الجزيرة
اسم الكتاب: النظام العربي المعاصر
المؤلف: عبد الحليم خدام
لطبعة: الأولى 2003
الناشر: المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء
يحلل المؤلف عبد الحليم خدام وهو نائب الرئيس السوري في هذا الكتاب النظام العربي الذي يفترض قيامه على أساس الوحدة العربية أو العمل العربي المشترك على أقل تقدير، ويعرض مكونات هذا النظام، مثل الوعي القومي، والصراع العربي الصهيوني، والنظام الاقتصادي العربي، والمشروع القومي العربي، وهو في ذلك يقدم بالطبع وجهة نظر قومية وبخاصة حزب البعث العربي الاشتراكي الذي ينتمي إليه المؤلف، والذي تأسس في الأربعينات في سورية وفق أهداف وطموحات قومية، ثم وصل إلى الحكم في سورية والعراق، وكون امتدادات تنظيمية في شتى أنحاء الوطن العربي.
الوعي القومي
يعتبر المؤلف أن الوحدة العربية هي القضية الأهم في حياة العرب، وبدونها فلن يتحقق الأمن والاستقرار والعدالة والتقدم، وقد بدأت هذه الفكرة بالتشكل لدى القيادات والنخب العربية في نهاية القرن التاسع عشر، وتكونت جمعيات ومؤتمرات وصحف لتحقيق هذا المشروع، وفي الحرب العالمية الأولى قامت الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف الحسين بن علي بهدف تحقيق الاستقلال للعرب بالتعاون مع بريطانيا في حربها ضد تركيا.
وتشكلت أحزاب وحركات قومية في مطلع الأربعينات من أهمها حزب البعث الذي تشكل في سورية بقيادة ميشيل عفلق، وزكي الأرسوزي، وحركة القوميين العرب التي نشأت بين الطلاب العرب في الجامعة الأمريكية في بيروت بقيادة جورج حبش، ثم تحولت إلى مجموعات وفصائل للمقاومة الفلسطينية، وفي عدن وصل فرع الحركة إلى الحكم تحت مظلة الفكر الماركسي.
وأنشئت جامعة الدول العربية عام 1945 لتكون نواة للوحدة العربية أو على الأقل لتنسيق العمل العربي المشترك، وقامت عام 1952 ثورة يوليو في مصر التي تبنت الفكر القومي والوحدة العربية، وقامت وحدة بالفعل بين سورية ومصر عام 1958 واستمرت حتى عام 1961.
وفي المحصلة لم يفلح العرب في السير خطوة نحو تطبيق وتحقيق وحدة اقتصادية أو سياسية في الوقت الذي حققت مشروعات بدأت العمل في الوقت نفسه مثل الوحدة الأوروبية خطوات مهمة في التنسيق والعمل المشترك.
النظام العربي الراهن
بدأت جامعة الدول العربية عملها عام 1945 بسبعة دول، وهي تضم اليوم اثنين وعشرين دولة، وقد مضت بعض الدول العربية برغم معاهدات العمل والدفاع المشترك في سياسيات ومواقف منفردة مثل معاهدات السلام التي وقعت مع إسرائيل، ونشبت نزاعات عربية - عربية أضرت بمصالح الأمة، ووقعت حالة العراق والكويت عام 1990 والتي هددت مصير الأمة العربية.
وقد حدثت مشكلات كبرى وتناقضات بين دول تبدو ذات طبيعة فكرية وسياسية واحدة مثل سورية والعراق اللتان يحكمها حزب واحد يحمل نفس الأهداف والتوجهات، وهو حزب البعث العربي الاشتراكي.
وبقي السؤال قائما طوال قرن أو أكثر: لماذا يخسر العرب حروبهم؟ ولماذا لم يحققوا حدتهم؟ ولماذا لم ينهضوا كبقية أمم الأرض؟ ولماذا رفعوا جميعا علم الوحدة العربية وسقطوا في الانعزالية القطرية؟ ويرى المؤلف أن الجواب في بنية النظام السياسي القطري الذي أفزر النظام السياسي العربي الراهن.
فقد أنشأت الآليات القطرية للعمل والحكم النظام العربي، وقد تجاهلت الدول العربية هويتها السياسية، وتصرفت كمقاول لتقديم الخدمات لمواطني القطر في حدود الموارد المتاحة، ولكنها لم تتصرف باعتبارها تمثل الشعب الذي تقوده.
ولم تحقق الدول العربية لشعوبها الحرية التي تطلق العمل والإبداع وتحقق النهضة، فالأمة لا تنهض وهي مقيدة، وقدراتها معطلة، وحريتها مقيدة، فالشعوب الحرة التي تقرر مصيرها وتدير شؤونها هي التي تبدع في العمل والمعرفة والنمو الاقتصادي والاجتماعي.
النظام العربي والحرب الباردة
قبل الحرب العالمية الثانية كانا لاهتمام بالوطن العربي مركزا في الدول الأوروبية الأربع، بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا، وبعد الحرب أخذ الوطن العربي يحتل موقعا مهما في استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية في سياق مصالحها النفطية ومواجهة الاتحاد السوفيتي، وبدأ نفوذ الدول الأوربية يتقلص منذ الخمسينات.
وكان مبدأ إيزنهاور المعروف بسد الفراغ عام 1957والقائم على تقديم المعونة لأي بلد يتعرض لهجوم شيوعي لسد الفراغ الناجم عن تقلص النفوذ البريطاني والفرنسي إعلانا لنهاية نفوذ هاتين الدولتين في المنطقة وقرارا بأن تحل في مكانهما الولايات المتحدة.
وكانت حرب عام 1948وهزيمة العرب ثم هزيمة عام 1967وما تبعها من صعود إسرائيلي إقليمي وعالمي وتأثير في الانتخابات والسياسات الأمريكية، وبعد حرب عام 1973 نجحت الولايات المتحدة في استدراج مصر لتسوية سياسية وعقد صلح مع إسرائيل، وفي المقابل فقد كانت الثورة الإيرانية عام 1979 التي أطاحت بنظام حكم الشاه انهيارا لقاعدة مهمة جدا للولايات المتحدة ولعلها الأكثر أهمية في استراتيجيات النقط ومواجهة الاتحاد السوفييتي.
وجاءت الحرب العراقية الإيرانية عام 1980 لتسترد الولايات المتحدة ما خسرته في إيران وتفوت على الاتحاد السوفييتي فرص التقدم نحو الخليج والشرق الأوسط، ثم نشبت الأزمة العراقية الكويتية التي كانت تتويجا لنهاية الحرب الباردة ونهاية الاتحاد السوفييتي وتحقيق تفوق أمريكي غير مسبوق.
لقد خرج الاتحاد السوفييت من الحرب العالمية الثانية قوة عظمى منافسة للغرب بقيادة الولايات المتحدة، واتسعت رقعة النظام الاشتراكي في الدائرة المحيطة بالسوفييت، وامتدت إلى دول أخرى كثيرة في شتى أنحاء العالم. وقد عمل الاتحاد السوفييتي على دعم دول المواجهة مع إسرائيل عسكريا واقتصاديا وإقامة قواعد مواجهة للقواعد الأمريكية في البحر المتوسط والاقتراب من الخليج عبر إيران واليمن الجنوبي.
وتطورت علاقات سوفييتية مع عدة دول عربية مثل مصر وسورية وعدن وليبيا والجزائر والعراق، وتميزت هذه العلاقات بأنها تحقق مصالح متوازنة للطرفين، ولكن بعض العرب كانوا يريدون السلاح السوفييتي دون السوفييت ودون الاعتراف بالمصالح السوفييتية، ويريدون في الوقت نفسه علاقات متنامية مع الولايات المتحدة، وبعض العرب لم يحسم موقفه جذريا من قضية الصراع مع إسرائيل وسبل الوصول إلى ردع للعدوان وتحرير الأرض، وضاع الأمل بين بناء قوة عسكرية عبر السوفييت وبين إقناع إسرائيل بالانسحاب عبر الولايات المتحدة.
وكانت مشكلة السوفييت في الأحزاب الشيوعية العربية التي شكلت أحد الحواجز بين السوفييت وبين العالم العربي، وبرغم أن الاتحاد السوفييتي تجاوز هذه الأحزاب في تعامله مع الدول العربية إلا أنها كانت تواجه حملة من الحكومات وأوقعت نفسها في عداوة مع الإسلاميين والقوميين.
المشروع الصهيوني
كانت فكرة إقامة دولة إسرائيل في فلسطين مشروعا مشتركا بين قادة يهود في بريطانيا وبين الإمبراطورية البريطانية، فهي تحقق سيطرة على الجسر الواصل بين مصر وعرب آسيا، وربما كان هذه العبرة التي خرجت بها بريطانيا بعد حملة محمد علي باشا على بلاد الشام عام 1830، ثم كانت اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 تطبيقا عمليا لفكرة تجزئة العرب، والعمل على منع وحدتهم والحيلولة دون إقامة علاقات فيما بينهم مبنية على وحدة المصير والانتماء والمصالح، وزرع دولة غريبة معادية في قلب البلاد العربية تكون قاعدة استعمارية متقدمة.
وأعلنت دولة إسرائيل عام 1948، وسارعت الدول الكبرى إلى الاعتراف بها، وكانت بريطانيا قد سهلت الهجرة اليهودية إلى فلسطين وبناء المستوطنات وتشكيل المنطمات العسكرية بين اليهود.
وبعد حرب عام 1967 حدث تحول جوهري في طبيعة الصراع العربي الإسرائيلي تناول القضية في عمقها وبعديها الوطني والبشري، فقد ارتكز الموقف العربي على قرار الأمم المتحدة رقم 242 الذي يتحدث ع الانسحاب الإسرائيلي وحل مشكلة اللاجئين وقبول السلام مع إسرائيل والاعتراف بها والصلح معها بعد أن كانت هذه الأمور من المحرمات، وتصدعت العلاقات بين قيادتي سورية ومصر.
وهنا يرى المؤلف أن مواجهة المشروع الصهيوني لا تتم عبر التنازلات المتتالية ولا الخضوع للضغوط الخارجية، وإنما بالرؤية الشاملة لطبيعة الصراع وحقيقته، ومراجعة بنية النظام العربي الراهن، وبناء نظام عربي جديد على أسس جديدة، والتركيز على تنمية الوعي السياسي، وإدراك الأخطار التي تهدد الأمة العربية، وتنمية حركة شعبية عربية تكافح المشروع الصهيوني وسياسات الهيمنة الأجنبية، وتوفير متطلبات تحقيق توازن القوى في المنطقة في المجالات السياسية والعلمية والاقتصادية بالإضافة إلى توفير متطلبات الدفاع.
النظام الاقتصادي العربي
هناك ثلاث قضايا تفرض على العرب في المستويين القطري والقومي تركيز جهود رئيسة على المسائل الاقتصادية، هي: المشروع الصهيوني وأهدافه في الهيمنة على الوطن العربي، والنمو المتزايد في السكان، والتطور الكبير في الاقتصاد العالمي.
ويواجه النظام الاقتصادي العربي مجموعة تحديات أهمها: التبعية، والأزمات الاقتصادية التي رافقت نهاية الحرب الباردة، والفجوة الكبيرة بين الدول العربية وبين الدول المتقدمة، وارتفاع معدلات زيادة السكان في الوطن العربي، وتراجع معدلات التنمية، وعدم كفاية الإنتاج الزراعيِ، وعدم استقرار أسعار الصادرات، وعدم الاستقرار الداخلي، وضعف التنسيق العربي، وعجز الدول القطرية عن توفير متطلبات النهوض الاقتصادي، وهجرة العقول العربية.
وتقوم الدولة القطرية حتى اليوم بدور هام في مجال الاقتصاد القطري من خلال ملكيتها للموارد الطبيعية ووسائل الإنتاج وعدد من المؤسسات الصناعية والتجارية وشركات التأمين والبنوك. وقد بدأت أهمية القطاع الخاص بالتزايد في السنوات الأخيرة وبخاصة مع عجز الدولة القطرية عن تحقيق التنمية الشاملة والمستديمة.
وقد يكون الوصول إلى صيغة مشاركة وتعاون بين الدولة والقطاع الخاص هدفا مهما في هذه المرحلة كما أن الدول يجب أن تعدل وتطور من سياساتها الاقتصادية باتجاه تكوين بيئة محيطة مشجعة للاستثمار والنمو الاقتصادي، مثل التعليم والتدريب وتأهيل الموارد البشرية، وتطوير التشريعات والإجراءات والتسهيلات الإدارية والقانونية، وتطوير البنية الأساسية في الدولة مثل الطرق والاتصالات والكهرباء والمطارات والموانئ.
ويمكن أن تكون المؤسسات الاقتصادية العربية المشتركة من مجالس ومنظمات وصناديق واتفاقيات عماد النظام الاقتصادي العربي، وتبدو الاتفاقات العربية في هذا المجال من الناحية النظرية تسير في الاتجاه الصحيح، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا لم تنفذ تلك الاتفاقيات؟ ولماذا لم تضع الحكومات وهي التي أقرت تلك الاتفاقيات برامج للوصول إلى تحقيق الهدف منها برغام وضوح القرار العربي بتبني الوحدة الاقتصادية.
المشروع القومي العربي
هل الحكومات العربية قادرة أو راغبة في وضع عقد نظام عربي جديد ينظم علاقات العرب ويفتح الطريق أمامهم وينمي طاقاتهم، ويعزز قدراتهم، ويحرر أرادتهم من الضغوط الخارجية، ويوفر لهم إمكانات تحرير أرضهم المحتلة؟ كانت الإمكانيات العربية لتحقيق الأهداف السابقة في الخمسينات أكثر توافرا منها اليوم، فالظروف اليوم أكثر تعقيدا بسبب الهيمنة الأمريكية، وانهيار الاتحاد السوفييتي، وتزايد الخلافات العربية. ولكن بناء نظام عربي جديد في إطار مشروع قومي مازال ممكنا ويمتلك فرصا موضوعية للنجاح.
ويمكن التفكير أولا في تحديد العقبات أمام المشروع القومي، وأهمها:
الصراع العربي الإسرائيلي، وقضية العراق وتداعياتها، وتجذر الحالة القطرية، والمصالح الدولية.. وفي معطيات النهوض والعمل المشترك يمكن ملاحظة الموارد البشرية العربية المتمثلة بثلاثمائة مليون نسمة، ونسبة التعليم والكفاءات المدربة بينها، والموقع الجغرافي الاستراتيجي العربي، والموارد الطبيعية الهائلة.. ومن ثم فإن التفكير المستقبلي في المشروع القومي يمكن أن يقوم على المبادئ التالية:
1. الإبقاء على مبدأ الوحدة العربية ولكن بوسائل متدرجة وشبكية، والعمل وفق مبدأ المشاركة بما يعنيه ذلك من تنازلات من جميع الدول.
2. تحديد مفهومي الأمن الوطني والأمن القومي والعلاقة بينهما.
3. العمل المشترك في مستويات السلطة الثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائية.
4. تحديد الأهداف الاقتصادية والاجتماعية.
5. تطوير الأنظمة السياسية نحو مشاركة شعبية واسعة وفاعلة.
وعلى مستوى الدولة القطرية فإنه يلزم تحقيق مجموعة من الأهداف والسياسات والإصلاحات، مثل: اعتبار التوجه القومي في عملية بناء القطر، وفهم الروابط بين أبناء الأمة وصياغة سياسات واضحة وقومية في التربية والتعليم والتنمية الشاملة والبشرية تؤهل الدولة للمشاركة بفعالية، والاهتمام بالأمن الوطني.