الطب والأطباء والدواء مهزلة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
من أروع المقالات التي قرأتها مقال الطب والأطباء والدواء مهزلة حتى أنني قرأته 5 مرات على أقل تقدير وفي كل مرة كنتُ أجد فيه شيئا جديدا فجزاك الله كل خير يا أستاذي وجعله الله في ميزان حسناتك وبارك لك في وقتك وصحتك وحفظك الله من كل سوء..
فتح المقال عيني على أشياء كثيرة غابت عني ربما بسبب افتقاري للخبرة المهنية حيث لم يمر على عملي في مجال الصيدلة سوى 5 شهور.
كنت أظن أن "الهدايا" التي تقدمها شركات الدواء هي"مجرد" رشوة.. على شكل أقلام عليه اسم العقار وساعة المكتب والراديو وأشياء صغيرة كثيرة... لترسيخ اسم العقار الجديد في الأذهان.. ،وأيضا الدعوات لحضور مؤتمرات علمية ويا حبذا لو كان في دولة أخرى وفي مدينة سياحية.. على حساب شركة الدواء- كنت أظنها رشوة وإذا بها أكبر من ذلك بكثير وهي تشكيل الوعي عند الطبيب وكلها مدعمة بالدراسات التي تخدم الغرض...
ولا عجب لو تحولت الأمراض النفسية شيئا فشيئا إلى أمراض عضوية بحيث يكون علاج كل شيء بأخذ قرص- في عصر السرعة الذي نعيشه...- وبمناسبة الحبة الزرقاء- بعد الأرباح التي حققها بدأت الشركات البحث على دواء مماثل للنساء وأظن أن بلادنا العربية سوف تكون أرضا خصبة لتسويقه... ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وأحد اهتمامات الصيدلية في السويد في الوقت الحالي هي اكتشاف ومساعدة تخطي المشاكل الدوائية-drug related problems- ومن بينها مشكلة الأعراض الجانبية للدواء ولكننا لا نسائل المريض عنه لأنه إذا كان لا يشكل إزعاجا للمريض بحيث يشتكي منه اذا لماذا نسائله ونصنع له مشكلة من لا شيء..
وأظن أن نفس الشيء ينطبق على الأمراض التي لا تشكل إزعاجا ولا خطرا على حياة المريض.. الطب هو علاج الأمراض وليس إيجاد الأمراض..
أظهرت الدراسات في أمريكا أن لكل دولار يوضع في شراء الدواء يكون في مقابله دولار في معالجة المشاكل منها، وهناك أيضا دراسات سويدية مماثلة تظهر فيها نتائج مماثلة... وأغلب المشاكل تكون أعراضا جانبية للدواء المستعمل..
وإذا قارنا هذه مع ادعاءات شركات الدواء بأنهم اكتشفوا دواء بدون أعراض جانبية يكون كلامهم غير علمي ومضحك حيث أنه لا يوجد عقار بدون أعراض جانبية ولكن يبقى السؤال أيهما أكثر إزعاجا للمريض المرض أم الأعراض الجانبية للعقار... وهذا يختلف من مرض إلى آخر ومن دواء إلى آخر.
وفي السويد يدفع كل مريض ثمن دواءه إلى أن يصل (1800 كرون أي ما يعادل 270 دولار تقريبا) في السنة وما يفيض عليه تدفعه الدولة, وأسعار الأدوية المرتفعة بدت فوق طاقة الدولة على تحملها.. لذا تتشكل لجان كل عام من المتخصصين في جميع مجالات الطب ويصدر من هذه الجان توصيات لاختيار الدواء لكل الأعراض المرضية ويكون الأدوية الجديدة وغالية الثمن ليس من الأولوية في الاختيار ويطبع التوصيات على شكل كتيب ويوزع على جميع الأطباء والصيدليات...
كنت أظن أن هذه الإجراءات هي من أجل توفير المال للدولة وإذا بي أكتشف من خلال المقال بأنه تصدي أيضا لشركات الدواء بحيث لا يخلو السوق لصالحهم وسوق الدواء مثل باقي الأسواق هي عرض وطلب إذا لم يكن هناك طلب لدواء لا يكون أيضا عرض له... وأيضا هناك محاولات لكتابة اسم العلمي للدواء ويختار الصيدلي أرخصها ثمنا من الشركات المنتجة لذلك العقار...
والتصدي لتلك الشركات يحتاج إلى عمل في اتجاهات مختلفة كلها يدعم بعضها البعض ليس فقط توعية الذين يعملون في الحقل الطبي لما يحدث ولكن أيضا توعية الناس... وإجراءات أخرى كثيرة تحمي المرضى من معاناة هم في غنى عنها.
صيدلانية: جنان عبد الواحد
ويرد الدكتور وائل أبو هندي: الزميلة العزيزة،
أهلا وسهلا بك على مجانين، وشكرا جزيلا على مشاركتك الطيبة، أتفق معك تماما فيما ذهبت إليه، بل وأضربُ مثلا يوضح ما فعلته شركات الدواء في مجال علاج الاضطرابات الذهانية، وهذا المثل مما حدث في الدول الأوربية حيث سوقت الشركات ما أسمته العقاقير غير التقليدية لعلاج الذهان حيث أنه علاجٌ لكل أعراض تلك الاضطرابات وخاصة اضطراب الفصام Schizophrenic Disorder حيث تحسن أعراضه السالبة Negative Symptoms التي لم يكن عقار يفلح في علاجها.
وهكذا بدأت مؤسسات التأمين الصحي ضمان توفيره للمرضى، واستمر ذلك الوضع سنتين أو أكثر وعندما اتضح أن العقاقير الجديدة لم تختلفْ نتائجها العلاجية كثيرا عن العقاقير القديمة الرخيصة الثمن، أو على الأقل لم تختلف نتائجها بما يبررُ الفارق الكبير في الثمن، عندئذٍ سحبت معظم مؤسسات التأمين دعمها، فهل تدرين ماذا فعلت شركات الدواء؟ بدأت تسوق العقاقير الجديدة كعقاقير لعلاج الاضطرابات المزاجيةMood Disorders فهي الآن أصبحت مثبتات مزاج Mood Stablizers ، وأصبح لكل طبيب مندوب دعاية يزوره ليكلمه عن دور العقار في علاج الفصام وآخر يزور نفس الطبيب ليكلمه عن دور نفس العقار في علاج الاضطرابات المزاجية، مع أن العقاقير التقليدية الرخيصة كانت تقوم بنفس الدور ولم يسوق لها أحد كمثبتات مزاج.
وأما قولك أنه لا مانع أن تصبح كل الأمراض النفسية أمراضا عضوية تعالج بالعقاقير، فالحقيقة أنه قولٌ لا يقوله صراحة إلا المُغالونَ في ماديتهم من الأطباء النفسيين والمحاضرين المرموقين، إلا أن شركات الدواء عندما تطرح العقاقير في دول كدولنا تعرف جيدا أن الطبيب كثيرا ما يجدُ نفسه عاجزا عن تقديم أي شيء للمريض غير العقار، لأن معظم المرضى لا يطيقون تكاليف العلاج النفسي فضلا عن موقفهم المبدئي الرافض له مع الأسف، ولهذا السبب فإن مجتمعاتنا هي أكثر المجتمعات بلعا للعقاقير بلا داع، ولكن شركة الدواء نادرا ما تقول صراحة يكفيكم العقار، فالحق لابد أن يقال!
نقطة أخرى يهمني لفت نظرك إليها أيتها الزميلة الفاضلة وهي أن التفريق بين ما هو عضوي وما هو نفسي ليس تفريقا حادا واضحا، بمعنى أن ما هو نفسي المنشأ فعلا إنما يؤدي إلى حدوث تغيرات عضوية في كيمياء المخ، وما هو عضوي المنشأ تماما سوف يظهر أعراضا نفسية على المريض، وأما حين نعالج فإن العلاج النفسي المعرفي السلوكي دون استخدام أي من العقاقير يحدثُ تغيرات كيميائية في المخ البشري، وكأن المريض تناول عقارا يغيرها!، وتعترف شركات إنتاج الدواء مثلا بأن الاكتئاب متوسط الشدة والخفيف يستجيب للعلاج المعرفي كما يستجيب للعلاج بالعقاقير المضادة للاكتئاب، هم في بلادنا لا ينكرون ذلك لكن المرضى يستسهلون العلاج بالعقاقير لحسن حظ شركات الدواء.
وأما ما أطلب منك أن تلاحظيه وتحاولي فهمه فهو ذلك الاهتمام المفاجئ الذي اعترى وسائل الإعلام العربية فجأة عن أزمة منتصف العمر في الرجال، فقد تواترت البرامج والمقالات عنه حتى أنني أتساءل بيني وبين نفسي يا ترى يقصد بذلك التحضير لعقَّارٍ جديد سيطرح في الأسواق؟؟ ربما يكونُ وأنت أخبرُ مني بسوق العقاقير فابحثي وتابعينا، وأشكرك مرة أخرى على مشاركتك ودمت سالمة لمجانين.
ويتبع>>>>>>>> : الطب والأطباء والدواء مهزلة مشاركة1