يظن بعض المرضى النفسيين وذويهم أن الأدوية أو (العقاقير) النفسية الجديدة، الغالية الثمن هي الأفضل بالنسبة لاضطراباتهم النفسية!، وهذه المقولة يعتريها ويشوبها الكثير من الشك -بالنسبة لي على الأقل- كطبيب وكأستاذ في الطب النفسي، فأنا أرى من خلال الممارسة اليومية لكتابة الوصفات (الروشتات) من هذه العقاقير الجديدة والقديمة على السواء أن بعض الأدوية النفسية القديمة تكون أكثر فاعلية وأشد تأثيراً على كثير من المرضى النفسيين!!. والقاعدة الذهبية هي أن كل مريض نفسي له العقار أو الدواء الذي يناسبه، ويعطي مع هذا المريض أفضل النتائج ولو كان هذا الدواء قديم ورخيص الثمن!، بالإضافة إلى أن الأدوية الجديدة غالية الثمن قد يكون لها آثار جانبية أسوأ من الآثار الجانبية للأدوية النفسية القديمة، وأنا لا أرغب في إخافة المرضى من الأدوية الجديدة المستعرة الأسعار، ولكن فقط أريد أن أنوه على أن الكثير من أدويتنا النفسية القديمة لها جليل الاحترام والتقدير من أساتذتي وزملائي المحترمين!.
وكما تلاحظون هذا الخط تحت كلمة المحترمين، وسأذكر بعض النماذج على بعض الأدوية النفسية القديمة، والتي مازالت تقف بشموخ في مواجهة العقاقير الجديدة غالية الثمن:
وسأبدأ بعقار "الهالوبيريدول" والذي اشتهر منذ سبعينات القرن الماضي، وأستطيع أن أقول أنه بالرغم من رخص ثمنه كمضاد للذهان -بالنسبة لأثمان مضادات الذهان الجديدة باهظة الثمن– إلا أنه أشد فاعلية وأكثر تأثيراً من الأدوية الجديدة، وأستطيع أن أقول أيضاً أنه أكثر أماناً من كثير من مضادات الذهان الحديثة، ويكفي أنه آمن على مرضى القلب المصابين بأي اضطراب ذهاني، وإن كان أسوأ عيوبه هو حدوث رعشة ورجفة بالأطراف وأحيانا تخشب في العضلات لدى بعض المرضى الذهانيين.
أما العقار القديم الثاني الذي سأذكره فهو "الترايلافون" والذي اختفى من أسواق الأدوية بكثير من أقطار العالم فجأة، وفي ظروف غامضة تدعوا للريبة والشك والدهشة، وبالتأكيد قد حدث كل هذا لصالح أحد الأدوية الجديدة المضادة للذهان!، ثم قام مجموعة من الأطباء الأمريكان بعمل دراسة حديثة مفتوحة وممتدة لأعوام على المرضى الذهانيين، استخدموا فيها مضادات الذهان الحديثة بالمقارنة مع "الترايلافون"، ولم يجدوا فرقاً كبيراً في التأثير بين مضادات الذهان الحديثة وهذا المضاد القديم للذهان، والذي ظهر لنا فجأة (من تحت الأرض) في تلك الدراسة التي أقامت شركات الأدوية العالمية الدنيا عليها –كدراسة مفتوحة على عدد كبير من المرضى الذهانيين- ولم تقعدها بعد!!، ونحن كأطباء نفسيين نجلس ونستمع للخبراء العالميين المدعومين من شركات الأدوية العالمية بالطبع!!!، ونصفق لما يقولون ثم نتعشى في فندق خمس نجوم "سُحت" على حساب شركة الأدوية العالمية!!؛ ثم نرجع بعد ذلك لبيوتنا لننام!!.
وأزيدكم من الشعر بيت، هناك عقار مضاد للاكتئاب البسيط والمتوسط الشدة، وله قدرة شفاء عالية مضادة للقلق المصاحب للاكتئاب، وهو رخيص الثمن لا يتجاوز ثمن أربعين حبة منه عشرة جنيهات مصرية؛ إنه عقار "الموتيفال" والذي بدأ يختفي من الأسواق الخليجية الغنية حتى يُفسح المجال أمام أدوية الاكتئاب الجديدة غالية الثمن!!، وبحجة أنه مكون من عقارين في داخل الحبة الواحدة!!، وبالتالي فإن احتمال حدوث أعراض جانبية كثيرة من تناوله متوقعة!، رغم أن ذلك الكلام النظري هو عكس ما نعرفه عنه كعقار آمن الاستخدام تماماً؟ أرأيتم أسباب منعه؟؟!!.
بعض المنومات والمهدئات رخيصة الثمن جداً لدرجة أن الشركات التي تنتجها أوقفت خط إنتاجها لرخص ثمنها، مثل عقار "الأتيفان" الشهير مثلا، أما المرضى الذين ينامون بهذا العقار فليخبطوا رؤوسهم في الحائط القريب من كل منهم حتى يناموا، أو يمكن كل واحد منهم يستخدم عقاراً منوماً بديلاً على مزاجه!!!.
والأمثلة كثيرة وأعجز عن حصرها الآن، ورغم أن العقارات النفسية الحديثة غالية الثمن غالباً فقد تناسب حالات بعض المرضى النفسيين، وقد يظهرون تقدما علاجياً ملحوظاً على تلك الأدوية، ولكن ما يزال هناك نسبة من مرضانا النفسيين قد يفيدهم أكثر استخدام الأدوية النفسية القديمة الأرخص بكثير من العقاقير النفسية الحديثة باهظة الأثمان، والتي تُعد نموذجا واضحاً لفرض الهيمنة والعولمة علينا، فعلبة الدواء التي لا يتجاوز ثمنها الفعلي عشرة دولارات تبيعها الشركة العالمية للأدوية بأكثر من مائة دولار، وعجبي!!!.
ويتبع >>>>>: هل الأدوية النفسية باهظة الثمن أفضل؟! مشاركتان
واقرأ أيضاً:
كيف يعالج عقَّارٌ مادي معاناة نفسية؟ ××/ الأدوية النفسية كلها مخدرات تسبب الإدمان ××/ لا فائدة من العقاقير النفسية ××
ويتبع >>>>>: هل الأدوية النفسية باهظة الثمن أفضل؟! مشاركتان
واقرأ أيضاً:
كيف يعالج عقَّارٌ مادي معاناة نفسية؟ ××/ الأدوية النفسية كلها مخدرات تسبب الإدمان ××/ لا فائدة من العقاقير النفسية ××