نظرت إلى نفسي في المرآة وأنا أضع ملابسي، هالني ما رأيت وكأني أراني لأول مرة منذ زمن بعيد، يبدو أني لم أعد أنظر في المرآة... وكيف أرتدي ملابسي إذن؟ إنني أضع عباءتي فوق أي شيء وأُحكم غطاء رأسي… يبدو فعلا أن هذا ما أفعله كل يوم منذ أن منَّ الله عليَّ بالحجاب دون توقف أمام المرآة، وحين أعود من الخارج فأنا أخلع العباءة وأنغمس في شغل البيت ومذاكرة الأولاد، وإذا فرغ الوقت أو بعضه قرأت قرآني أو طالعت الصحف.
لا بد أن هذا ما يحدث وإلا كنت لاحظت أنني أصبحت أقترب حجما من درفيل صغير، وقد كست وجهي خطوط وأخاديد لا دخل للسن بها. جلست على أقرب مقعد تحركت مشاعر الأنثى القديمة.. ولكن قلت لنفسي وأنا أحاول أن أبدو لها فاهمة وعالمة: هل هذا وقته؟ أنوثة وجمال وقوام رشيق، إن أمامنا عملا هاما.. الإسلام في خطر.. الأمة العربية مستهدفة.. المسجد الأقصى يحتله الصهاينة وأنا أجلس هنا أفكر في هذه التفاهات.
سرني من نفسي صوتها العالي وكلامها الكبير، فانتصبت واقفة بهمة، ولكن انتفاضتي القوية كانت في خيالي، فقد تكأكأت على كلتا يدي ممسكة بذراع الكرسي حتى أستطيع النهوض... يا إلهي إنني كذلك منذ فترة حتى إنني أصبحت أصلي كل النوافل جالسة، وأحيانا بعض الفروض. طالعتني صورة زوجي وقد أصبح يناديني يا "حاجة" وأحيانا يا "ماما" كلمة كان يناديني بها حين كان الأبناء صغارا ليعتادوها، ولكن شتان بين نبرة صوته وقتها ونبرة صوته الآن...
جلست مرة أخرى استعرضت صديقاتي لسن بعيدات عن بعضنا البعض في الحجم ولا في السن... مجالسنا أصبحت... ما هذا إننا فعلا أصبحنا نتكلم كمن تخطين السبعين وينتظرن الموت وليس بينهن وبين الحياة ود... ونعتبرها تقوى وزهدا.. من منا تستطيع أن تزرع الفسيلة إذا قامت قيامتها؟ ماذا حدث للمسلمة التي طلبت من الرسول (صلى الله عليه وسلم) أن يدعو لها أن تكون مع غزاة البحر وقد كانت؟… أين المسلمة التي كانت تمتطي صهوة الجواد مع الفرسان لتجاهد وتبارز أعداء الله؟…
لماذا أصبح شكل البعض مثيرا للشفقة وللسخرية وكل المشاعر إلا الإعجاب… وكيف يعجب عاقل بشجرة جميز تتأرجح على ركبتين تئنان من الثقل… مارجريت تاتشر في سن أمي ورشاقة ابنتي… يبدو أني دخلت في دور تخريف.. لا والله ليس تخريفا ماله زوجي وهو في عنفوان شبابه حتى يصطبح بكل هذا الحجم ولو نسيت الحجم، فالتخلص منه مشكلة، هذه اليد الخشنة، والبشرة اليابسة، ولن أستفيض أكثر من ذلك، ألم تقل السيدة عائشة لو استطعت أن تخلي مقلتيك فتضعيهما في مكان أجمل لزوجك فافعلي....
صمتت أفكاري للحظة ودارت في رأسي صور.. سيدة رشيقة نشيطة تعتني بنفسها بما أحل الله لها العناية تتحرك بسرعة وخفة، يحب زوجها التطلع إليها، ويفخر بصحبتها الأبناء والأحفاد، ويعتبرونها مثلا يُحتذى... خفتها تساعدها على ممارسة بعض الرياضة التي تحافظ بها على لياقتها فتؤدي أعمالها في وقت أقل وأسرع؛ فيتسع وقتها.. مثقفة.. قادرة على مواجهة الناس وقادرة على انتزاع تقديرهم واحترامهم، باختصار دائمة الانتعاش والسعادة بنفسها وبمن حولها.
أسعدتني الصورة وأسعدني أكثر أنها دفعت بشيء من النشاط في أوصالي، فوقفت وشددت قامتي، وأنا واثقة أن هذا سيكون الحل لكثير من مشاكل الأمة أم أنني واهمة…
واقرأ أيضًا:
الجمال الحقيقي ليس في الفاترينات / جمال مارلين مونرو وتقوى رابعة العدوية!!