(رؤية في سيكولوجية العرى النفسي والاجتماعي)
ستار أكاديمي هو أحد برامج تليفزيون الواقع (Real T.V) وهو يقوم على انتقاء مجموعة من الشبان والفتيات لهم مواهب فنية وجاذبية شخصية مميزة (كاريزما) ليعيشوا معاً , طول الوقت لفترة تستمر 4 شهور ويتم أثناء هذه الفترة استبعاد عضو من المجموعة كل أسبوع بناءاً على رأى الجمهور ورأى اللجنة المشرفة ورأى بقية أعضاء المجموعة؛ وهذا العضو يستبعد بناءاً على كونه أقل الأعضاء موهبة وجاذبية واستعراضاً واستعراءاً, وتستمر التصفيات حتى يتبقى في النهاية شخص واحد (شاب أو فتاة) يتم تنصيبه على أنه الأكثر موهبة والأكثر جاذبية بين الأعضاء.
وخلال الشهور التي يقضيها الأعضاء شباناً وفتيات «معاً» يتم تصويرهم طوال ساعات الليل والنهار في كل أحوالهم ولا يستثنى من ذلك إلا لحظات دخول الحمام.
والفكرة ليست جديدة في جوهرها ولكنها جديدة في شكلها, فهي مأخوذة عن برامج مشابهة في التليفزيون الأوربية (الفرنسي بوجه خاص). ولا يوجد في الثقافة العربية شيء مماثل, وإن كانت مجموعة الحشاشين تقترب في بعض مظاهرها من ذلك حيث كان أحد الأشخاص يستضيف مجموعة من الشبان والفتيات في قصر جميل يقدم لهم كل أنواع الملذات والتي كانت تصل إلى ما يشبه حمامات السباحة المليئة بالخمر حيث تستحم فيها الفتيات الجميلات ثم يرتشفها باقي الأعضاء من الرجال.
وعند مرحلة معينة يُطلب من أحد الأعضاء (الرجال غالباً) أو مجموعة من الأعضاء القيام بمهمة معينة (غالباً اغتيال أحد الأشخاص المهمين), فإذا قبل فإنه ينفذ العملية ثم يعود إلى الحياة المترفة في القصر, وإذا لم يقبل يتم طرده واستعباده. وهذه المجموعة كان لها تأثيراً ملحوظاً في بعض مراحل التاريخ العربي, ومن خلال نشاطهم في الاغتيالات السياسية جاءت كلمة الاغتيال في اللغة الإنجليزية Assassination.
نعود مرة أخرى لستار أكاديمي فنجد أن الشخصيات التي تشارك في هذا البرنامج تميل إلى نمط الشخصية الهستيرية (وهى أكثر شيوعاً في الفتيات والشبان الناعمين), وهى شخصية تتسم بالاستعراضية, والرغبة في الظهور الجماهيري, والإبهار العام. وهى شخصية تبدى حرارة عاطفية شديدة فى الخارج فى حين أنها من الداخل باردة عاطفياً, وتبدى جاذبية جنسية في الخارج ولكنها تعانى من البرود الجنسي في الحقيقة.
وهذه الشخصية تعرفها من اهتمامها الشديد بمظهرها, فهي تلبس ألواناً صارخة تجذب الأنظار, وتتحدث بشكل درامي وتبالغ في كل شيء لتجذب اهتمام محدثها, ولها علاقات متعددة تبدو حميمية في ظاهرها لأنها قادرة على التلويح بالحب والصداقة ولكن فى الحقيقة هى غير قادرة على أى منها. ونظراً للجاذبية الظاهرية لهذه الشخصية يتعلق بها الكثيرون ويحبونها ولكنها تكون غير قادرة على حب حقيقي, وهى متقلبة وسطحية وخادعة ومخدوعة فى نفس الوقت.
وهى شخصية هشة, عندما تواجه أي ضغط خارجي لا تتحمله فيحدث لها أعراض هستيرية (إغماء – شلل هستيرى – فقد النطق – صراخ أو بكاء هستيرى... إلخ ).
وهذا النمط من الشخصيات يجد إشباعاً لميوله الاستعراضية في مثل هذه البرامج والتي لا تتيح له الظهور الجماهيري في الحفلات الغنائية فحسب وإنما تتيح له (ولها) الظهور أمام الجمهور التليفزيوني طوال الليل والنهار لعدة شهور وهى بالتالي وجبة استعراضية دسمة ولا تعوض.
وبالنسبة للشخصيات العادية فإنها تجد صعوبة شديدة في أن تتعرى نفسياً واجتماعياً أمام كل هذه الملايين التي تشاهد التليفزيون, ولكن الشخصيات الهستيرية تسعد جداً بهذا السلوك الاستعراضي وبعملية التعري النفسي والاجتماعي طوال الوقت .
وفكرة تليفزيون الواقع (الذي ينتمي إليه برنامج ستار أكاديمي ) هو أقرب ما يكون (نفسياً) إلى أندية العراة, مع فارق شكلي بسيط, وهو أن الناس في أندية العراة تتعرى جسدياً فقط أمام رواد النادي المحدودين, بينما في تليفزيون الواقع تتعرى نفسياً واجتماعيا ( بالكامل ) وجسديا ( بشكل جزئي يزيد وينقص حسب الظروف ) أمام ملايين المشاهدين.
والستر الجسدي والنفسي والاجتماعي يعتبر مطلباً حيوياً للنفس السوية, ولذلك نجد الناس في المجتمعات الحضارية تتفنن في الملابس, وتبدى للناس من جسدها ومن نفسها ومن سلوكها فقط, ما ترى أنه مناسب لقيمها الدينية أو الاجتماعية أو الشخصية, أما إزالة الستار تماماً عن الجسد والنفس والسلوك فهو أبعد ما يكون عن التركيبة السوية للنفس البشرية.
والتعري ترفضه النفس حتى أثناء الحلم, لذلك يوجد رقيب في الجهاز النفسي يقوم باستبعاد لقطات ومواقف التعري الجسدي والنفسي في الحلم, وإذا حدث وأفلتت بعض هذه اللقطات من الرقيب يحدث حلم القلق أو حلم العقاب وفيهما يضطرب الجهاز النفسي نظرا لخروج دفعات غريزية غير مقننة أو منظمة أو منضبطة, وهكذا يحدث في المجتمع.
أما صاحب الفكرة الأصلي ومشجعوها ومنتجوها والقائمون عليها فهم يستمتعون بإنابة الشبان والفتيات ليحققوا لهم هذا «التلاحم» المرغوب لديهم ويستمتعون أيضاً بالتلصص عليهم وهم في هذه الحالة من العرى النفسي والاجتماعي, إضافة إلى استمتاعهم بالعائدات المادية الضخمة (حوالي أربعون مليون دولار في الدورة الأولى).
وبالطبع فإن هناك بعض المشاركين في البرنامج والقائمين عليه ربما لا تنطبق عليهم كل الأوصاف السابقة, وإنما هم يشاركون بشكل مهني فني (أكل عيش يعنى) لإضفاء وجه فني جمالي للبرنامج, ولا شك بأنهم قد نجحوا في ذلك.
والمتابع للبرنامج بشكل طولي يلحظ التغيرات التالية: في البداية كان الشبان والفتيات في حالة خجل وحرج وتحفظ في تعاملاتهم مع بعضهم البعض, ثم شيئاً فشيئاً بدأ كل ذلك يذوب وزالت فوارق الجنس فاكتسب الشبان رقة ونعومة الفتيات واكتسبت الفتيات جرأة واندفاع الشبان, ولم يصبح لديهم ولديهن حرجاً في أن يتعانقا ويتبادلا القبلات (البريئة وغير البريئة منها) على الهواء مباشرة. وقد شاركت أحد الفتيات في أحد برامج تليفزيون الواقع العربية وخرجت دون أن تكمل الدورة وهددت كثيراً بالحديث عما كان يحدث في الغرفة التي لا يطالعها التصوير (وليتها نفذت تهديدها), ومع هذا فقد شاع حدوث حالة حمل (وربما خفيت حالات أخرى) لأحد الفتيات المشاركات في برنامج تليفزيوني واقعي جداً .
وقد حاولت بعض الفتيات قضاء وقت أطول في الحمام لتبادل الأحاديث «الخاصة» كاحتياج إنساني حقيقي, ولكن إدارة البرنامج واجهت هذا الخروج على تقاليد البرنامج بكل حزم وحسم.
والبرنامج ولا شك يسوق لعادات وتقاليد جديدة, فقد رأينا في دورته السابقة شباب جاء من أقطار عربية محافظة جداً, وجدناهم يعانقون ويقبلون على الهواء "مباشرة" ومع هذا تقف وراءهم قطاعات من شعوب بلادهم تصوت لصالحهم وتعادى من يعاديهم وتسب شعوب أقطار عربية أخرى لتحيزها لابنها أو بنتها الذين يشاركون في هذه الملحمة العربية دفاعاً عن الشرف والرفعة والكرامة ولكي تظل راية الأوطان خفاقة (عارية).
والمشاهدون والمشاهدات يمارسون هواية التلصص والتنصت ويستمتعون بمشاهدة نادي التعري النفسي والاجتماعي والجسدي في ثوبه الوطني العربي.
والبرنامج ملئ بعوامل الإثارة والتشويق والمفاجآت (الطبيعية منها والمفتعلة), ولذلك نجد الناس تتابعه وهى محبوسة الأنفاس ينتظرون النتيجة على أحر من الجمر « يا ترى مين اللي ها يخرج الأسبوع ده؟ » .. « يا ترى المشرفين هايطردوه... علشان بيعمل مشاكل ولا ها يعطوه فرصة تانية » ويبدو أن هذه الإثارة مطلوبة عربياً نظراً لما يخيم على عالمنا العربي من مظاهر الملل والكآبة.
والبرنامج قد نجح في إبعاد الناس عن متابعة ما يجرى من أحداث في فلسطين والعراق, تلك المتابعة التي كانت تسبب للناس آلاماً نفسية وتؤرق نومهم وتحرق دمهم.
وبعض الناس لديهم رؤية أخرى للبرنامج فهم يرون أنه قد حقق نموذجاً للوحدة العربية وكسر الحواجز بين الأقطار وأزال الحدود (جداً) ورفع الحظر (تماماً) وأدى إلى "التحام" الأشقاء والشقيقات العرب. وأصحاب هذا الرأي يرون أن العرب قد فشلوا في التوحد سياسياً واقتصادياً, ولكنهم دائماً ينجحون في التوحد فنياً, فالفنانين والفنانات العرب يجوبون العالم العربي بلا تمييز بين مصري أو خليجي أو مغاربي أو شامي, بل إن بعض الأغنيات نجد مؤلفها خليجي وملحنها مصري وتؤديها مطربة لبنانية, فهل هناك نموذجا للوحدة أفضل من ذلك ؟؟... وربما يحتاج السياسيون والاقتصاديون إلى دروس لمحو الأمية الوحدوية يقوم على التدريس فيها أهل الفن والطرب وخريجي ستار أكاديمي.
اقرا أيضا:
ستار أكاديمي الفقرة الأخيرة على شاشة الانتفاضة / الدلالات النفسية لزواج الأمير تشارلز من عشيقته / إبداعات الخريف عند نجيب محفوظ(1)