كان العدوان الإسرائيلي الذي بدأ في 12 تموز وتصاعد بدءا ًمن اليوم التالي، كان مفاجئاً في وتيرة القصف وفي زمانه ومكانه. وكانت المفاجأة استهداف الضاحية الجنوبية بدءاً من اليوم الثالث بقصف الجسور ثم بالتدمير المنهجي للمربع الأمني بين منطقتي حارة حريك وبئر العبد.
كان الأسبوع الأول، أسبوع الصدمة التي فاجأتنا جميع، كنا نتوقع رداً إسرائيلي، لكن ليس بهذا الحجم ولا بهذا العنف ولا بهذه الوحشية.
كنا نظن أن إسرائيل سوف تحترم حدود اللعبة التي فهمها شارون والتزم بها حرفياً بعدما تعلم الدروس البليغة من تجاربه المريرة في لبنان. فشارون لم يبادر إلى شن عدوان كاسح إثر أسر الجنود الثلاثة عام 2001بل كان رده موضعياً ومحدوداً آنذاك ثم بدأت المفاوضات غير المباشرة لتبادل الأسرى والتي لم تؤت ثمارها إلا بعد عامين.
أما أولمرت الذي نعته الأمين العام لحزب الله بأنه رئيس الوزراء الأكثر فشلاً والأكثر حماقة في تاريخ الكيان الصهيوني، فقد أراد إثبات ذاته عبر إشعال الحرب والعدوان (الذي تبين فيما بعد أنه كان مخططاً ومدبراً). المفاجأة كانت كبيرة لنا وكنا نحتاج إلى بعض الوقت لنصدق أن الحرب قد عادت وأننا من جديد سوف ندخل في دوامتها الجهنمية، بعد ما كنا قد عشنا سنوات ست من الأمان في ظل التحرير وفي حمى المقاومة..
إنها الحرب إذ، وقد بدأت تأخذ أشكالاً تدميرية هائلة لم نكن نتصور أن تصل إليه، صواريخ ضخمة تدمر المباني العالية وتسويها بالأرض، مئات الأطنان من القذائف"الذكية" رمتها الطائرات الأمريكية- الإسرائيلية على قرى الجنوب وبيوته الآمنة، كما على الضاحية التي تحولت إلى منطقة ضربها زلزال من ثماني درجات..
في الأسبوع الثاني، تحولت الصدمة والوجع والألم إلى الصبر والصمود، لاسيما بعد إنجازات رجال المقاومة البواسل سواء عبر قصف الصواريخ أو عبر ضرب البارجة البحرية قبالة شاطىء بيروت.وبدأ التهجير من مختلف قرى الجنوب إلى المناطق الأكثر أمن، والمهجرون هذه المرة ليسوا كما في المرات السابقة التي تهجروا فيه، كنتَ ترى في أعينهم الوعي والعزم والقوة ، وتلهج ألسنتهم بحب المقاومة وقائدها ، وبأنهم حتماً عائدون.
في الأسبوع الثالث تصاعدت همجية العدوان وكان قصف الطائرات يزداد وحشية، ويكاد لا يشبع نهم أولمرت وأعوانه إلى قتل النساء والأطفال.فكانت المجازر المتنقلة وعلى رأسها مجزرة قان، وتحول الشعور بالصبر والصمود إلى شعور بالتحدي: كان الناس نساءً ورجالاً وأطفالاً يخرجون من تحت الأنقاض ليهتفوا باسم السيد حسن نصر الله الذي كانت إطلالاته المتلفزة تعطيهم الأمل وتمدهم بالقوة واليقين بالنصر.
ثم بدأت تباشير الأسبوع الرابع، أصبحت القرى الأمامية مدمرة كلي، بعد ملحمة بنت جبيل ومارون الرأس البطوليتين، ومحاولات العدو التقدم دون جدوى والخسائر الهائلة التي يتكبدها يوميأً من الجنود والعتاد. فدبابات الميركافا صارت صيداً سميناً لرجال المقاومة الأشداء الذين أصبحوا "صائدي الدبابات".. بالإضافة إلى الصواريخ التي تنهال يومياً بالمئات على المستوطنات الشمالية و على المدن الكبرى للصهاينة.
كل ذلك جعل الأسبوع الرابع أسبوع الشعور الغامر بالنصر، لم نعد اليوم نفكر بالتضحيات، لم يعد الدمار يعنين، ما يعنينا فقط حالياً هو قتال مجاهدي المقاومة وتصديهم الأسطوري للجيش الهمجي الذي ما زال يعتدي ويحاول التوغل داخل جنوبنا العزيز الذي حررناه في الماضي بالدماء والدموع، وسنحرره اليوم من جديد، وسنمنع أي جندي صهيوني قذر من البقاء ولو في شبر واحد من أرضنا الطاهرة. وقد لفتني اليوم قول فلاح جنوبي طاعن في السن وصامد في أرضه: "إن إسرائيل دمرت الحجر فقط أما النفوس فلن تستطيع تدميرها".
التحدي لا حدود له اليوم لدى الجنوبيين، صامدين ونازحين، مقاومين ومجاهدين، لا خيار لنا سوى التقدم إلى الأمام، لا خيار لنا سوى النصر، لن ننظر إلى الوراء، لا شيء سيفت من عضدن، سوف ننتصر بإذن الله، هذا وعد الله ولن يخلف الله وعده.
5/8/2006
اقرأ أيضًا:
لبنان لماذا؟ وفلسطين والعراق لا؟ / ساخن من لبنان: دفقة أمل (3)