هل يصح من الطبيب النفسي أن يتزوج من مريضته؟؟!
هل يصح من الطبيبة النفسية أن تتزوج من مريضها؟!
هذا السؤال القديم الحديث قد يزعج كلاً من المريض والطبيب النفسي، ولكنه واقع يواجه الطبيب النفسي أو الطبيبة النفسية خلال فترة عملهما بمجال الطب النفسي، ولذلك هناك تقنين عالمي بدأ في الغرب لتلك المسألة، وهذا في حدود معلوماتي عن تاريخ الطب، هذا التقنين هو أن الطبيب أو الممرض النفسي الذي يتعلق بمريضته ويتزوجها عليه وفوراً أن يستقيل من عمله كطبيب أو ممرض نفسي، والعكس صحيح بالنسبة للطبيبة أو الممرضة النفسية؛ ولكن لماذا هذا التقنين أو العُرف المهني المعمول به في الغرب؟؟!!، ويحترمه العاملون في مجال الطب النفسي هناك؟؟!!.
أرى أن من وضع هذا التقنين له وجهة نظر محترمة، ألا وهي أن المريضة النفسية عندما تجلس مع طبيبها النفسي المعالج وتحكي مشاكلها وصراعاتها الحياتية لطبيبها بكل دقة وبالتفصيل الممل أحيانا، تكون المريضة النفسية في ذلك الوضع هي الطرف الأضعف، والطرف المكشوف والمُعرَّى تماماً أمام الطرف الآخر، ومن المعلوم أن المريض أو المريضة النفسية أثناء جلسة العلاج النفسي قد يذكران ما يثير الاشمئزاز أو السخرية أو الشفقة أو غيرهم من المشاعر لدى المعالج النفسي سواء كان طبيبا أو ممرضا أو أخصائياً نفسياً، وهذا الوضع المهني البحت لا يحدث في الظروف العادية بين أي شاب وفتاة يتعارفان ويتحابان في الظروف الحياتية الاعتيادية اليومية، فلكل منا في الظروف العادية خصوصياته وأسراره التي لا يستطيع الآخر تجاوزها إلا بإذن وقبول من الطرف الآخر، وحتى في حالات الارتباط والزواج فقد لا يخبر أحد الطرفين الطرف الآخر عن كل خصوصياته وأسرار حياته، وهذا هو واقع حياتنا.
أما المريض النفسي وبدافع الرغبة في الشفاء من علته النفسية فهو يُخبر معالجه بكل تفاصيل حياته، بل قد يهتم بإخبار معالجه بمشاكله ونقاط ضعفه والصراعات الخفية شديدة الدقة والخفاء في حياته قبل أن يخبره بنقاط قوته رغبة منه في الشفاء، وعلى المعالج أن يحترم كل أسرار مريضه ويسترها ولا يكشفها ولا يستغلها ضد مصلحة مريضه، ولا يصح له أن يبتز مريضه النفسي بأي صورة من الصور.
وهناك حالات نادرة قد يكشف فيها الطبيب سر مريضه؛ خوفا على مريضه أن يؤذي نفسه بالانتحار مثلاً، أو أن ينوي المريض إيذاء الغير وارتكاب جريمة في المستقبل القريب مثلاً، وذلك أيضا من باب حرص المعالج على مصلحة مريضه، ونظراً للخصوصية الشديدة لتلك العلاقة بين المعالج والمريض، والتي تشبه كثيرا علاقة الوالد بابنته والأم بابنها، وإن كان المريض هنا كابن لا يعرف إلا القليل القليل عن والده المعالج!!.
وأذكر مسلسلاً تليفزيونياً عربياً قد تعرض لمثل تلك المشكلة في الماضي القريب، والذي ظهر فيه تعلق الطبيب النفسي الشديد بمريضته، وتعلق المريضة الشديد بطبيبها المعالج ورغبتها الشديدة في الزواج منه!!، والتي يأس الجميع من شفائها، ولكنه بصبره ومثابرته استطاع أن يعيدها إلى حياة البشر مرة أخرى، وكان من ذكاء المخرج أن جعل نهاية المسلسل مفتوحة؛ فالمريضة النفسية التي واجهت شراسة الحياة وصعوباتها، وبالذات طمع أخيها الأكبر في فرض وصايته عليها ليضم نصيبها من إرث الوالد إليه، وهي التي قد صُدِمت من قبل بعنف والدها نحو أمها، هذا الأب الذي مات ولكن أخاها الأكبر خلفه في الوصاية عليها، وكان هذا الأخ شديد الشبه بوالدها خلقاً وخُلقاً، فرغم تماثلها للشفاء من صدمتها النفسية الأولى، ودخولها في معترك الحياة بعد سنين طويلة من العزلة، وبعد جهود جبارة من طبيبها المعالج، فقد أعلنت "سارة" بعد -أن واجهت صراعات الحياة التي تزايدت من حولها- كرهها وبغضها لتلك الحياة البشعة المؤلمة مفضلة عليها عزلتها ووحدتها ووضعها الشبيه بوضع الجنين!!، ولم نعرف في نهاية المسلسل إن كانت قد تزوجت من طبيبها المُعالج أم لا؟؟!.
ومن المعروف بل من المؤكد وجود وتنامي علاقة حب بين المُعالِج الناجح ومريضته؛ ولكنه حب من نوع آخر، حب فيه التقدير والاحترام والإعجاب والامتنان من المريضة التي تتحسن وتتماثل للشفاء -من مرضها النفسي المزعج- نحو معالجها الناجح الذي تفهم مشاعرها وتفكيرها وتصرفاتها، وذلك بعد أن فشل الكثيرين في تفهم حالتها وظروفها!، وقد يكون من بين هؤلاء الأشخاص -غير المتفهمين لحالتها ووضعها- أخوها وزوجها ووالدها وغيرهم!.
في الحقيقة لم أسمع ولم أقرأ أن هناك تقنيناً واضحاً في كل الأديان السماوية لهذه العلاقة بين زواج المعالج النفسي من مريضته أو المعالجة النفسية من مريضها، وأنا أرى -من وجهة نظر شخصية- أن العرف الغربي في هذه المسألة له وجاهته، فهو لم يُحرِّم الزواج بين الطرفين، ولكنه اكتفى بأن المعالج النفسي أو المعالجة النفسية -اللذين قد يصدر منهما مثل ذلك التصرف- على كل منهما أن يكفا عن مزاولة مهنة العلاج النفسي، وعليها أوعليه أن يستقيلا أو يمارسا عملاً آخر غير العلاج النفسي.