رغم مرور أسابيع قليلة علي حرب الثلاثة والثلاثين يوما بين حزب الله وإسرائيل، إلا أن العرب كعادتهم لم يقفوا عند هذه الحرب ونتائجها التي بدأت تغير وجه المنطقة بقدر ما وقفوا عند النقاش عن الشيعة والسنة وهل الحرب كانت حربا بين الأمة وإسرائيل أو بين الشيعة وإسرائيل؟ وهل يجوز الدعاء لحزب الله أم لا؟ وهل هذا النصر في النهاية هو نصر لحزب الله وإيران أم نصر للمسلمين جميعا؟
يحدث هذا في الوقت الذي أحدثت هذه الحرب زلزالا داخل إسرائيل وخارجها جعل مراكز الدراسات والأبحاث في إسرائيل وجميع الدول الغربية تسعى لدراسة أبعاده والنتائج المستقبلية لهذه المعركة وتأثيرها علي إسرائيل والولايات المتحدة ومشروعاتها في المنطقة، فرغم الإقرار الإسرائيلي بالهزيمة والذي تجلي بوضوح في تصريحات كثير من العسكريين كان آخرهم قائد القوات البرية الجنرال رون تال الذي أقاله دان حالوتس رئيس الأركان الإسرائيلي يوم الخميس الماضي الخامس من أكتوبر بسبب انتقاداته للحرب في لبنان.
وكذلك موشيه أرينز وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق الذي شارك في تظاهرة احتشد فيها ثلاثون ألف إسرائيلي في 10 سبتمبر الماضي في دوار ساحة رابين في تل أبيب طالبوافيها بتشكيل لجنة تحقيق رسمية حول نتائج الحرب، حيث تحدث أرينز للصحفيين قائلا: "إن الحرب في لبنان لم يكن لها مثيل في تاريخ الحروب التي خاضتها إسرائيل وانتهت بهزيمة لم يكن لها مثيل حيث انهزم الجيش الإسرائيلي أمام عدة آلاف من مقاتلي حزب الله".
أما على مستوي المحللين والكتاب الإسرائيليين فقد نشرت عشرات المقالات التي تنتقد الجيش الإسرائيلي وأداءه ووصل الأمر بكثير منهم إلي اعتبار أن ما حدث هو بداية النهاية لإسرائيل وأحلامها وأطماعها في المنطقة منهم ما كتبه عوزي بنزمان في صحيفة هاأرتس الإسرائيلية في 17 سبتمبر الماضي حيث قال: "إن حرب لبنان كشفت عن حجم الفساد والعفن الذي أصاب الجيش والمجتمع الإسرائيلي بسبب اضطهاده للفلسطينيين" هذه العفونة التي أصابت الجيش الإسرائيلي عبر عنها أيضا تقرير سري سرب للصحافة أعدته دائرة الاستخبارات العسكرية في الجيش الأمريكي ونشر في 10 سبتمبر الماضي، جاء فيه "أن الجيش الإسرائيلي كان يتصرف في هذه الحرب وكأنه مصاب بالشلل".
كما أن هذه العفونة عبر عنها العقيد شموئيل جوردون أحد ضباط الجيش الإسرائيلي في تصريحات نشرتها الصحافة الإسرائيلية حينما شبه ما قام به الإسرائيليون في لبنان بما قام النازيون كما أن ضباطا وجنودا آخرين وصفوا ما قام به الإسرائيليون بأنه أفعال جنونية ووحشية وهمجية ، كما أقر جنود إسرائيليون بأنهم استخدموا قنابل فسفورية وعنقودية وهي أسلحة محرمة دوليا في هذه الحرب.
هذه الأشياء التي هي قليل من كثير لم يسع العرب لفهمها ودراستها، واستخدامها كأدوات لتغيير معادلات الصراع في المنطقة وغرقوا في التفاهات والخلافات والقشور كعادتهم، لذلك سعت الولايات المتحدة لاستثمار هذه الغفلة العربية وتحويل هذه الهزيمة الإسرائيلية ـالتي هي هزيمة لأمريكا في نفس الوقت لأن أمريكا كانت شريكا مباشرا ورئيسيا لإسرائيل في المعركة بالسلاح والعتاد والدعم السياسي الدوليـ إلي نصر فقامت كوندليزا رايس التي سبق وأن قالت أثناء الحرب: "إن الشرق الأوسط الجديد سيولد من رحم الأزمة اللبنانية".
قامت بعد فشل أمريكا وإسرائيل في تحقيق أهداف هذه الحرب بجولة في الأسبوع الماضي شملت بعض دول المنطقة لإقامة حلف "المعتدلين"، كما أن جورج بوش سعي لمغازلة إيران في مقابلة طلبها هو من صحيفة "واشنطن بوست قال فيها وهو يغازل الإيرانيين" ـ إننا نقدر ونحترم تاريخكم وثقافتكم كما أنني أتفهم رغبتكم في تطوير برنامج «نووي وأرغب بشكل جاد في إيجاد حل لهذه القضية»، ثم أضاف قائلا: «لا حاجة لي ولا رغبة في الدخول في نزاع معكم وأنا أؤيد ضرورة العمل على تطوير برنامج خاص لتبادل المعلومات والثقافة مع إيران».
هذا الغزل الأمريكي جاء بعد غزل مماثل لوزيرة الخارجية رايس لسوريا بسبب إحباطها هجوما على السفارة الأمريكية في دمشق، وبالتالي فإن هذا الغزل لإيران وسوريا يعني أن الولايات المتحدة التي كانت تهدد إيران بالحرب قد غيرت الكثير بعد هزيمتها مع إسرائيل علي يد حزب الله.
أين العرب مما يدور حولهم؟ وأين هم من الوقوف علي نتائج هذه الحرب أيا كان صانع النصر فيها لكي يستثمروه؟ وإلي متى يترك للآخرين اتخاذ كل القرارات حتى وهم منهزمون ومعترفون بالهزيمة؟
نقلاً عن الجزيرة توك -تم التدقيق اللغوي بموقع مجانين.
اقرأ أيضًا:
لبنان لماذا؟ وفلسطين والعراق لا؟ / شاهدة عيان: ما الذي يجري في لبنان2 / وجع المخاض 2/8/2006 / هكذا لبنان يمنحنا نصرًا ... لا نستحقُهُ! / لبنان لماذا؟ وفلسطين والعراق لا؟