في ظل الظروف الراهنة... ليس أمراً سهلاً أن يقع مقر عملك على الكورنيش... على بعد خطوات قليلة من ميدان التحرير... و... خطوات أقل من ميدان عبد المنعم رياض!
وبما أن ركن السيارة في موقف عبد المنعم رياض لم يعد أمراً مضموناً... حيث يتم غلقه أحياناً وبدون سابق إنذار حال حدوث مظاهرات مثلاً.. رأيت أن أفضل حل هو أن أستقل مترو الأنفاق... و"أهو... أحسن من زحمة الشوارع..."
وللوصول إلى المترو من مقر عملي، أقوم باختصار الطريق بالدخول من شارع جانبي يمر أمام المتحف المصري... وقد فعلت ذلك كثيراً، ولكن هذه المرة كان الأمر مختلفاً...
الثلاثاء 26 أبريل 2005
تسير خطواتي السريعة الواثقة للمرور بتلقائية من بين الحواجز الحديدية الموضوعة دائماً على مدخل ذلك الشارع المؤدي للمتحف المصري لأفاجأ بضابط يتقدم نحوي...
الضابط: على فين يا آنسة؟
أنا: إيه؟ رايحة المترو... فيه إيه؟
الضابط: ممنوع!
أنا: أنا باشتغل هنا... وباعدي من هنا دايماً... وبعدين فيه ناس ماشيين أهم!
الضابط: فين دول؟
أنا: أهو... البنت اللي لابسة برنيطة في آخر الشارع هناااااك! (كانت أجنبية مما زاد حنقي)
الضابط: لأ دي ما دخلتش من عندي... من مدخل تاني!
أنا: لأ مفيش مدخل تاني!
ووجدت نفسي في مشادة كلامية مع الضابط... وبما أنه كان "راكب دماغه"... وبما أني لم أكن فعلاً متأكدة إذا كان هناك فعلاً مدخل ثان أم لا... اضطررت للرحيل وأنا أتمتم بعبارات ساخطة ومشيت من طريق "رأس الرجاء الصالح" للوصول إلى المترو...
الأربعاء 27 أبريل 2005
أسير نحو ذات الشارع بخطوات مترددة... كانت معي إحدى زميلاتي هذه المرة... وجاء نحونا عسكري...
العسكري: ممنوع المرور من هنا... ممنووووع!
زميلتي: بنشتغل هنا... رايحين المترو...
العسكري: استني... هنا ممنوع!
تجاهلته زميلتي تماماً... وجذبتني من يدي ومضينا في طريقنا... والغريب أن أحداً لم يتعقبنا أو يمنعنا!
الخميس 28 أبريل 2005
أتوجه نحو الشارع "إياه" بخطوات أكثر ثقة وثباتاً... وفي نيتي أن أفعل مثلما فعلت صديقتي... ومما زادني تحفزاً أنني رأيت بعض السائحات يدخلن إلى الشارع...
ولكني وجدت العساكر يهرعون نحوي من كل صوب... وكأني أحمل مدفعاً رشاشاً... كان أسهل كثيراً أن أمشي من طريق "رأس الرجاء الصالح" على أن أحتك بالعساكر، ولكني كنت ثائرة بجنون هذه المرة بسبب مرور الأجانب أمام عيني على نفس نهج المثل القائل "البيت بيت أبونا والغرب يطردونا"... قلت في عناد إني سأمر وحاولت ذلك فعلاً، ولكنهم وقفوا أمامي ورفعوا أيديهم بالعرض لمنعي من المرور...
أنا (ببلطجة): يعني ألبس "باروكة" صفرة عشان تعديني! هاعدي يعني هاعدي!
أحد العساكر: يافندم احنا مالناش ذنب... دي أوامر علينا... ممكن تكلمي حضرة الظابط...
اتجهت نحو الضابط و"عفاريت الدنيا بتتنطط في وشي"، وكان نفس الضابط الذي تشاجرت معه من قبل... وصرخت فيه بغضب...
أنا: أنا مش هافضل في المشاكل دي كل يوم! أنا باشتغل هنا... ولازم أعدي... يعني إيه الأجانب يعدوا وأنا لأ!
وعلى عكس توقعي... فوجئت برد الضابط الذي كان غاية في الذوق والأدب...
الضابط: الموضوع مش كده... هو بس تنظيم مرور... إجراءات بسبب انفجار الأزهر... معلش غصب عنا... استحملونا بس اليومين دول... أنا آسف جداً... ومستعد أوقف لك تاكسي يوصلك للمترو... أنا امبارح خدت جزا عشان سمحت لواحد من ذوي الاحتياجات الخاصة إنه يعدي... لو يرضيكِ كلنا نتجازى عدّي...
وأمام هذا الرد المفحم، لم يكن أمامي سوى الاعتذار للضابط والمشي من طريق "رأس الرجاء الصالح" مرة ثانية... ولكني كنت أفكر في كيف أن الكلمة الطيبة من الممكن أن تكون أفضل من أي رد وأقوى من كل سلاح... ولكن ما كان يشغلني أكثر هو التفكير في البلد وحال البلد وقيمة المواطن المصري... ويومها شعرت أن شيئاً قد انكسر بداخلي... فكيف أُمنع من دخول إحدى شوارع بلدي بينما يدخل الأجانب... وهل من الممكن أن يحدث هذا في أي دولة في العالم؟ لا أعتقد!
السبت 30 أبريل 2005
في هذا اليوم قررت أن أذهب بالسيارة تفادياً لأية مشاكل أو إحراج مع الضباط، وأن أقوم بركنها في موقف عبد المنعم رياض... وصلت إلى الموقف وأنا "حاطة إيدي على قلبي" ... فربما يكون مغلقاً، ولكنه لم يكن... حمدت الله... وذهبت إلى عملي الذي أنصرف منه عادةً في حدود الساعة الثالثة أو الثالثة والنصف...
ولكن لأنه "لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا"... ولأن "ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك"... ولأن "لسه ليّ عمر"... سبّب الله الأسباب وقدّر أن ننصرف يومها قبل موعدنا المعتاد... وبعد وصولي للمنزل بقليل عرفت خبر انفجار عبد المنعم رياض... أخذت أتابع صور الموقع في التليفزيون وأنا لا أكاد أصدق..."أنا كنت في نفس المكان من شوية، وكان ممكن أكون هناك دلوقتي" ... انهالت مكالمات أقاربي وأصدقائي... وأخذت والدتي تصيح في انفعال "الحمد لله... الحمد لله!"...
حمدت الله وأخذت أفكر في كيف أنه من الممكن أن تنتهي حياة الإنسان في لحظة بدون أية مقدمات... وكيف أنها "فرقت بنط" لأن الله لم يقدر لي الموت بعد... وأخذت ألوم نفسي وأسألها... هل أنا مستعدة للموت وللحساب؟ أخذت أيضاً أفكر في خسة هذا العمل اللي كمان اتعمل في معاد خروج الموظفين وقرب موقف الأتوبيس"!
مي حمدي
1/5/2005
واقرأ أيضاً:
باسم أطفال فلسطين: جنين / الريح والورد ومن النخيل نما له جناحا ثور النداهة / كان مالنا نحن بالسياسة....؟!!