ضغوط مهنة التدريس(1)
تحليل الدراسات السابقة:
رغم حداثة الاهتمام بظاهرة الضغوط النفسية لدى العامل والناتجة عن مؤثرات ترتبط بالعمل سواء داخل العمل أو خارجه أو الاثنين معًا إلا أن ما توفر للباحث في دراسات سابقة قد كشفت بوضوح عن أثر ضغط العمل على بعض جوانب شخصية المعلم إلا أنه من استعراض الدراسات السابقة يتضح الآتي:
1- دراسة ميلدنج وشوقية إبراهيم قد تناولتا علاقة المعلم بطلابه كمتغير مستقبل في مقابل ضغوط مهنة التدريس برغم أن هذا المتغير يعد أهم مصادر ضغوط مهنة التدريس.
2- تناول عدد من الدراسات مركز الضبط كسمة للشخصية ومتغير مستقل في مقابل الضغوط النفسية كما تناولت دراسات منها دراسة (فوقيه محمد راضي) الضغوط النفسية ومتغيرات سمات شخصية المعلم مثل: توهم المرض، الاكتئاب، الهستيريا، والانطواء الجماعي، وكلها سمات منحرفة.
ولما كان هدف البحث الحالي المساهمة في عمليات الإرشاد والتوجيه النفسي للمعلمين وانتقاء مدرسي المستقبل من خريجي الثانوية العامة في كليات التربية بحيث يكونون أقل تعرضًا لضغوط مهنة التدريس، اهتم الباحث بسمات الشخصية السوية كما يقيسها مقياس التحليل الإكلينيكي لمحمد السيد عبد الرحمن وصالح أبو عباءة.
أهمية الدراسة الحالية:
للدراسة الحالية أهمية من جانبين:
1- الجانب البحثي: من منطلق اهتمام علماء النفس والباحثين بظاهرة الضغوط للعمل فلا دراسة بمثابة إضافة للدراسات والبحوث في هذا المجال خاصة وأنها تتناول عوامل شخصية والمعلم والتي لم تتناولها الدراسات السابقة مثل: الثبات الانفعالي – السيطرة – الحساسية – الدهاء – الراديكالية – التوتر; كما يقيسها مقياس التحليل الاكلينكي لمحمد السيد عبد الرحمن وصالح أبو عباءة، في حين اهتمت بعض الدراسات بمركز الضبط كسمة لشخصية المعلم (هيبس وملين ، كاد فيد، نصر يوسف) واهتم البعض الآخر بالسمات غير السوية: توهم المرض – الاكتئاب – الهستيريا – الانطواء (8).
2- الجانب التطبيقي: في ضوء ما تسفر عنه الدراسة من نتائج يمكن أن تفيد في بُعْدَيْن هما:
(أ) اختبار معلمي المستقبل بكليات التربية حيث يطبق على الطلاب المتقدمين اختبار عوامل الشخصية ويتم اختبار العناصر الأكثر تكيّفًا مع الضغوط المهنية .
(ب) تحديد العوامِل المؤثرة على الضغوط المهنية للمعلم لمعالجتها وتخفيف الضغوط على المعلم ليؤدي دوره بكفاءة عالية وتزيد إنتاجيته.
متغيرات الدراسة:
1- ضغوط مهنة التدريس:
الضغوط النفسية التي يجب التصدي لها لتخفيف الضغوط عن العامل وصولاً إلى زيادة الإنتاج كمًا وكيفًا، هذا وقد تباينت تحديدات الباحثين لمفهوم ضغط العمل حسب المحطات التي يستند كل منهم في النظر إلى الضغوط إلا أنهم يجمعون على أن ضغوط العمل بمثابة خبرة أليمة تنتج عن مضايقات العمل كما ظهرت مرادفات لضغوط العمل منها: الاحتراق النفسي للعامل والإجهاد النفسي والإجهاد العصبي.
وفي مجال التدريس يركز البعض على العمل كمصدر للضغوط مثل عبء وغموض وصراع الدور، في حين ركز البعض الآخر على نوعية الإدارة وطبيعة العلاقة بين الإدارة والمعلم وتجاهلوا الجو العام للمدرسة والعلاقة بين المعلمين وبعضهم وبالطلاب ونظرة المجتمع للمدرسة ولمهنة التدريس; ومن التعريفات السابقة لضغوط مهنة التدريس وبالنظر إلى المصادر الثلاثة لضغوط العمل عامة وهي الفرد المؤسسة المجتمع المحيط، يقدم الباحث التعريف التالي لضغوط مهنة التدريس: هي خبرة أليمة يقاسيها المعلم من جراء التعرض لمثيرات متعلقة بعمله تتحدى قدرته على التكيف.
2- عوامل الشخصية:
يحددها البورت على أنها المكونات الأساسية الثابتة في شخصية الفرد والتي تحدد سلوكه وهي تختلف من شخص إلى آخر لذلك فهي ترسم الخطوط العريضة لشخصية الفرد ، ويمكن عن طريقها التنبؤ بسلوكيات معينة عنه (9 : 235-236)
وقد تناول الباحث هذه العوامل على أنها بمثابة الجانب الشخصي من منظومة ضغوط مهنة التدريس إلى جانب المدرسة والمجتمع المحيط وفى ضوء التراث النفسي والأبحاث السابقة اختار الباحث من مقياس التحليل الاكلينيكي لمحمد السيد عبد الرحمن وصالح أبو عباءة ستة من العوامل التي يرى أنها أكثر العوامل الخمسة عشر التي يقيسها المقياس ارتباطًا بمهنة التدريس حسب ما أظهرته الدراسات السابقة من ناحية ونتائج تطبيق المقياس على فئات مختلفة من العاملين وتحليل المؤلفين لهذه النتائج من ناحية أخرى وهذه السمات هي: الثبات الانفعالي – السيطرة – الحساسية – الدهاء – الراديكالية والتوتر وحيث أنه لا توجد مقاييس فرعية لهذه العوامل فقد طبق الباحث المقياس ككل ثم استخرج هذه العوامل الشخصية.
3- جنس المعلم: ذكور / إناث .
4- مدة الخبرة:
وهي مدة عمل المعلم بمهنة التدريس حتى تطبيق الدراسة عليه وقد قسمها الباحث إلى ثلاثة مستويات (5 سنوات فاقل) و(6 –10 سنوات) و(11 سنة فأكثر) .
5- تخصص المعلم:
ويقصد به: نوع المادة التي يقوم بتدريسها وقد صنف هذا المتغير إلى: علوم تطبيقية وتشمل: الرياضيات – الفيزياء - الكيمياء - والأحياء - وعلوم إنسانية وتشمل: اللغات والدراسات الاجتماعية والعلوم الفلسفية، والتخصص الثالث ويشمل الخدمات المصاحبة للعملية التعليمية كالأخصائي النفسي والاجتماعي والمكتبات وهذه المجالات.
6- الرضا الوظيفي:
ويقصد به مدى رضا المعلم عن مهنة التدريس ويحدد بالدرجة التي يحصل عليها المعلم على مقياس الرضا الوظيفي المستخدم في هذه الدراسة.
مشكلة الدراسة:
يمكن صياغة مشكلة الدراسة في التساؤلات التالية :
1- هل توجد علاقة ارتباطية بين درجات إحساس المعلم بضغوط المهنة وعوامل شخصيته؟
2- هل توجد فروق بين الجنسين من المعلمين في درجات الإحساس بضغوط المهنة؟
3- هل توجد علاقة ارتباطية بين درجات إحساس المعلم بضغوط مهنتة ورضاه عن عمله؟
4- هل توجد علاقة ارتباطية بين درجات إحساس المعلم بضغوط المهنة ومدة خبرته؟
5- هل توجد علاقة بين درجات إحساس المعلم بضغوط المهنة وتخصصه؟.
الفروض:
يمكن صياغة مشكلة الدراسة في شكل الفروض التالية:
1- توجد علاقة ارتباطية (سالبة) بين درجات إحساس المعلم بضغوط المهنة وعوامل الشخصية : الثبات الانفعالي- والسيطرة - والدهاء; (وموجبة) مع الحساسية والراديكالية والتوتر.
2- توجد فروق دالة إحصائيًا بين درجات الإحساس بضغوط المهنة لدى المعلمين والمعلمات وهي لصالح المعلمات.
3- توجد علاقة ارتباطية سالبة بين درجات إحساس المعلم بضغوط المهنة ورضاه عن عمله.
4- توجد فروق دالة بين درجات إحساس المعلمين بضغوط المهنة حسب تخصصاتهم، وهي لصالح مدرسي المواد النظرية .
5- توجد فروق دالة بين درجات إحساس المعلمين بضغوط المهنة حسب مدة الخبرة وهي لصالح ذوي الخبرة الأقل.
إجراءات الدراسة:
1- العينة: طبقت أدوات الدراسة على عينة عشوائية من معلمي ومعلمات المرحلة الثانوية بمدارس محافظة الشرقية قوامها 165 معلم ومعلمة ، ثم استبعدت عشرة حالات لعدم الاستجابة على الأدوات لتبقى العينة النهائية 155 حالة منهم 102 معلم ، 53 معلمة والجدول التالي يبين خصائص العينة:
الجنس المتغير | ع | ع | ع | ع | التخصص | مدة الخبرة بالسنوات | ||||
علمي | أدبي | خدمات | 5 فأقل | 6-10 | 11 فأكثر | |||||
ذكور
| 102 | 24-50 | 38.2 | 2.8 | 40 | 34 | 29 | 17 | 16 | 63 |
إناث
| 53 | 24-48 | 32.4 | 3.00 | 16 | 22 | 14 | 21 | 8 | 2 |
2- الأدوات:
1- مقياس ضغوط مهنة التدريس:
من إعداد الباحث، الضغط بمعنى الشدة أو التوتر وذلك هو حالة نفسية عصبية غير مريحة للفرد نتيجة لمثيرات تتحدى قدراته، وهذا يتفق مع تحديد دالي لمفهوم الضغط على أنه حالة ناتجة عن عدم توزان بين مطالب الموقف وقدرة الفرد على الاستجابة لهذا الموقف وفي ضغط العمل تكون المثيرات متعلقة بالعمل ، وبالتالي فضغوط مهنة التدريس: حالة نفسية وعصبية أليمة تعتري المعلم بسبب مثيرات خاصة بعمله داخله أو خارجه تتحدى قدرته على الاستجابة لها، وهذا يتفق مع تحديد أندرو سيزلاقي (5: 170) لمصادر ضغط العمل الثلاثة: المؤسسة، البيئة، الفرد وقد تبنى الباحث هذا التعريف لضغوط مهنة التدريس وتم على أساسه بناء مقياس ضغوط مهنة التدريس المستخدم في الدراسة الحالية والذي مر بالمراحل التالية:
دراسة استطلاعية لعدد 60 معلم ومعلمة من المراحل التعليمية والتخصصات المختلفة من السؤال المفتوح عن (1) مفهوم ضغط العمل (2)
وبتحليل الإجابات توصل الباحث إلى تحديد:
1- مفهوم المعلم عن ضغط العمل هو أن يكون في حالة من التوتر والعصبية أو القلق وعدم الارتياح .
2- وعن مصادر ضغط العمل كانت نوع الإدارة وعلاقتها بالمعلم وجو العلاقات بين الزملاء وبينهم وبين الطلاب وعدم وجود الوقت الذي يقضيه مع أسرته أو الذي يؤدي فيه التزاماته الاجتماعية وقلة الراتب والنظرة المنخفضة من المجتمع لمهنة التدريس وكثرة الأعمال التي يكلف بها المعلم، وباستعراض الدراسات السابقة وما كتب عن مصادر ضغط العمل صاغ الباحث 25 مفردة تنتمي إلى سبعة محطات هي: عبء الدور ونوع العلاقة بالتوجه وبإدارة المدرسة وبالزملاء وبالطلاب وقلة الراتب والحاجة إلى النجاح والرقي وثمن تطبيق هذا المقياس في تجربة مبدئية على 50 معلم ثم أعيد التطبيق بعد ثلاثة أسابيع .
ثبات المقياس:
بطريقة التجزئة النصفية كان معامل ارتباط نصفي المقياس لسبيرمان وبراون 076 ولجتمان 078 ومعامل ألفا 080 وبطريقة إعادة التطبيق على 50 معلم بفاصل زمني ثلاثة أسابيع بلغ معامل الارتباط 075.
صدق المقياس:
بطريقة الاتساق الداخلي ارتبطت عبارات كل بعد من الأبعاد السبعة بأبعاد المقياس بمعاملات تتراوح بين 065، 082 كما ارتبطت الأبعاد بالمقياس ككل بمعاملات تترواح بين0.72، 0.80 وكلها معاملات دالة عند مستوى 0.01 .
2- مقياس التحليل الاكلينيكي (الجزء الأول) لمحمد السيد عبد الرحمن وصالح أبو عباءة (13) وهو يتكون من 128 بندًا تقيس ست عشرة سمة للشخصية السوية أو ما يسمى بعوامل الشخصية وتعد الصورة (أ) من مقياس الشخصية (P f 16) هي المصدر لبنود هذا المقياس الأساسي فنصف بنود تتطابق مع بنود الصورة (أ) و10% أخرى تم تعديل صياغتها لفظيا بهدف سهولة الفهم والتطبيق و 20% من بنوده تم أخذها من صور أخرى لمقياس عوامل الشخصية كالصور B ,C, D والعشرون بالمائة الباقية تتكون من بنود لم يسبق نشرها .
تطبيق المقياس:
يمكن تطبيق المقياس بصورة فردية أو جماعية حسب حالة المفحوص وهو ما يصلح للأعمار بين 16 سنة فأكثر ويجيب عليه الفرد من خلال ثلاثة اختيارات (نعم، غير متأكد، لا) هذا وليس للإجابة على الاختيار زمن محدد ولكن التجربة تؤكد أن هذا الزمن من المتوسط ثلاثون دقيقة .
تصحيح المقياس:
وضع الباحثين كراسة مفصلة للإجابة عليها كما وضع مفتاحًا للتصحيح ، وتعطى الدرجة 2 للإجابة المتفقة مع إجابة المفتاح في الاختيارين أ، ج ولا تعطى درجات في حالة الاختلاف، والإجابة المتفقة مع ب تعطى درجة واحدة وتجمع درجات كل بند (سمة أو عامل من عوامل الشخصية) على حدة فلكل بعد درجة مستقلة وفي حالة ترك بند من البند دون إجابة تحسب درجة البند: بضرب مجموع درجات البنود المجاب عليها.
صدق وثبات المقياس:
في سبيل التحقق من صدق وثبات المقياس في البيئة العربية قام الباحثان بترجمة كلا منهما على حدة ثم قاما بمراجعة الترجمة معًا والاتفاق على أفضل صيغة للبنود من حيث الدقة والسهولة ومناسبتها لعمر المفحوص ثم عرضت الصيغة النهائية والأصلية على متخصص في اللغة وأخذت ملاحظاته ومن ثمَّ طبق المقياس بصورته النهائية على عينة التقنين وهي سعودية (406) ومصرية (397) طالب وطالبة بالمرحلتين الثانوية والجامعية والدراسات العليا.
أولا: صدق المقياس:
(أ) الصدق الظاهري: يتمتع المقياس بدرجة عالية من الصدق الظاهري حيث يتميز بوضوح التعليمات وقصر العبارات وسهولة فهمها وبعدها عما يثير الحرج من مسائل دينية أو سياسية أو جنسية كما يناسب مدى عمري واسع ويتضمن الدلالة الإكلينكية لدرجة كل بعد.
(ب) الصدق العاملي: أسفر التحليل العاملي لدرجات العينة السعودية والمصرية كلا على حدة بطريقتي المكونات الأساسية والتدوير بطريقة فاريمكس عن وجود خمسة عوامل للعينة السعودية وبين الجنسين وبين المهن المختلفة.
(ج) الصدق التنبؤي: يتضح لذلك من قدرة المقياس على التنبؤ بالفروق بين المستويات العمرية وبين الجنسين المهن المختلفة.
ثانياً : الثبات:
(أ) الاتساق الداخلي بحساب الارتباط بين درجات المفردات ودرجات البعاد التي تنتمي إليها للعينة السعودية (ن = 406) والمصرية (ن = 297) فكانت معاملات الارتباط دالة جميعها عند 0.05 في العينة المصرية مما يدل على الاتساق الداخلي إلا أن معاملات الثبات بطريقة ألفا وطريقة كرونباخ كانت منخفضة نسبيًا.
(ب) طريقة إعادة التطبيق: على عينة سعودية (ن = 71) بعد ستة أسابيع بين التطبيقين كانت معاملات الارتباط تترواح مابين 0.65، 0.85 وعلى العينة المصرية (ن = 105) بفاصل زمني أسبوعين كانت معاملات الارتباط تترواح مابين 065، 078 وقد استخدم الباحث من سمات الشخصية الخمسة عشر التي يقيسها المقياس ست سمات هي: الثبات الانفعالي، السيطرة، والحساسية، والدهاء، الراديكالية، والتوتر لما يتوقعه الباحث من ارتباط هذه السمات بمهنة التدريس أكثر من غيرها وذلك من خلال الأبحاث السابقة ونتائج تطبيق المقياس نفسه ونظرا لعدم احتواء المقياس إلى مقاييس فرعية لهذه السمات فقد طبق الباحث القياس ككل ثم استخرج هذه السمات والعوامل المعالجة لإحصائية للبيانات.
عن مجلة علم النفس عدد 148 عدد يوليو-ديسمبر 2003
ويتبع >>>>>: ضغوط مهنة التدريس (3)