بعد معاناة من زوجتي معي كي أذهب للسينما وافقت على الذهاب واستفتحت الإجازة الصيفية بفيلم "كباريه"، وطبعا الفيلم مليء بالمتناقضات، والتي يمكنك أن تعددها بلا حرج، وتذكرت سؤال ابنتي الصيدلانية لي على منتدى مجانين في باب الحوارات العامة: هل الشعب المصري يعاني من حالة شيزوفرينيا أو فصام؟!
وكانت إجابتي عليها أن التناقضات التي نجدها في سلوكيات أي شعب هي وسيلة من وسائل التحايل على ظروف الحياة الصعبة أو بمعنى آخر استخدام الناس لبعض الحيل الدفاعية كي يتعايشوا مع ظروف حياتية مزعجة، ومن المعروف أن الفقر والعوز من أقسى الظروف التي قد يعاني منها أي مجتمع، فمثلا تجد في الفيلم شابة من حي شعبي وتعيش مع أمها المريضة والمسنة في مسكن لا يليق ببني البشر!!، وهي تعمل بالكباريه كجليسة وونيسة للسكارى ليلاً وحتى الصباح يومياً، ولا يعلم أحد من جيرانها بالطبع مكان عملها، والأعجب أنها جمعت مبلغا من المال كي تتمكن أمها من أداء فريضة الحج!!!
وتذكرت بيتين من الشعر بهذه المناسبة:
رأيتك تبني مسجدا من خيانة فكنت بعون الله غير موفق
كمطعمة الأيتام من كد فرجها لك الويل لا تزني ولا تتصدقي!!
أما صاحب الكباريه فله تركيبة عجيبة أخرى، فهو يصلي ولا يشرب خمرا ولا يزني أبداً، ويذهب كل عام للعمرة مع الحاجة زوجته!!!، وقد استغل عربدة أخيه وإدمانه فاستولى على نصيب أخيه من ثروة الأب صاحب الكباريه!!، ومدير الكباريه وصاحبه "المستقيم السلوك كما يظن في نفسه" يدفع الفتيات دفعا لمجالسة السكارى وإرضائهم أيا كانت طلبات الزبائن، وإذا أخذت أي داعرة من العاملات بالكباريه مبلغا من زبون لقاء نومها معه فلصاحب الكباريه النصف؛ ولها الويل إن حاولت إخفاء جزء مما اكتسبته في ليلة ما، وأحد حراس الكباريه كان من أبطال القوات المسلحة سابقاً!، وأحد من يقدمون الخمور للزبائن في الكباريه لا يترك فرض صلاة إلا ويؤديه!.
أما المطرب الأول بالكباريه فيعيش على أموال امرأة عربية ثرية –غير زوجته التي فرت بباقي كرامتها إلى بيت والدها– تشجعه، إلى أن ظهر مطرب آخر فتركت تلك المرأة الثرية المطرب الأول وبدأت تشجع المطرب الجديد!!.
وهناك عريس وعروسه بالكباريه في تلك الليلة انهالت عليه الهدايا من مختلف أنواع المخدرات والمنشطات والمقويات الجنسية والعريس يبلع -بلا رحمة لجسده ولا لعقله- حتى سقط من طوله في النهاية غائبا عن الوعي!!، وفي الكباريه أيضا أحد أفراد جماعة إرهابية دخل كي يفجر نفسه في داخل الكباريه بواسطة حزام ناسف يلبسه، المهم كانت هذه ليلة طويلة جدا لهذا
الكباريه المفعم بالمتناقضات، وانتهى الفيلم بأن فجر شخص آخر من نفس هذه الجماعة الإرهابية نفسه مع 120 شخصا من الزبائن والعاملين بالكباريه، وتم اعتبار التفجير على أنه ماس كهربائي أدى إلى هذا الحريق الضخم والانفجار بالكباريه!!!
لم يمر سوى عدة أيام إلا وزوجتي تريد الذهاب للسينما مرة أخرى، وكان العزم والنية على دخول فيلم "نمس بوند" كي نضحك وننسى موضوع الكباريه إياه، ولكن يأبى حظي التعس إلا دخول فيلم "الريس عمر حرب"، والذي أصابني بالضربة القاضية الفنية؛ لماذا؟!! لأن الفيلم يصور حياة أشخاص عاملين بكازينو للقمار، وما أدراكم ما القمار والمقامرين، فالمقامر مدمن من الدرجة الأولى، ولذة إدمانه في الاستثارة بكسب مال الآخرين بطريقة سهلة مبنية أساسا على الوهم والخداع، وقد يسميها البعض بالحظ!؛
وليس عندي مانع أن يصور مخرج ما حياة أصحاب صالة القمار والذين يكسبون دائما مهما خسروا، أو بدى لأي شخص ساذج أنهم قد يخسرون مبالغ طائلة في الظاهر، وهم في الحقيقة يتعيشون على خداع أصحاب الأموال من البشر، ولكن المانع عندي هو أن نذكر للناس أن القائمين على صالات القمار هم أشخاص فوق البشر، وأنهم يعرفون عن زبائنهم كل شيء، وأنهم هم المتحكمون في حياة زبائنهم، وفي حياة العاملين بتلك الصالات الموبؤة بكل المفاسد والشرور، وأنهم فوق القانون بشرهم وغيهم، وكأنهم استغفر الله، آلهة وليسوا بشرا، هذا هو العيب وهذا هو المأخذ على مثل تلك الأفلام التي يشاهدها أبناؤنا الشباب فيزدادون إحباطا على إحباطهم، ويفقدون الأمل في الإصلاح وفي قيم ومبادئ الخير، ويظنون أن الحياة كلها فهلوة في الشر وبالشر، ناهيكم عن مناظر ممارسة الجنس بشذوذ وبدون شذوذ في هذا الفيلم الرديء، ورأيي المتواضع أن مؤلف القصة والمخرج بحاجة لعلاج نفسي مما يعانونه من إحباطات متراكمة ومتراكبة.
لكل هذا أقول من الكباريه للكازينو يا قلبي لا تحزن... وعمار يا مصر..
واقرأ أيضاً:
يا خير أمة: اتحدوا! مشاركة / رسالتك في الحياة