عقدة سندريلا (1) The Cinderella Complex
(خوف المرأة الخفي من الاستقلال)
مقدمة :
تحت هذا العنوان كتبت الكاتبة الأمريكية كوليت دولينج Colette Dowling كتابًا عرضت فيه لأفكارها حول ما سمَّته (عقدة سندريلا The Cinderella Complex) بعنوانه الفرعي الموضح "خوف المرأة الخفي من الاستقلال Women's Hidden Fear of Independence"، وقبل أن نبسط آراء الكاتبة فيما ذهبت إليه نورد كلمة عن الكاتبة وعن الموضوع وعن ملابسات تأليف الكتاب:
أولاً: الكاتبة والكتاب ( مشكلة الدراسة – مدخل) :
في منتصف السبعينات من القرن العشرين كانت كوليت ناجحة ومشهورة وترعى أسرتها المكونة منها ومن ثلاثة أبناء وقد اكتشفت حينذاك اكتشافًا صادمًا وهو الاكتشاف الذي كان ضد آرائها السابقة كلها عن نفسها وعن بنات جنسها وقد ترجمته في قولها : إني وجدت أن ما أريده حقيقة وهو أن أكون موضع رعاية أحد الأشخاص.. إنها ليست مسالة شخص يتحمل عني الأعباء المالية للحياة، بل إنني في حاجة إلى حماية انفعالية طوال الوقت بحيث يمثل لي هذا الشخص منطقة حماية تحميني من العالم الخارجي.. لقد تربيت على أن أتوقع أن هناك شخصًا ما سوف يقوم بالمهام الصعبة بدلاً مني .
وتقول السيدة دولنج أنه عندما كُشفت لها هذه الحقيقة أرادت أن تتأكد ما إذا كانت هذه الرغبة خبيئة في قلوب الملايين من النساء الأخريات أم لا؟ وقد تأكدت من ذلك وجاء هذا التأكيد نتيجة أربع سنوات من البحث جابت السيدة دولنج خلالها عدداً من الأقاليم والولايات تجري مقابلات مع نساء من مختلف الفئات والطبقات، خاصة المهنيات منهن ممن يعملن ويدرسن ويعالجن النساء مثل المتخصصات في علم الاجتماع وعلم النفس والعاملات في المجالات الصحية والطبيبات النفسيات؛
وانتهت من هذه المقابلات إلى أن من قابلتهن من النساء كن يشعرن بنفس المشاعر التي تشعر بها وكن راضيات سعيدات بأن يبقين في منطقة الظل خلف الرجل وأنهن يتجنبن الصفوف الأولى بل أنهن يرتعبن إذا ما أجبرن على التحرك إلى الإمام، على الرغم من أن بعض النساء يصرحن شفاهة بأنهن يرغبن في تقدم الصفوف وتقلد المناصب القيادية وتتساءل الكاتبة لماذا تقف النساء في الوقت الحالي في هذا الموقف الصراعي؟ وكيف يستطعن أن يخرجن منه لكي يصبحن شخصيات سعيدة منتجة إلى أقصى ما تمكنهن قدراتهن وإمكانياتهن؟.
أما السبب في دفع النساء إلى هذا الموقف الصراعي كما اكتشفت السيدة دولنج شخصيًا فهو ما سمته عقدة سندريلا Cinderella Complex وهي نسق من الرغبات والذكريات المكبوتة والاتجاهات غير الواقعية التي أخذت تتكون في الطفولة عند الفتاة وهى طفلة ومحورها أن هناك شخصًا آخر قوي يدعمها ويحميها وهذه القناعة عند البنات - والتي لا يوجد مثيل لها عند البنين - تستمر معهنَّ إلى سن الرشد بمعنى أنهن لا يفطمن عنها ومن ثمَّ فإن هذه الحاجات تكبت وتندفع إلى أعماق الفتيات وتظلُّ معهن في حياتهنَّ الراشدة وتؤدي مختلف أنواع المخاوف الداخلية وألوان من السخط وعدم الرضا.
وفي مقدمة ما يترتب على الحاجات المكبوتة عند النساء من آثار وأكثرها قوة في حياتهن هو الشعور بالدونية، وإن كان شعوراً منكراً وغير معترف به على المستوى الشعوري وتقول السيدة دولنج أن معظم النساء ترسبت في أعماقهن فكرة أنهن غير قادرات على تحمل المسئولية الكاملة عن أنفسهن، وهي قد قابلت كما قلنا نساء من كل الفئات وتقول أنها لمست هذه الفكرة الخبيئة في نفوس من قابلتهن بمن فيهن من يعملن في المهن المرموقة وبعضهن لم يغامرن بالخروج من المنزل والعمل خارجه والبعض غامر ولكنه عاد واحتمى بأحضان الأسرة، وتؤكد السيدة دولنج أن هذه المشاعر قائمة عند ساكنات المدن وعند من تعمل في قطع الأخشاب في الغابات وعند الأرامل والمطلقات وعند كثير من المتزوجات واللاتي يريد بعضهن أن يحصل على الطلاق ولكنه لا يحصل عليه، والشيء الوحيد المشترك بين هؤلاء النسوة جميعاً هو أنهن يسلكن على نحو طيب ولكن بدرجة أقل مما يتفق مع قدراتهن الحقيقية بفعل هذه المشاعر الخفية.
وترى السيدة دولنج أن نزعة الاعتماد الشخصي والنفسي عند النساء - وهي الرغبة العميقة في أن يكون الإنسان موضع رعاية الآخرين - هي القوة الرئيسية التي تمسك بالنساء وتبقيهن في مرتبة أدنى وهي (عقدة سندريلا) والتي هي شبكة من الاتجاهات والمخاوف وغير الواقعية التي تجعل جنس النساء في منطقة نصف الضوء ونصف الظلال وتمنعهن من أن يحققوا الاستفادة الكاملة من قدراتهن وإبداعاتهن ومثل سندريلا فإن النساء اليوم لازلن ينتظرن شيئًا ما خارجيًا لكي يحل لهنَّ مشكلاتهن ويحوِّل حياتهن إلى الأفضل.
وتعرف السيدة دولنج أن عقدة سندريلا تمثل صدمة للمرأة التي ليس لديها فكرة عن هذه المشاعر اللاشعورية، أو المرأة التي لم تتعرض لظروف تكشف لديها هذه المشاعر وتقول السيدة دولنج أنه إذا لم تبين حقيقة هذه المشاعر التي تضمنتها عقدة سندريلا وتعمل على مواجهتها والتغلب عليها فسوف يفوتنا كل شيء فلا نعود نساء ولا نعود قادرات على الحب وعلينا أن نواجه هذا الخوف الموهن لنا عن طريق التحكم في هذا الموقف وتحقيق الاستقلال الحقيقي، فالتعرف على عقدة سندريلا والاعتراف بها ومواجهتها هو السبيل إلى تحقيق الاستقلال الحقيقي .
ثانيًا: كيف تطورت مشكلة الدراسة (عقدة سندريلا):
تبدأ السيدة دولنج كتابها بسرد خبرة شخصية مهمة، وتحكي كيف أنها وجدت نفسها في إحدى المرَّات وهى راقدة وحيدة في منزلها تعانى من أزمة أنفلونزا حادة وتقول: " لقد شعرت بالعزلة القاتلة في الحجرة التي بدت لي واسعة جدًا وقد عزلت نفسي عن أبنائي حتى لا أنقل إليهم العدوى وقد بت أتذكر نفسي عندما كنت طفلة صغيرة ودقيقة التكوين وقليلة الحيلة عرضة للإصابة بكل شيء وكيف كنت أشعر حينذاك بقدر كبير من مشاعر البؤس ليس بسبب الأنفلونزا حينذاك ولكن من الشعور بأنني منعزلة ووحيدة وهائمة;
وقد حدث توقف في مجرى أفكاري، لقد تحققت أنني وحيدة وبدون أي خداع لنفسي فقد اعترفت لنفسي أنني قضيت فترة طويلة أحاول تجنب بذل الطاقة، إنني أكره أن أكون وحيدة، أريد أن أعيش مثل الحيوانات الكيسية التي تعتمد على آبائها وأشعر أنني في جلد كائن أخر، وما تبينت أنني أريده حقيقة هو أن أكون آمنة وموضع رعاية الآخرين ولذا فإنني لم أجد شيئًا جديدا، فإن هذا الشعور جزء مما استشعرته لفترة طويلة.
.. لقد حدث الطلاق بيني وبين زوجي في السبعينات وهو العقد الذي شهدت فيه الحياة الأمريكية تحولاً ثقافيًا يتعلق بالنظر إلى النساء لم يكن من قبل، فقد بدأ المجتمع يتوقع من المرأة أن تهمَّ بالحصول على المادة وحيازة القوة وهي الأمور التي يهتم بها الرجل أساسًا كما بدأ المجتمع يوجه نظر المرأة إلى الاهتمام بالحرية ذلك المفهوم المراوغ من كل جانب فممن نتحرر؟ ومن ماذا نتحرر ولم؟ وكيف نوظف هذه الحرية؟ وما قيمتها وما الثمن المدفوع للحصول عليها؟ والمهم أن المرأة منذ السبعينات وجدت أمامها شعاراً مرفوعًا يقول: (أن الحرية أفضل من الأمن)، ولكن الحرية شيء يسبب الرعب كما أنها تضع أمامنا الإمكانيات والاحتمالات والتي ربما لم نكن قد جهزنا أنفسنا لها بشكل كامل أو بشكل مناسب بعد الترقيات، المسئوليات، السفر أحيانا بدون رجال معنا يرشدوننا إلى الطريق، الفرصة لعمل أصدقاء لأنفسنا وبطريقتنا وعلى مسئوليتنا الشخصية. "
وتقول السيدة دولنج "أن كل الفرص قد سنحت أمام النساء بسرعة كبيرة ولكن هذه الحرية قد أتت بمطالب جديدة.. فقد نشأنا ووقفنا مختبئات وراء أو تحت رعاية شخص نعتقد أنه قوي حتى نبدأ في اتخاذ قرارات قائمة على قيمنا الخاصة وليس على قيم أزواجنا أو آبائنا أو بعض معلمينا"،"إن الحرية تتطلب أن نصبح أصيلات أمينات وصادقات مع أنفسنا وهذا غالبًا ما يكون صعباً خاصة على النحو الفجائي حيث لا يكون لدينا إلا أن نكون زوجات صالحات أو بنات معطيات أو طالبات مجدات ويحتمل أنه حينما بدأنا عملية الانفصال عن الشخصيات الهامة أو المحورية في حياتنا لكي نقف على أرجلنا اكتشفنا أن القيم التي تعلمناها وظننا أنها قيمنا الخاصة أورثتنا الكثير من الحيرة..!!، إنني لا أعرف حقيقة ما قناعاتي، وما أعتقد في صدقه وفي صحته".
"ويمكن أن تكون هذه اللحظة مرعبة وكل شيء كنا نظن أنه مؤكد ظهر أنه ليس كذلك أو تحطم مثل قطعة الصخر اللينة التي تداعت وانهارت تاركة إيانا حائرات وغير متأكدات من قيمة أي شيء وشاعرات بالخوف، إن هذا الفقدان لابنة الدعم القديمة - المعتقدات التي لم نعد نعتقد في صحتها وسلامتها - يمكن أن يكون العلامة على بداية الحرية الحقيقية. ولكن الحقيقة أننا في هذا الموقف نسارع بالهرولة نحو الوراء وننسحب حيث معتقداتنا الآمنة والمألوفة والمعروفة".
وتتساءل الكاتبة: لماذا عندما يكون لدينا الفرصة للتحرك إلى الأمام فإننا نميل إلى العودة إلى الوراء؟ وتجيب: لأن النساء لم يتعودن مواجهة الخوف وتجاوزه;
لقد تمَّ تشجيعنا منذ البداية على أن نتجنب أي شيء يخفينا وتعلمنا منذ الصغر أن نفعل فقط الأشياء التي تسمح لنا بأن نشعر بالارتياح والأمن، وعلى هذا فإننا في الحقيقة لم نتدرب على أن نمارس الحرية. بل العكس هو الصحيح فإننا قد تدربنا على ممارسة مقابل الحرية وهو الاعتمادية.
المصدر : مجلة علم النفس عدد 67/68 (يوليو ديسمبر 2003)
ويتبع >>>>: عقدة سندريلا (2) منشأها وبعض مظاهرها