وحشتيني وحشتيني، سنين بعدك على عيني، ليالي كنت مش عايش، ومستنيكي تحييني..
أغنية من أجمل أغاني عمرو دياب في نظري، ولكن، أغنيه كتلك ربما لا تعني الكثير بالنسبة لعمرو وسط كثير من أغانيه الرائعة، وربما يجد مشقة في تذكرها أصلا إذا ما طلب منه أحد أن يغنيها..
ولكن بالنسبة لعدد لا بأس به من الناس الذين استمعوا إليها قد تمثل حالة أو تجربة شعورية ما (إيبيزود)، تختلف من أحمد لمحمد لنبيل، فلربما قد يكون أحمد سمعها لأول مرة وهو في لقاء غرامي مع حبيبته، ولربما يكون محمد سمعها لأول مرة على التلفزيون، ومن المحتمل أن يكون نبيل سمعها وهو يشهد أحداث علاقة في طريقها للفشل!
طبعا الوضع مختلف من أحمد لمحمد لنبيل، فالأغنية قد تمثل ذكرى جميلة لأحمد في حال دامت علاقته بحبيبته حيث ستعتبر الأغنية في حالتهم "نفس المكان.. اللي كان.. بيجمعنا سوا-كما في إحدى أغاني عمرو دياب".
وتتحول في هذه الحالة الأغنية من مجرد أغنية إلى مكان وزمان أو خلفية من الألوان المتداخلة في بورتريه يصف قصة ما رسمها الشخص في أعماق عقله.. وفي تلك الحالة نجد من المنطقي أنها تعني له الكثير كما يعني البورتريه لصاحبه، وتكون نفس الأغنية محايدة لمحمد، وبالطبع مؤلمة جدا لنبيل.
يذكرني ذلك بيوم كنت فيه مع صديق على المقهى المفضل لنا نستمع لأغاني على إحدى الفضائيات، وكان الجو جميلا جدا وكنت أمارس هوايتي المفضلة وهي مراقبة الناس، ليس للسخرية ولكن لمجرد الفضول، وفجأة ابتدأت أغنية مشهورة، ولاحظت شابا يهمس للمضيف في أذنه (طبعا مسمعتش كان بيقوله إيه!)، فطأطأ له المضيف رأسه بالإيجاب وكتم الصوت بالريموت كنترول ثم غادر، وأعتقدت حينها أن المضيف قد فعل ذلك كي يسمع الزبون عايز يطلب إيه وبعدين يفتح الصوت تاني، لكن ما حدث كان غير ذلك، غادر المضيف وظل الصوت مكتوما، وبعد قليل،انتهت الأغنية، وأشار المضيف للشاب ملوحا كأنه يقول (خلاص كدا؟) الشاب هز له رأسه بالإيجاب (فل عليك)، ففتح المضبف الصوت وكأن شيئا لم يكن وطبعا شيئا كهذا ربما لا يلفت انتباه المحيطين أو حتى انتباه الجالسين معه، وحينها استنتجت ما همس به في أذنه، وأعتقد أنكم أيضا استنتجتم هذا..
بالتأكيد كان يقول: والنبي تقفل الأغنية دي عشان مبحبهاش (أو شيء ما من هذا القبيل)، ولربما تسألني الآن، طب عرفت منين يا ذكي؟ ما هو ممكن يكون قفل الصوت عشان يسمع الراجل عايز يطلب إيه! احتمال قائم فعلا ولكنني أذكر ترتيب الأحداث، المضيف هز رأسه وبعد ذلك كتم الصوت وغادر، وليس العكس، تفرق! إنها حقا لمأساة! فتلك الأغنية تعرض في التلفزيون أو على محطات الإذاعة أو نسمعها في أي وسيلة مواصلات أو تاكسي أو أي مكان عام عشرات المرات يوميا، ويا سلام بقى لو سمعتها في محطة المترو، وابقَ دور على ريموت كنترول عشان تقفل الصوت، وإذ بك تجد نفسك أمام أمر واقع مضطرا لسماع الأغنية للآخر (بالعافية).
دعونا ندخل إلى أغوار ذلك الشخص المسكين ونغوص في أعماقه.. ترى إلى أي مدى تشعره بالأسى أغنية كتلك؟
وهل إلى الحد الذي يجعله يشعر بالسخط على المغني نفسه وإن كان من أشد معجبيه؟ وبينما ذلك الشاب وهو يستمع إلى تلك الأغنية في معاناة نفسية رهيبة ربما تجد المغني نفسه في مارينا يشمس ظهره على البلاج.
واقرأ أيضا:
الإسلاميون وحركات مناهضة الحرب والعولمة / رابطة الإعلام العلمي: نبتة تشق الأرض العربية / جرامين 2006.. ملامح مرحلة جديدة / سلم العمارة.. وإفساد المجال العام