تأملات نفسية في الحب الزّوجي2
(4) لتسكنوا إليها
رغم أنّ الأزواج جميعهم يحلمون أن يصبحوا آباءً وأمهات، لكنّ الخالق بيّن لنا في القرآن الكريم أنّ الهدف الأكبر والأوّل من خلق النّاس رجالاً ونساءً يتزاوجون إنّما هي السّكينة النّفسيّة، والشّعور بالأمن والأمان، الّذي يكون من خلال الحبّ بين الزّوجين... قال تعالى: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّة ورحمة، إنّ في ذلك لآياتٍ لقومٍ يتفكّرون".
وحتّى يشعر كلّ من الزّوجين بالسّكينة والأمان في الحياة الزّوجيّة لابدّ من تحقق أمور أساسيّة لكلٍّ منهما... فبالنّسبة للزّوج لا بدّ أن تكون زوجته جميلة في نظره، والنّاس في الجمال أذواق مختلفة، ولا بدّ أن تكون زوجته مطيعة له تفعل ما يأمرها به وهي راضية غير متذمّرة، ولا تماطل في طاعته حتّى يغضب ويثور، بل تكون معه سهلة الانقياد له لأنّها تراه أهلاً لذلك، فهي تثق برجولته وقدرته على التّصرّف السّليم، والحقيقة إنّ طاعتها له وثقتها به تشعره برجولته وتنمّي ثقته بنفسه، فيكون امتنانه لها عظيماً وبالتّالي يحبّها أكثر، وإذا أحبّها دلّلها وجعله رضاه عنها يرى جمالها ويتغاضى عن عيوبها، فتكون في عينيه أجمل الجميلات.
ومن خلال حبّه لها وتدليله إيّاها وتلبيّته لرغباتها تشعر بأنوثتها لأنّها تشعر أنّها غالية عليه، وتشعر أنّه حريص على إسعادها بقدر ما يستطيع... صحيح أنّ الرّجل لا يقبل الأوامر من زوجته لكنّه إن أحبّها صارت أمانيها ورغباتها وأحلامها عنده كالأوامر الّتي يبذل ما يستطيع كي يلبّيها...
وقديماً قالت أعرابيّة لابنتها المقبلة على الزّواج "كوني له أَمَةَ يكن لك عبداً"، وقد أيدت الملاحظات المعاصرة ذلك.
إنّ الرّجل يسخِّر طاقته كلّها ليسعد المرأة الّتي تشعره برجولته، فتصبح سعادتها هدفاً له يسعى إليه، وبذلك تغذّي هي شعوره برجولته، ويغذّي هو شعورها بأنوثتها، وتمتلئ نفسه ونفسها سكينة وطمأنينة.
(5) صمته وإفضاؤها
ما أكثر ما تشتكي الزّوجات من صمت الأزواج... وعندما يعود الزّوج إلى بيته والهمّ بادٍ على وجهه، فتسأله زوجته عمّا يشغل باله؟ فيجيبها أن لا شيء تتألّم هذه الزّوجة وتشعر أنّ زوجها يعاملها كالغريبة، فلا يبوح لها بسرّه ولا يشتكي لها همّه...
إنّها إن مرّت بما يزعجها أو شغلتها الهموم فسوف تختار أقرب النّاس إليها لتحدّثهم عمّا ضايقها وتخبرهم عن همومها... وإنّ حديثها عمّا يشغل بالها وإفضاءها بذلك لشخص معيّن دليل على مكانة هذا الشّخص في نفسها وقربه منها، لذلك فإنّها ترى كتمان زوجها لهمومه عنها دليلاً على أنّه لا يعتبرها قريبة منه، ولا يراها جديرة بأن يأتمنها على أسراره... ولكن الحقيقة غير ذلك، الحقيقة هيَ أنّ الرِّجال يختلفون عن النّساء... الرّجل مفطور منذ طفولته على الاستقلاليّة، ويرى الشّكوى للآخرين ضعفاً، لذلك يميل أغلب الرّجال إلى الصمت وعدم الحديث عمّا يشغل بالهم من هموم، إنّهم يحاولون التّغلّب على مشكلاتهم بأنفسهم، والرّجال عموماً إذا تحدّث أحدهم عن مشكلة تواجهه فهو لا يقصد مجرّد الحديث ليرتاح، بل إذا تحدّث عن مشكلته فهو بحديثه يطلب المعونة ممّن يتحدّث إليه، بينما المرأة عموماً تريد أن تتحدّث عن مشكلاتها لشخص حميم بالنّسبة لها يتعاطف معها ويستمع إليها ويصبّرها بكلمة طيّبة... إنّها إن أرادت المساعدة طلبتها بصراحة، أمّا طالما لم تطلبها صراحة فإنّها تريد أذناً صاغية متعاطفة لا أكثر، إنّها تفكِّر بمشكلاتها بصوت مرتفع مع شخص تحبّه وتثق به، بينما الرّجل يميل إلى التّفكير بمشكلاته بصمتٍ وبمفرده.
وهذا يعني أنّ على المرأة أن لا تلحّ على زوجها كي يحدّثها عن همومه لأنّ ذلك يضايقه، ولتعلم أنّ صمته وتكتّمه ليس دليلاً على أنّه يعتبرها غريبة عنه، بل هو دليل على رجولته القائمة على القوّة والاستقلاليّة... وبالمقابل على الرّجل إن حدّثته زوجته عمّا واجهته من مشكلات في عملها أو في بيتها أن يستمع إليها استماع المتعاطف، وأن يمنع نفسه من اقتراح الحلول لمشكلاتها لأنّها لا تريد منه أن يحلّ لها مشكلاتها، إنّما تريد منه أن يصغي إليها لتُخرِج ما في صدرها وتنفّس عن نفسها لترتاح، وستكون له ممتنّة إن هو اكتفى بالإصغاء إليها دون التّطوّع لحلّ مشكلاتها، لأنّ طبيعة الأنثى تختلف عن طبيعة الذّكر، وإدراك الزّوجين لأوجه الاختلاف هذه يجعل حياتهما الزّوجيّة سعيدة هانئة.
بقلم الدكتور محمد كمال الشريف
استشاري الطب النفسي في مركز
كيور كير في جدة في السعودية
واقرأ أيضا:
الهُوال_2 PTSD: / أثر الصوم في نفس المؤمن 5