يطيل النظر إلىّ، لا.. إن عينه تقتحم جسدي كله اقتحاما من خلال الثقبين الصغيرين في أعلى وجهي. والقاعدة ترن في أذني: حين ينظر إليك .. يجب أن تثبت عينيك في عينيه حتى يبتعد هو..
لكن تبا لهذا الشخص إنه لم يبتعد..
إنه حتى لم ينظر إلى الأباجورة ولو نظرة عابرة رغم أن يده تقلبها وتعبث بأزرارها وتفرد السلك الطويل وتثنيه..
لقد اعتدت نظرات الناس – أو العملاء كما أحب أن أسميهم – لكنها عادة تحمل التساؤل أو الدهشة المختلطة بالإعجاب لقدرتي على تتابع الكلام السريع والمنظم، وأغلبها تحمل الكثير من الشك، وربما حملت بعض التعالي أو حتى الاشمئزاز، مع أنى لم أكن أبدا لزجا فلو أشاح العميل مجرد إشاحة بوجهه ستجدني أنصرف سريعا قائلا: شكرا لسيادتك.. ألف شكر
لكن هذه نظرة جديدة أستطيع أن أصنفها بأنها ثقيلة
أنا أتجاهلها وأواصل الشرح وأبذل مجهودا جبارا كي أشد عضلات وجهي وأصنع ابتسامة خفيفة أمنعها من الارتعاش كي تبدو واثقة وأنا على وشك الانهيار أمام هذه النظرة التي بدأت تثير ضيقا كبيرا في نفسي كأن أحدهم يضع ثقلا كبيرا على صدري. حتى أن الكلام بدأ يأخذ رنة آلية وكأني أستظهر وردًا قديما من المحفوظات أقوله دون تفكير.
لكني لم ألبث أن تجاوزت بسرعة هذه الآلية، وعادت يدي لحركتها حيث انتزعت منه الأباجورة –كما تعلمنا– حتى يشعر العميل أنه فقد شيئا..
لكنه أطبق يده عليها .. فلم تفلت منه .. وهنا فقط سكت لحظة..
وقد أطبقت أنا أيضا يدي على الأباجورة .. وخلال هذه اللحظة الصغيرة من الصمت كانت عيني مثبتة إليه بطريقة لم تحدث لي مع شخص من قبل قط.
وقبل أن تنتهي اللحظة وجدته يبتسم –لدهشتي- لأول مرة ويرخي الأباجورة فجأة، ثم يقول لي بود كبير وكأنه يعرفني منذ زمن: أنا لا أحتاجها فعلا.. شكرا.
كنت أود أن أنفعك .. لكن .. شكرا
وبالمناسبة.. أنت ..
ثم تردد قليلا وتابع قبل أن يطرق برأسه وينصرف: أنت تمتلك شخصية قوية.
واقرأ أيضا:
حبـال زرقاء / الرسالة الأخيرة