لقد فرض الله عز وجل على المؤمنين عبادة تقربهم منه وهي من أجل العبادات فهي يرفع بها الدرجات ويزداد المسلم بها من الحسنات ألا وهي فريضة: الذكر، والذكر من أرفع العبادات شأنا وأعظمها مكانة عند المولى عز وجل.
والذكر يطلق على عدة أفعال منها أولا الصلاة وثانيا القرآن وثالثا خطبة الجمعة ورابعا الذكر على مطلقه. فمعنى الذكر يطلق على الصلاة في قوله "وأقم الصلاة لذكري" ومعنى الذكر يطلق على القرآن في قوله تعالى "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" ومعنى الذكر يطلق على خطبة الجمعة في قوله "يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله"
ومعنى الذكر مطلقا في قوله تعالى "الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم"، وللذكر مقام كبير للكلام عنه والإبحار فيه، ولكن ما نود الكلام عنه هو ما ابتدعه بعض المنحرفين من الصوفية من ذكر وهو ليس بذكر.
وأقول المنحرفين من الصوفية لأن أصل التصوف بعيد كل البعد عن هذا الفعل بل لا يقره ولا يفعله العقلاء من المتصوفين وكذلك السابقون الأولون من أهل التصوف فعندهم التصوف هو الزهد في الدنيا وزينتها وعدم تأثر النفس بزخارف الحياة مع العمل لأجل الكسب والعيش بطرق الحلال، وأصل التصوف جاء من الصفاء أو لبس الصوف زهدا. ولكن البعض من الصوفية يجتمعون في حلقات ثم ينشدون الأناشيد ويأخذون في التصفيق ويتمايلون يمينا ويسارا ويدعون أنهم بذلك يذكرون الله عز وجل.
وقد سأل مالك رضي الله عنه عن قوم يأكلون كثيرا ويشربون كثيرا ويتمايلون ويصفقون ويدعون أنهم يذكرون فقال أصبيان هم؟ قالوا لا قال أمجانين هم؟ قالوا لا قال ليس هذا بذكر. ونحن منذ عقود نرى الصوفية يحيون الليالي ويقيمون الموالد وينفقون الأموال ويهدرون الجهد والوقت فيما لا طائل منه. بل وأدخلوا آلات الطرب والموسيقى وكلمات الأغاني في ما يسمونه بالذكر. فالذكر شيء وسماع الأغاني شيء والخلط بين الذكر والأغاني شيء آخر.
ولا أجد في تمايلهم وتحركهم وقوفا وجلوسا مسمى، إلا أنني أستشهد بما قاله الصحفي الأوربي المستشرق الذي كتب مقالا عن هذه الأفعال وعنوان مقاله: الرقص الديني. فتساءلت متعجبا هل للدين رقص يا سادة. إننا في زماننا هذا في أشد الحاجة إلى الأخذ بروح الإسلام وتعاليم الإسلام الصحيحة حتى لا نعطي الفرصة لأعداء الدين بالتهكم على الدين الحنيف ووصفهم للإسلام والمسلمين بالتخلف والرجعية فنحن لم نؤمر بهذا ولم يفعل النبي هذا.
بل إن رسول الله وصحابته لم يركنوا إلى السهر في العبادة طوال الليل ولم يعملوا، بل قال رسول الله للمتخاذلين أما إني أصوم وأفطر وأقوم وأرقد وأتزوج النساء من رغب عن سنتي فليس مني.
إذن لقد أخذ رسول الله بالأسباب وعجل للدنيا والدين معا فتحولوا من رعاة غنم إلى قادة أمم. لأنهم أخلصوا العمل للدين والدنيا معا، فهم لم يضيعوا الوقت ولا الجهد ولا المال فيما لا فائدة منه، بل إن رسول الله أمر أحدهم أن يشتري معْولا ليعمل به ويتكسب من عمله، وعمر قال إن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة وقال لمن يجلس في المسجد ليل نهار أخوك أفضل منك لأنه يكد ويعمل، وقال صلى الله عليه وسلم المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.
إن الذي يسهر ليلة ليتراقص ثم ينام نهاره متعبا مرهقا ويعيش على الصدمات لهو أسوأ مثال للمسلم. وإن الذي يعمل ويكد لرفعة وطنه ودينه حتى وإن قل في العبادة فهو أحسن وأفضل مثال للمسلم لقول عائشة عن رسول الله أفضل وأحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل. ولك مثال على ذلك كيف أصبح حال المسلمين وهم كثرة الجواب حالهم ضعف ومذلة ومهانة لأنهم كثرة بلا إخلاص في العمل.
وانظر إلى حال المسلمين في صدر الإسلام وهو قلة الجواب حالهم عزة وكرامة وعلو في الدنيا مع كونهم قلة ولكن بإخلاص في العمل لأنهم أخذوا بالأسباب وعملوا بها وصدق الله إذ يقول "ولينصرن الله من ينصره" كفانا ما مضى وضاع منا، تعالوا نوحد الصفوف ونحول الجهد والمال إلى أحدث طرق العلم والمعرفة فبالعلم ترقى الأمم وصدق الله إذ يقول "وقل ربي زدني علما" هناك فارق بين التواكل الذي يدعوا إلى التكاسل والتخاذل والتوكل الذي يدعوا إلى العمل والاجتهاد والأخذ بالأسباب.
والفارق شاسع بين التوكل والتواكل فالرجل الذي ترك دابته سأله رسول الله فقال إني متوكل على الله فقال له رسول الله بل أعقلها وتوكل. فيجب علينا أن نعمل ثم نتوكل لا أن نركن ونتواكل. والله الموفق.
واقرأ أيضاً:
الحلال الفكري وارتباكات القيم / التوكل والتواكل.. دينياً ونفسياً / أخطاء الفكر وخطايا الفعل