تصدير الديمقراطيات المنتهية الصلاحيات لمجتمعاتنا، لكي تتحول إلى أدوات لإفنائها وتمزيق وحدتها وقدرتها على الحياة الحرة الكريمة.
فهل توجد انتخابات نزيهة ذات مصداقية عالية؟
هل توجد دوافع وطنية حقيقية؟
مجتمعات الديمقراطيات المدنسة بالأدينة، تحققَ فيها إلغاء الوطن والمواطنة، وصار الانتماء للطائفة والعشيرة من الأولويات والمسلمات اللازمة للبقاء، وتشرعن الفساد وطفح كيل الأنانية وانغمس في مستنقعات الويل والوعيد، ويا روحي ما بعدك روح.
و"إذا لم تستطع شيئا فدعه...وجاوزه إلى ما تستطيع"!!
واقرأ أيضاً:
مقامات الأربعاء!! / الخلفية المكتبية!!