* "يرى أنه كي أصبح رجلاً، فإن عليَّ أن أصبح شديد القسوة مع من حولي".
* "يعيرني أمام كل من أعرف ومن لا أعرف من أصدقائه بأنه وفرّ لي أرغد حياة مع أنه أستاذ جامعي من المفترض أن يفهم نفسيتي جيدًا".
* "يظن أنه حين يضربني ضربًا شديدًا سأغير سلوكي.."
تلك هي شكاوى الأبناء من الآباء، فهل نعق أولادنا ثم نتوقع منهم البر والطاعة؟!
مقاييس الرجولة
وليد سيد – مهندس ويشرف على مصنع أبيه المخصص لصناعة النجف – 27 عامًا يقول: أبي ينزع يدي تمامًا من الأمور المالية والإدارية، ويعلن أمام جميع إخوتي البنين بل البنات أنني مشرف فني فقط على المصنع، أما غير ذلك فالأمر غير موكول إليَّ، لماذا؟ لا يتحرّج من أن يعلن أني طيب جدًّا، ولو صارت الأمور إليَّ لكسدت تجارتنا، أنا أستطيع أن أترك المصنع ولكن لن أبدأ بالعقوق، كما أني لن أتسبب في مشاكل مع إخوتي مهما طال الزمن، أبي لا يفهم أن الرزق شيء والقسوة شيء آخر، وأن اللين والقسوة كليهما مطلوب، أبي لا يفهم طبعي.
لا أريد ماله..
أحمد عبد الحليم – باحث ويعد لرسالة الماجستير بإحدى كليات القمة – 25 عامًا أبي الأستاذ الجامعي الكبير، يعايرني طوال الوقت بما يوفره لي من مال، ولا يتحرج من إكمال المناقشة معي أمام أحد ضيوفه، مهما كان أقل مني عمرًا أو مكانة، وأشعر بإحراج لا أستطيع وصفه، حين يقول هذه الكلمات أمام أحد أعرفه، وكأنني عاجز عن العمل ، أما حينما يقوله أمام ما لا أعرفه فإنني أشعر كأنه يعيرني أمامه..!
الضرب والتغيير
وائل عبيد – طالب بالصف الثاني من المرحلة الثانوية بإحدى المدارس الفنية – يقول: أبي يربيني تمامًا كما تربى هو واعتاد من أبيه ؛ فكثيرًا ما ينهال عليَّ بالضرب الشديد، ذات مرة كسر إصبعي، وسمعته يقول لعمي: "أربيه وأنا صغير أفضل من أن يتجاسر عليَّ وأنا كبير، ولا أستطيع التصرف معه"، أبي يتخيل أني سأتغير نتيجة ضربه؛ لذا أتركه يضربني حتى يمل هو ويراني أفعل ما لا يحب ثانية؛ فيصرخ من الغيظ... وهكذا تدور العلاقة في حلقة مفرغة.
سأتزوجها!
"لا يكتفي بأن يضع سماعة الهاتف بل يتهمها بالفجور، أبي الرجل الكبير ذو المكانة والسن". بهذا يبدأ كرم سامي – طالب جامعي بإحدى الكليات النظرية - كلماته، ويكمل يقول لزميلتي: "لو أن لك أبًا أحسن تربيتك لما هاتفْتِه، والله لن أخطبك لابني مهما حدث" ويغلق الخط في وجهها، ويخبرني أنني لن أتزوجها مهما حدث، بل سأتزوج ابنة عمي التي من مكاني، و"مقاسي"، وليس غيرها، وكأننا نعيد فيلمًا من الأفلام الكلاسيكية القديمة، أبي لا يعرف أن زملائي وزميلاتي يعوضونني عن انصرافه عني لعمله وتجارته، وأنني لن أكرر سيرته أبدًا، كما حاول هو أن يكرر سيرة أبيه تاجر الرخام الذي نجح في أن يكون مليارديرًا.
فقط … خفيف
محمد حافظ – صاحب محل بقالة بإحدى الأحياء شبه الراقية – 36 عامًا، صار لدي مورد للرزق منفصل عن والدي ، لكن لا يزال صدى تصرفاته يتعبني عندما أريد النوم، فهو يتعامل مع التجار الذين أتعامل معهم تقريبًا، وهو يؤذيني بكلماته أمامهم، وقد يسبني – يسب نفسه بالطبع أولاً- هذا لا يهمه، الذي يهمه هو فقط مصلحته المالية، ثم إنه يؤلب عليّ إخوتي، أتجنب مواجهته، ولكن الحقيقة أو المشكلة هي: أن أبي "خفيف" لا يعرف أن زماننا يحتاج إلى كثير من التروي والاتزان قبل التصرف حتى في مجال التجارة الصغيرة.
متخصص بعثرة
حسام لطفي – السنة الرابعة من كلية التربية – 22 عامًا: أراه يبعثر في أشيائي، فأتركها له قليلاً، حتى يخرج من غرفتي في هدوء، إنسان صارم منضبط بكل معنى الكلمة، أتعمد في حياتي أن أكون عكسه تمامًا أبعثر حياتي كما يبعثر هو أشيائي ، فقط عندما تعرضت لحادثة سيارة بشعة بسبب تهوري رأيت الدموع في عينيه للمرة الأولى وهو يزورني في المستشفى وأظهر لي حنانه، فهل يجب أن أشارف الموت حتى أشعر بأبوته!؟
لا يعترف بـ"جنسي"
هند سعيد- معدة برامج بالتلفاز – 24 عامًا: أبي أنجبني وحيدة بين بنين، ولأنه اعتاد منذ زمن أن يُسقطني من حساباته تمامًا، فالجلوس معي والحديث "تبسط" و نوع من الليونة ؛ حينما ضقت بذلك واجهته ، قال لي : إن عمتي لم تحدث جدي إلا مرتين ، مرة عند زواجها، وأخرى قبل وفاته، طبعًا هو يبالغ جدًّا، ولكنه يريد أن يقول لي: احمدي ربك أني أرد عليك السلام
ما قد يأتي
مروة مكاوي – مساعد مخرج – 26 عامًا: أجبرني على الدخول في تجربة حُسبت عليَّ كسابقة زواج، حينما أصر على رأيه، بل أقسم أنه لن يأخذ "توكيلي" في الزواج إلا على الشخص الذي اختاره هو، وعندما قلت له أعرفه ولا أطيقه، أصر على أن الحب يأتي بعد الزواج ؛ لأنه وأمي تزوجا هكذا، استجبت أخيرًا لرغبته، تزوجت شهرين فقط اكتشفت خلالهما أننا غير متوافقين على الإطلاق. سامحه الله فإني لا أعرف إن كنت ما زلت فتاة مثل كل زميلاتي أم مطلقة كما يُذكِّرني أحيانًا.
تربية الأبناء فن وعلم
د. مصطفى أبو سعد الشكدالي (اختصاصي نفسي وتربوي/ المغرب) تربية الأبناء فن وعلم، وما انحرف الأبناء وانجرفوا في تيارات الضلال إلا بعد أن استقال الآباء والأمهات عن الإلمام بقواعد هذا الفن والعلم.
القواعد تمنحك الحلول حتى لا تلجأ لرفع الصوت والضرب والشتم، وهي تساعد الآباء
والمربين على فهم العملية التربوية والتدخل بشكل إيجابي لحل المشاكل.
وتقوية الجوانب الإيجابية في شخصية الطفل واكتشاف المواهب وصقلها بدل تدميرها وكبتها.
في تربية الأبناء
د. محمد جودة – الأستاذ بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر يقول: الأصل في علاقة الابن بأبيه أن الأب متقدم عن الابن في الوجود، وبالتالي فهو أوسع إدراكًا، وأكثر خبرة، وأعلم بالمصلحة، وواجب عليه شرعًا أن ينقل كل هذا لابنه، يقول تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا قُوْا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيْكُمْ نَارًا وَقُوْدُهَا النَّاسُ والْحِجَارَة.."، وهناك مقولة للإمام علي – كرم الله وجهه - تقول ما معناه – "درِّبُوا أبناءكم على غير ما اعتدتم؛ فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم"، ويكمل د. جودة فيقول: ولكن ينبغي ألا تفهم هذه المقولة خطأ فالتطور له مظهران: أولاً: ما يتعرض لظاهرة الشكل: وهو ما نراه من تقدم علمي وتكنولوجي من تلفاز وقنوات محلية وفضائية، وفيديو، وكمبيوتر وإنترنت وما إلى ذلك، يجب أن ندرب أبناءنا على التعامل مع كل هذه الأجهزة.
أما الذي ينكر الزكاة، ويمنع ابنه عن حقه في ماله مثل: إخوته لأنه طيب وما إلى هذا، فهو ذنب عظيم، وضَّحُه تعالى في سورة النساء بعد ذكر آيات المواريث "وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُوْلَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُوْدَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيْها وَلَهُ عَذَابٌ مُهِيْن".
أما الأب الذي يسيء لنفسه قبل ابنه، أو يتعمد الخير لنفسه، بتكرار زواجه، ويَدَع ابنه الشاب حيرانًا، ومن لا يحسن التصرف، إذا كان هذا طبع فيه، هنا نطالب الأبناء بأن يلزموا حدود التحمل، فطاعة الوالدين فرض عين في الإسلام، واحترام الوالدين يلي حق الله سبحانه "وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا.."، على الأبناء أن يتحملوا ولهم جزيل الأجر والثواب عند الله عزوجل، يقول تعالى: "وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيْرًا"، وإلا فسوف يحل العقوق بهم، وهو ذنب عظيم، وكبيرة نرجو ألا تحل بهم.
المِجْهَر الأُسُرَي..!
أما د. فكري عبد العزيز – مستشار الطب النفسي والأعصاب وعضو الاتحاد العالمي للصحة النفسية فيقول: نحن في عصر متغير فعلاً عن الذي تربينا كآباء فيه، عصر فيه المعلومات أكسبت الأبناء قدرات تفوق الآباء.
هذا "اللبس الاجتماعي" حله في وجهة نظر د. فكري في "المهجر الأسري" رؤية الآباء للأبناء عبر مختلف مراحل عمرهم، من مرحلة مبكرة، فالحقيقة تقول إن سيكولوجية النمو تبدأ من مرحلة الرضاعة حتى عامين، ثم الطفولتان المبكرة والمتأخرة، المجهر الأسري يبدأ من سن السنوات السبع في النشاط، والمتابعة الدورية من الوالدين. وكأن الصغير من سن السنوات السبع تحت "مكيروسكوبهما" فهي سن التمييز أو "الحمرة والجمرة على حد تعبير الإمام علي كرم الله وجه"، هذا المجهر يخلق القدرة الإنسانية على التواصل بصورة "تواكب" التقدم الهائل، وتزيد، فتربطهما بالابن أكثر، حينما يتواصل معه في مرحلة اكتساب الصفات في المدرسة، ويرى فيه القدرة على مبادلته العطاء النفسي، ثم المرحلة الأهم والأخطر التي نسميها في قاموس علم النفس، "مرحلة الولاء الجديدة" المراهقة، ومتابعة التغيرات في مختلف النواحي تؤثر على القدرات العقلية.. من هنا لو كسب الآباء والأبناء في صفهم، بالقدرات الإنسانية، بالدين أولاً ثم التقارب الأسري الاجتماعي، يكون الأب خير منصت للابن، يحترم قدراته، استيعابه لمعلومات عصر جديدة، وطرق تعامله، ولا يخجل الأب من أن يغيِّر من فهمه النفسي بما يواكب زمن الابن، من هنا يتحقق المجهر الأسري، ويتغلب الأب على كل الصعوبات التي تحول دونه ودون ابنه.
واقرأ أيضا:
أينشتاين الصغير.. كيف أكتشفه؟ / عندما يكون النموذج التربوي لانموذجا!