دعونا نتفق في البداية على ثلاث قضايا:
*القضية الأولي:
مرجعية العلم فالعلم له مصدران، المصدر الأول هو الكون من حولنا بكل ما فيه فأول ما أنزله الله تعالى" اقرأ باسم ربك الذي خلق" فأمرنا الله هنا بتدبر الخلق والكون ككل. ثم قال " الذي علم بالقلم " ويقصد به الوحي وهو المصدر الثاني للعلم، وبذلك يكون مصدر علمنا جانبين الكون والوحي. فالكون هو من خلق الله وكذلك الوحي، فكلاهما من مصدر واحد وهو الله تعالى فلماذا أؤمن بجزء ولا أؤمن بالآخر طالما هما من عند الله.
*القضية الثانية:
حرية البحث العلمي بغير قيد أو شرط، فقد قال الله تعالي" هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون" ولم يقل لنا يعلمون ماذا، وفي ذلك إشارة لإطلاق حرية الفكر والبحث والعلم دون حدود، فلا مانع من البحث في الاستنساخ وفي الفضاء وفي الجينات فكل ذلك مباح فمثلا (فاوست) فكر في فكرة القضاء على الموت فهناك حرية متاحة في التفكير وليس هنا نوع من الحد في البحث، وأوصلنا فكره إلي الاستنساخ.
*القضية الثالثة:
حدود التطبيق فإذا جاز لنا أن نتعلم وندرس بلا حدود فإن تطبيق العلم له حدود، وهذه الحدود أوضحها الله لنا في قوله"ولا تعثوا في الأرض مفسدين" فلا مانع أن نبحث حتى نصل إلى صناعة الرصاص من خلال أبحاث عن مواد موجودة في الفضاء ولكن لا نطبق هذا العلم بحرية القتل وفي نفس الوقت تم الاستفادة من هذه المادة في حشو الأسنان وهو شيء جميل، أي أننا أُمرنا بعمل الخير والبعد عن الشر.
وبذلك نكون قد وضحنا أمرا يلتبس فيه البعض حين يرى أنه لا يجب أن نبحث في أمور معينة، فنقول لا حدود للبحث العلمي ولكن هناك حدودا فقط في التطبيق.
لنتحدث الآن عن البحث العلمي ونرجع إلى فخر الدين"الرازي" الذي عاش في القرن السادس الهجري ومات في بداية السابع فنجده ألف في أصول الفقه والتفسير وغيره، ويقر هو ومدرسته أن أصول الفقه تهتم بما يسمى بالجمع لا بالإفراط ولابد أن يشتمل البحث على ثلاثة أمور: -
1– مصادر البحث.
2– كيفية القيام بالبحث .
3– شروط الباحث.
وهذه الشروط الثلاثة هي ما توصل إليه بعد ذلك" روجرز بيكون" عندما تكلم عن المنهج العلمي، فقال إن علينا أن نحدد مصادر المعرفة، ثم الطرق والمناهج والأساليب المستخدمة في هذا البحث، وأخيرا شروط الباحث والعلوم التي يجب أن يلم بهاويعرفها.
*الفكرة الثانية:
والتي أود أن أطرحها هي قضية الجملة المفيدة عند علماء اللغة والتي سميت بأسماء مختلفة في الفقه أو الفلسفة أو علم الكيمياء وغيره فسميت بالقضية أو المسألة أو الدعوة...الخ فهذه الجمل هي التي تُكون العلوم، ويقولون"تتمايز العلوم بتمايز موضوعاتها" فالاختلاف بين تخصص وآخر هو اختلاف المواضيع أو المسائل أو القضايا التي يدرسها كل تخصص ولكن من أين نصل إلى تلك الحقائق أو الجمل؟
•حين نقول مثلا النار محرقة فهذه جملة مفيدة نصل إليها من خلال التجربة.
•وحين نقول 1 + 1 = 2 فإن الدليل على ذلك هو العقل.
•أو نصل إليها نقلا مثل " الفاعل مرفوع " فلم نصل إليها بالتجربة أو العقل ولكن استفدنا من خلال النقل وهكذا .
لقد ترجم رفاعة الطهطاوي" كلمة science إلى علم وهي ترجمة غير كاملة هو ما نصل من خلاله إلى يقين فحين نقول social human أي العلوم الاجتماعية أو أي العلوم الإنسانية مثل علم النفس وعلم الاجتماع فذلك يعني أننا نريد انضباط هذه العلوم انضباطا يصل إلى انضباط علوم الكيمياء، ونتمنى أن تكون والمناهج التي تتناسب معها هي المناهج الامبيريقية EMPERICAL METHODS وليس المنهج التجريبي، إذا ما أردنا أن نصل إلى التفكير العلمي سنتحدث عن قدر اليقينية من المعرفة سواء وصلنا إليه من خلال: التجريب أو العقل، أو الحس، أو النقل، وأناأدعي أن اختلاف مفهوم" العلم" عن غيره في أنه ما نصل إليه بالنقل باستخدام مناهجنا العلمية.
الفرق بين العلم والخرافة:
الفرق بين العلم والخرافة هو الدليل، فالدليل على ما يتم التوصل إليه (أي الجملة المفيدة / الدعوة / القضية.....) بصحيح النظر فيه (أي الأدوات المتفق عليها والتي تحدد الحجية والتوثيق)، فالدليل هو أن نصل به إلى القطع( ضد الشك) فيصبح قوانين/ ظواهر/ مسلمات لذا هناك فرق بين العلم اليقيني وبين الخرافة،فإذا لم نجد النتيجة من خلال التجريب أو التكرار (كتكرار حدوث عاملين معا مرات كثيرة حتى إن لم نعرف سبب ذلك) فذلك خرافة أو أنه ليس علما بعد.
خذ مثلا ما كتبه"داوود" بأن جرعة معينة من عشب معين تشفي مرضا معينا، هنا لابد من التجريب، ولكن لنفرض أننا جربنا وفشلنا هل معنى ذلك أن هذا الكلام ليس علما، أو أنه خرافة،؟
لا يمكن أن نقرر إلا بعد النظر إلى عدة أمور تدخلت في نتائج التجربة وهي:
1– نسأل هل الزراعة ظلت كما هي ولم تتغير؟ أم أننا مع التطور في مجال الزراعة قد زودنا من مقدار المادة الفعالة ومن ثم فإن نفس الجرعة الموجودة في الكتاب إذا أخذناها الآن تصبح كأننا أخذنا عشر مرات أكثر من المادة الفعالة.
2 – طبيعة أجسامنا التي تعودت على الأدوية، وهنا نرجع إلى علم الأدوية أو الفارماكولوجي.
3 – ننظر إلى كم التلوث الذي أصبحنا نعيش فيه.
إذن لابد أن نأخذ هذا كله في الاعتبار قبل أن نقول أن التجربة فشلت، فقد تكون التجربة صحيحة بأوضاع معينة.
*الفرق بين الخرافة والإيمان بالغيب:
• الإيمان بالغيب هو إيمان بالقلب بأشياء معينة دون التفاعل معها تفاعلا مباشرا.
• العلم محله المحسوس أو التعامل مع ما أسماه القرآن" عالم الشهادة ".
• الغيب ليس هناك تعاملا معه، ومحله التصديق والإيمان وإنما بالدليل. فهناك دليل شرعي يثبت عالم الغيب ويجعلني أؤمن بهذا العالم" عالم الغيب" وقد قال الله تعالى عن نفسه" عالم الغيب والشهادة" فهو عالم بالاثنين معا..
لنأخذ مثالا يقول الإمام الشافعي: (من ادعى أنه قد رأى الجن رُدت شهادته لفسقه) لأن ذلك مخالف للعقلية التي بناها الله سبحانه وتعالى حين قال" إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم".
قدمه: الأستاذ الدكتور علي جمعة(أستاذ أصول الفقه بجامعة الأزهر الشريف،ومفتي الديار المصرية). في مؤتمر "التفكير العلمي وتكامل المعرفة" والذي عُقد في الفترة من 18 / 19 أبريل 2004 بتنظيم كلية الآداب – جامعة عين شمس
عرض الدكتورة داليا مؤمن (مدرس علم النفس بآداب عين شمس).
واقرأ أيضاً:
اسمك... ودلالته / علم النفس والحرب