واقفُُ على باب دكاني الوحيد في الشارع الضيق ورأيتُ صبياً يجر عربة فول ويدندن بأغنية شهيرة، كان يتطلع إليّ من أول الشارع حتى اقترب.. لم تكن حالتي التجارية على ما يرام منذ فترة ومع ذلك أكملت معه الأغنية بصوت عالٍ .. وقف بعد محلي بقليل وشرع يدق بجرس أخرجه من العربة وهو ينادي على بضاعته.. لم يأبه به أحد فعاد للدندنة وأنا أرمقه.. لم أتفاعل معه هذه المرة فعاود الدق.
خرج من إحدى الشرفات رجل بملابسه المنزلية ينهر بائع الفول صائحاً:
- كفاك إزعاجاً.. أقلقتَ الحيّ كله.
تطلع إليه الفتى بلا مبالاة وهو يعند بدق الجرس مرة أخرى، بدا الغضب على وجه الرجل فصحتُ ليعلو صوتي على صوت الجرس:
- اتركه يسترزق يا أستاذ.
- اللص أيضاً يسترزق يا أفندي.. المهم أنه يؤذي الآخرين من أجل رزقه هذا، ولتعلم أن هذا حرام بقدر علمك أنه رزق.
- يا أستاذ فليكن قلبك أبيض.
- لو أصبحتْ كل القلوب بيضاء لقصرت أعمار البشر أكثر.. وازداد المرض أكثر.. ولقتلنا بعضنا في لحظة غضب أسرع.
مشى الولد أثناء الحديث الذي بدأتُ أستمتع به مع الرجل قتلاً للفراغ والضيق الذي ينتابني من قلة البيع:
- هل ستصلِح الكون يا أستاذ؟
- كلا، فأنا في وقت القيلولة الآن.. عن إذنك.
انسحب للداخل بعد أن ألقى نظرة سريعة على مكان البائع الخالي.. ثم عاد وكأنما تذكر شيئاً فقال لي:
- كما أن الكون قد تعدى مرحلة الإصلاح بكثير.
وأسدل وراءه ستار الشرفة.
واقرأ أيضا:
الرسالة الأخيرة / مندوب مبيعات