حكاوي القهاوي (14)
(64)
مقلب رجاله
ولما خرج الشعب إلى الشوارع ثائراً، أمر الرئيس بنزول الجيش بالتنسيق مع قوات الأمن الداخلي واحتلال جميع المحاور الهامة في البلاد. وبعد نزول الجيش واحتلاله لكل تلك المحاور الهامة؛ إذا به يُعلن عن انقلابه على الرئيس ورفضه للتضامن معه وأنه اختار البقاء في صفوف الشعب، بل ودخل الجيش في مواجهات مع رجال الأمن الموالي للرئيس. وبهذا أخذ الرئيس مقلب ساخن لم يكن له متوقعاً. ولما كان الرئيس قد تعاقد منذ توليه مع شركة أمن إيطاليه لتهريبه خارج البلاد وقت الزنقة؛ فقد نفذت الشركة تعاقدها وهرّبت الرئيس إلى الخارج، ليؤكد الرئيس على أنه كان ثاقب النظر عندما تعاقد مع هذه الشركة. ونجد من جانبنا فيما حدث عبرة لجميع الرؤساء فعليهم أولا ألا يثقوا في الجيش فقد يعطوا للرئيس خازوق، الأمر الثاني على الرئيس أن يجري مناقصة عالمية لتنفيذ الهروب الكبير.
(65)
لغة الجسم
يسهل على المتخصصين قراءة حركات الجسم ليعرفوا منها ما لم يقال أو ما يحاول الشخص إخفاؤه، ويسمي المتخصصون هذا بلغة الجسم؛ والتي تدخل في إطار ما يسمى بالتواصل غير اللفظي. وفي محاولة لقراءة لغة أجسام الوزير الأول لتونس ورفاقه أثناء إلقائه بيان توليه مقاليد السلطة خلفاً لبئس العابدين بن علي. سنجد أن الشخص الواقف على يمين الوزير الأول راجعاً للخلف بنصف خطوة عن الوزير الأول، كما أنه يميل بجسده بزاوية جهة الوزير الأول مطالعاً فيه؛ وكلتا يداه متشابكة خلف ظهره. وكأنه يقول أنا لست جزءاً مما يحدث؛ وأنه فقط متفرجا متأملا بل وواثقاً أن لن يصيبني ما يمكن أن يصاب به غيري من أذى.
الشخص الثاني الواقف على يسار الوزير الأول ينظر إلى الأمام متجهماً؛ متقدماً ببضع سنتيمترات عن الوزير الأول وكلتا يداه متشابكة أمام جسده، وقد سمحت له هذه السنتيمترات التي تقدم بها عن الوزير الأول بإسناد جسده على الطاولة التي أمامهم. كل هذا يعلن لنا أن الرجل قلقٌ مما هو آت؛ متوقعاً الهجوم عليه من الأمام فكانت وضعية زراعيه وتشابك يديه أمام جسده ثم استناده على الطاولة درعاً يحميه من الهجوم المتوقع. أما الوزير الأول فكان ناظراً لما يمسك به من ورق في محاولة لتجاهل الأحداث من حوله؛ ساعياً لامتلاك رباطة جأشه وكأنه يقول كنت موظفاً مطيعاً وسأبقى كذلك لديكم الآن، فجاءت كلماته إلى حد كبير كإنسان آلي وإن كان في نبرته استجداء أن أبقوني وستجدون ما يسركم.
(66)
شكرا أمريكا
كشفت وثائق المخابرات الأمريكية فيما مضى عن زعيم عربي كان عميلاً للمخابرات الأمريكية؛ وكان كوده السري هو "مستر بييف". ومازالت المخابرات الأمريكية تواصل مشكورة الكشف عن زعمائنا العملاء. فقد ذكرت الوثائق عن أن بئس العابدين بن علي كان عميلا للمخابرات الأمريكية؛ وأنها عينته بالأمر عام 1981 أيام حكم بورقيبه ليكون سفيراً لتونس في بولندا حتى يكون عيناً للمخابرات الأمريكية على اضطرابات العمال ضد الحكم الشيوعي هناك. هل يا ترى أمريكا هي التي جعلت منه رئيساً لتونس فيما بعد. ما هو كوده السري؛ هل ممكن أن يكون "مستر كسكسي". من يا ترى سيكون الزعيم التالي وعلى أي من البقوليات سيكون كوده السري.
(67)
إسرائيل تنعي
حزنت إسرائيل أشد الحزن على إسقاط بئس العابدين بن على الذي قال عنه نتن ياهو أنه كان من أكثر الزعماء العرب تأييدا لإسرائيل سراً هذا باعتبار أن هناك فئة أخرى من الزعماء لا تستحي وتؤيدها في العلن وأضاف النتن ياهو أن بئس العابدين قد رفض أن تخرج المظاهرات في تونس تأييدا للفلسطينيين، كما رفض أيضا أن يجمع الشعب التونسي التبرعات لأهل غزة. جدير بالذكر أن ما حدث في تونس من إسقاط لهذا النظام دليل على أن إسرائيل، كما صرح باللفظ النتن ياهو توجد في منطقة غير مستقرة.
أعتقد أن ما قصده هذا النتن ياهو؛ هو أن إسرائيل توجد في منطقة بها أنظمة صديقة وشعب عربي عدو. وهذا بالضبط ما وصف به من قبل مصر إذ قال أن بها نظام صديق وثمانيين مليون عدو. وطبعاً إذا ما تمت الإطاحة بالنظام الصديق فهذا يعني أن الكل أعداء لها؛ ولهذا فإن إسرائيل ترتعد فرائصها ولا تشعر بالأمان إذ تعتقد أنها وجِدت في منطقة غير مرغوب فيها. الأولى بهذا النتن ياهو أن يلوم من أوجده في هذه المنطقة بدلا من أن يلوم أهلها. اللافت للنظر أيضا هو عدم لجوء بئس العابدين بن علي إلى إسرائيل، وهي التي تحب أن تعلن دائما أنها لا تتخلى عن عملائها، عموماً كما يقول المثل المصري الجايات أكثر من الرايحات، والهاربون إن شاء الله هم كثروا.
(68)
إشمعنى
عندما زار بيرم التونسي باريس قال بلسان الصعيدي المصري "إشمعنى جفاهم أبيض وجفانا زي الطين". وعندما أرى تونس اليوم أقول "إشمعنى يا بيرم ثُرتم واحنا لسانا نايمين". كنّا معاكم متشابهين؛ يمكن كنّا متطابقين. شيوخنا ولاّ شيوخكم قاعدين؛ وتلاتة وعشرين ما تفرقش كتيرعن تلاتين. نسهر وياكم ونغني يا ليلى؛ ليه فجأة تقوموا ماشيين. يا إخوانا حد يقول لي اشمعنى يا تونس ثُرتم واحنا لسانا نايمين.
(69)
ارحل أيها الزعيم
ماذا لو أن عائلة الزعيم قرأت جيداً والحاشية، ماذا لو أنهم قد أدركوا أن النهاية حتماً آتية. ماذا لو قرروا قلب ملهاته إلى تراجيديا باكية. ماذا لو أنهم ركنوا على أن قلوب العوام دوما حانية. هل يمكن للابن أن يقتل أباه؟!! أيدسّون السُم للزعيم؛ طمعا في كرسي باليا؟!! ويقيمون المآتم فيأتي الكل باكيا؟!! ويخر الرعاع سجدا؛ داعين لهم بالبقاء ما طاب لهم أن يبقيا. أهكذا يمكن للثورة أن تجهض؛ فلا يُكتب للشعب أن ينهض. شكرا لهم إن لم يفعلوا، شكرا لبوعزيزي من أهدى روحاً غالية. فكانت وقوداً لثورة بركان عاتية. كم أشعرتموني بالتقزم إذ أطالع يا أهل تونس هاماتكم العالية.
(70)
سفر التكوين
ترى عمن يتحدث سفر التكوين، هل يروى لنا كيف أن الله خلقنا أحرارا، وكيف أن موسى أبى أن يكون لفرعون ساجدا. عمن يا ترى يتحدث سفر الخروج، هل يروي لنا كيف خرج موسى ثائرا، وكيف غرق فرعون مصر الطاغية. إلى سفر التكوين أقف متأملا، وبالخروج سأظل حالما.
(71)
نحن من نكون؟!!
كل مسئول يظهر علينا في شاشات التليفزيون يقسم تارة ويشرح بإسهاب تارة أخرى؛ ويستجدينا ثالثة أن نصدقه كما استجدى يوماً بئس العابدين شعب تونس ليصدقوه. وكأنهم في خبث يسعون لتنويمنا مغناطيسياً حتى نردد هذاءاتهم ونؤمن بها فنتصرف كيفما يحبون. يقول هؤلاء الكذّابون بأننا لسنا كأهل تونس؛ فمن قام بذلك هم الطبقة المتوسطة وهم رجال متهورون وعلى فعلتهم سيندمون؛ وأنهم قد أدخلوا تونس في فوضى؛ وعلى بئس العابدين حتما سيترحمون، وأن تونس صغيرة. أما نحن فدولة كبيرة مترامية لو خرج كل أهلها فلا ثورة يوقظون.
وشعوبنا لا طبقة وسطى لديها؛ وإننا جهلاء.. أميون وأيضاً طيبون. هل يعني هؤلاء أننا ساذجون أم أننا مخنثون؟!! أنحن حالة فريدة حقاً كما يدّعون؟!! أفريدون في الضعف نحن والخنوع؛ أهذا ما يقصدون؟!! مهلاً أيها الكذّابون؛ إذا كان ذلك كذلك فلماذا إذن ترتعدون؟!! لماذا أعطيتم أوامركم للداخلية وللجيش حتى ينسقون. لا للضرائب؛ لا للغلاء؛ لا لتصريحاتكم المستفزة ليلاً نهاراً تحلفون. أوليس هذا استهتاراً بنا.. استفزازا لنا. أتحسبوننا لكذبكم مصدقون؛ إنْ صدقناكم فهنيئاً لكم بلادنا؛ فإننا حقاً حينئذ مخنثون.
ويتبع:>>>>>>>>>>>>:: حكاوي القهاوي (16)
واقرأ أيضاً:
هيلن كيلر معجزة لن تتكرر / ولمَ لا؟ / حكاوي القهاوي
واقرأ أيضاً:
هيلن كيلر معجزة لن تتكرر / ولمَ لا؟ / حكاوي القهاوي