أرسل خالد قدري (مهندس، 33 سنة، المملكة العربية السعودية) يقول:
مع احترامي لكل الأطباء النفسيين وكل أدوية الاكتئاب أنصح الأخت الكريمة أن تنزل لزيارة أحد الأحياء العشوائية وترى كيف يعيش الناس كيف يتقاتلون على طابور الخبز كيف؟ وكيف؟ وعندئذ ستحمد الله على نعمة العافية وتودع هذا الاكتئاب إلى الأبد ومع احترامي لكل الأطباء النفسيين ولكل أدوية الاكتئاب.
تعليق الأستاذ الدكتور مصطفى السعدني:
الأخ المهندس خالد، تحية طيبة وبعد.......
لا يرتبط الاكتئاب بمستوى المعيشة ولا التدين في بعض أنواع الاكتئاب، وبالذات الاكتئاب الوراثي غير مبرر السبب Endogenous Depression؛ والذي لا يرتبط بظروف الفقر ولا بظروف الغنى، ومن المعروف أن أعلى معدلات الانتحار والاكتئاب الجسيم في العالم موجودة في الدول الإسكندنافية وهي السويد والنرويج وفينلندا وإيسلندا والدنمرك، وكما ترى وتسمع هي دول يتمتع فيها الفرد بأعلى الدخول في العالم، وتكفي إعانة البطالة -لمن لا يعمل منهم- لكي يعيش معيشة أفضل منا من حيث متطلبات الحياة الأساسية التي يحتاجها الإنسان، أضف إلى ذلك الحريات التي يتمتع بها الشخص هناك –ونحن بالطبع محرومون من مثل تلك الحريات– وكذلك عدم التلوث اليومي الذي نعيش فيه –سمعي وبصري وكيميائي وإشعاعي وغيرهم– ذلك التلوث الذي يمكن أن نعتبره من الأسباب التي تؤدي إلى كل مكروه في حياتنا، وليس الاكتئاب فقط، ورغم كل ذلك فأعلى معدلات للاكتئاب الجسيم الذي يؤدي للانتحار تكون بين أبناء تلك الدول الغنية والمتقدمة، ورغم المعاناة العنيفة التي يعاني منها سكان العشوائيات فنحن نجد من بينهم من يضحك ويبتسم بل ويُضحك الآخرين أحيانا!!.
قد يكون الاكتئاب التفاعلي وصعوبات التكيف المصحوبة بالاكتئاب والقلق منتشرة بين الفقراء من البشر؛ نتيجة لظروف حياتهم الصعبة، ولكن لا يفكر إلا القليل من هؤلاء في الانتحار والتخلص من حياته، بل غالبا ما يكون الفقر والعوز دافعا للبحث عن الثراء والجد والاجتهاد في الحياة، وهذا ما ذكره الله عز وجل في سورة البلد حيث قال: "لقد خلقنا الإنسان في كبد"، أي في مشقة وعناء، لكل ذلك لا داعي لأن نلوم شخصا على اكتئابه أيا كان مستواه المادي أو الثقافي أو الاجتماعي أو الديني، فالاكتئاب قد يكون باديء ذي بدء اضطرابا عضويا بحتاً يصيب شخصا غنيا ومتدينا ولا حيلة لهذا الشخص في علاج هذا الاضطراب إلا أن يلجأ للطبيب النفسي ويأخذ العلاج المناسب حتى تمضي نوبة الاكتئاب بسلام وبأقل الخسائر المكنة، وللعلم فآلام الاكتئاب أشد قسوة من آلام السرطان، فنادرا ما ينتحر مريض السرطان –إلا إذا أصيب بالاكتئاب– أما مريض الاكتئاب الجسيم فهو معرض لخطر الانتحار وبسهولة.
وأرى فائدة في رسالتك ألا وهي: حث الأغنياء -المصابين بالاكتئاب وغيره من الأمراض- على الصدقة والبر بالفقراء من أهل العشوائيات مثلا؛ ففي هذه الصدقة شفاء من كل مرض مستعص على العلاج، وكفى بالله شافيا وواقيا من كل داء وبلاء، يقول صلى الله عليه وسلم: "داووا مرضاكم بالصدقة".
وفي النهاية تذكر أخي العزيز أنه لا يوجد شخص مُحصَّن ضد الاكتئاب؛ فكلنا عرضة لهذا الاضطراب الوبيل، والذي نتمنى أن لا يصيب أحدا من البشر ورزقنا على الله.
اقرأ أيضاً: