أحلام المدمنين (3)
مناقشة النتائج وتفسيرها: (2)
ثالثًا: مناقشة النتائج الخاصة بالأحلام لدى المدمنين في مرحلة العلاج النفسي:
لعلنا نجد زيادة أحلام التعاطي في هذه المرحلة وهذا شئ متوقع فبعد أن ينتهي العلاج العضوي أو مرحلة التعامل مع الأعراض الناجمة عن التوقف عن التعاطي يقود إلى العديد من المصاعب النفسية لدى الفرد إضافة إلى أن فترة التوقف في حد ذاتها يرافقها العيد من صور الهلاوس وبعض صور إيذاء النفس وإيذاء الغير وشك في قدرات الذات على التوقف في حد ذاتها وشك في قدرات الآخرين على علاجه؛
وهنا ينهض العلاج النفسي بالتعامل مع الجوانب النفسية التي تحتاج إلى التدعيم وبث الإرادة لدى المريض وممارسة كافة طرق العلاج المختلفة ومن تخصصات متعددة ينشا بينهم تعاون في التعامل مع المدمن (محمد غانم ، 1996 ، 32 : 34 ).
أما وجود أحلام بها عدوان تجاه الذات وتجاه الأخريين فهذا شئ مألوف لكل من يتصدى لسبر أغوار المدمن لأن الإدمان في حد ذاته ما هو إلا عدوان موجه إلى الذات وفي إحدى صور موجه إلى الآخرين.
ومن خلال التعامل مع المدمنين عبر مراحل العلاج المختلفة تكتشف حقيقة أن كافة المدمنين - وخاصة المترددين للعلاج أكثر من مرة- يعون تمامًا أضرار المخدر ورغم ذلك تظل الفجوة شاسعة ومتسعة بين القول والفعل، إضافة إلى وجود أحلام جنسية ولكنها تفصح عن شذوذ واضطراب وفوضى ورغبة في ممارسة الجنس مع المحارم; فقد ذكر مريض مواد طيارة على سبيل المثال حلمًا رأى نفسه فيه وقد كان جسده نحيلاً وملفتًا للنظر، بيد أن منطقة فتحة الشرج لديه والإليتين كانا بصورة ضخمة، وأن الرجال قد أحاطوه بدائرة يدورون ويرغبون في ممارسة الجنس معه إلا أنه كان يرفس الرجل منهم بقدميه فيطير في الهواء وهو عاري الجسد يريد أن يظهر من بين هؤلاء الرجال من يروى ظمأه ويسكت صرخاته!! ..
أو مدمن خمر حلم بأنه مارس الجنس مع امرأة لم يحدد معالمها بالضبط وحين أخذت النصيحة التقليدية قي تفسير الحلم وجدت أن شعر المرأة يشبه شعر والدته وأن عيناها تشبه عين خالته، وأن صدرها يشبه صدر أخته المراهقة وأن صوتها يشبه صوت جدته لامه -أي أن صورة المرأة في الحلم قد عبرت عن عدة شخصيات محارمية، وقد وجد المدمن نفسه في الحلم بواقعها، وبعد أن انتهى منها شعر بالتقزز وتقيأ دمًا ثم غافلها وأخذ يقضم قطعًا من جسدها ويلقيه في طاسة قلي ويتركه حتى يتفحم وهكذا حتى لم يجد المرأة في نهاية الأمر إلا هيكلاً عظميًا يتحرك فغشاه الرعب وقام من نومه فزعًا.
ولعل هذه النماذج التي قدمناها تعكس الاضطراب والفوضى في الحياة الجنسية لدى المدمن وصورة الأم المفترسة للرجال والعدوان الموجه ضدها والذي يعكس اعتمادًا طفوليًا عليها وفشل في التوحد بالنموذج الأبوي إضافة إلى الرغبة في إشباع الرغبة الجنسية المثلية والخضوع للآخرين الأقوياء والذي يفصح عن رغبته في أن يراعوه كطفل وفي نفس الآن رغبته في الاستقلال إلا أنه يخشى هذا الأمر، وهذا ما عكسته العديد من الدراسات مثل دراسة محمد رمضان (1986) وماهر نجيب (1986) وهناء أبو شيبة (1990) وغيرها من الدراسات..
رابعًا: مناقشة نتائج الأحلام لدى المدمنين بعد شهرين من العلاج:
تطفو إلى السطح أحلام التعاطي أو الخوف من الإنتكاس مع الأخذ في الاعتبار ارتفاع النسبة لدى المجموعتين بل وزيادتها في المجموعة السعودية، وهى حقيقة أكدتها العديد من الدراسات التي تناولت الإدمان وتناولت قضية الانتكاس (تشارلز د. كرورا 1994)، إضافة إلى أن الإدمان في حد ذاته قد يلجأ إليه الشخص لحل مشاكله بصورة ذاتية، فالعلاقة بين الإدمان واضطرابات الشخصية مثلاً قد أثبتته العديد من الدراسات نذكر منها: دراسة كوستن وآخرين، ودراسة برونر وآخرين، كما قد يكون الإدمان ناتجًا أو سببًا أو يسير جنبًا إلى جنب مع مشكلة المرض النفسي وهنا تظهر مشكلة التشخيص المزودج حيث يعانى الفرد من مشكلة إدمان مع مشكلة نفسية أخرى.
ولذا فان الإدمان لا يعالج إلا في مستشفيات وينهض بذلك متخصصين للتعامل في كافة مشاكل المريض النفسية وتحديدها وتدريب المدمن على أساليب منعه تساعده على مواجهة حالات الإحباط والغضب والانفعالات والخجل ومشاعر الرفض والنبذ (محمد حسن غانم 1994: 53: 57).
إلا أن المرض الدائر لدى المريض طرفه الثاني هو رغبة المريض في أن يولد من جديد وأن يحيا بلا مخدر وعلى قدر دافعية وإرادة المريض ووجود دعم أسرى من كافة المحيطين به والأخذ في الاعتبار فان هذا الجانب يتغلب على الجانب الآخر وهو الرغبة العميقة والملحة في الانتكاس والضرب بكافة الوعود التي قطعها على نفسه وأمام الآخرين، وإن كانت هذه المرحلة لا تخلو أيضا من معاناة ووجود أحلام تفصح عن عدوان شديد تجاه الذات.
أوجه الاختلاف في ديناميات المدمنين في كل من جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية:
تطرح المناقشات السابقة هذه القضية ; فنؤكد بداية على أن المدمنين لديهم صفات متشابهة في كافة الحضارات كما أكد ذلك كل من تصدى لدراسة الإدمان بيد أن ما نبرزه في هذا الإطار هو تحديد لعدد من الصفات والتي اختلفت من حيث الكم لا الكيف في النواحي الآتية:
1- المدمن السعودي أكثر اكتئابًا من المدمن المصري حيث ظهر المزاج المكتئب الحزين، وسيطرة مشاعر الأسى واليأس وفقدان القدرة على الاستمتاع بالحياة والحب إضافة إلى تكرار خيبات الأمل في مواقف حياتية متعددة والفشل في التوقف عن التعاطي إضافة إلى سيطرة مشاعر العزلة والوحدة وفقدان الأمن النفسي والاستمرار في البكاء (وهو في التحليل النهائي عدوان موجه إلى الذات).
2- إن غالبية العدوان لدى المدمن السعودي يتجه إلى الذات ويأخذ إشكال عدة مثل الموت بجرعة الزائدة والاستمرار في المخدرات حتى الوصول إلى فقدان العقل والموت السريع والتشويه الجسدي على عكس العدوان لدى المدمن المصري، وهو خير مثال على كيفية تصريف الطاقة العدوانية.
3- كم الصراع وعدم حسمه لدى المدمن السعودي أكثر منه لدى المدمن المصري وذلك لفاعلية وتأثير العادات والتقاليد وضرورة عدم التخلي عنها حتى ولو ظاهريا على عكس معركة الصراع التي يعانيها المدمن المصري والتي تعد من حيث الحجم والكم صغيرة.
4- اضطراب النشاط الجنسي لدى عينة الإدمان السعودي أكثر منه لدى عينة الإدمان المصرية، وقد تمثلت هذه المظاهر في :
أ ) فشل العلاقة بالمرأة على أي نحو .
ب ) الجنسية المثلية.
ج ) تشتت الدور الجنسي.
د ) الاستغراق في ممارسة الجنس - والاستغراق الزائد له دلالة عدوانية.
هـ) عدم الاهتمام بالجنس والقلق والقصور الجنسي.
وبالرغم من معرفتنا باضطراب الجنس عموما لدى المدمنين -علما بان هذه الاختلافات قد توصل إلي معظمها الباحث حين استخدمها اختبار التات (محمد غانم 1996 ، 195 ، 199)- فهل الأحلام تكشف عن نفس ما تكشف عنه بطاقات التات؟؟، وإذا كانت الأحلام وبطاقات التات تهدف إلى سبر أغوار ديناميات النفس الإنسانية فإن المقارنة بين النتائج المستخلصة من التات والأحلام يحتاج إلى المزيد من الدراسات والإجراءات.
المصدر : مجلة علم النفس عدد 67/68 (يوليو ديسمبر 2003)
اقرأ أيضاً على مجانين:
مدمنة ، ومغتصبه ؟! فما الحل ؟/ كيف أساعد مدمن : م2/ أخي مدمن : ما العمل؟/ نصائح لمدمن صغير !