ليس مكتوبا علينا الاستعباد والخضوع للاستبداد، ولم نخلق لنعيش الذل والمهان، لأننا شعب نحب الحياة، نعشق الحرية والمساواة.
إنها شعارات ومطالب أجمعت عليها القوى الشعبية السورية بقومياتها وطوائفها منذ بداية الثورة في ظل التصعيد الأمني الذي تمارسه الحكومة السورية بحق المواطنين العزل من عمليات قتل واعتقال وتعذيب ممنهج على مرأى من أعين المجتمع الدولي والجامعة العربية التي أعلنت عن موقفها المتخاذل ومشاركتها مع الحكومة في قتل الأبرياء من خلال صمتها اللامحدود، على الرغم من تأكيد الأوساط الحقوقية المحلية والدولية من خلال تقاريرها الموثقة إلى أن هذه الجرائم هي جرائم إبادة جماعية لا يمكن التغاضي عنها.
مجازر ارتكبتها آلة القمع في سوريا تزامنت مع دعوات النظام المزمع للإصلاح والحوار الوطني مع المعارضة، في ظل التواجد الأمني المكثف والتفنن في عمليات التعذيب وإرهاب الناس الذين باتت أصواتهم وهتافاتهم تتصاعد وتصدح في المظاهرات التي قدرت بالملايين، ليعلنوا موقفهم الرافض للحوار مع السلطة تحت سقف القتل والاعتقال، ليرفعوا بذلك شعار (اللاحوار والشعب يريد إسقاط النظام).
من ناحية أخرى فقد تباينت ردود قوى المجتمع الدولي وعلى رأسها (المنظومة البرغماتية الأمريكية) والتي تتراوح حدة خطابها الرسمي على مدى التنازلات التي تقدمها الحكومة السورية وتلبيتها للمصالح الأمريكية في المنطقة، هذه القوى التي باتت تراقب موازين القوة بين نظام فقد الشرعية من منظور الشعب من جهة ومعارضة مشتتة لا تجمعها سوى مصطلح المعارضة من جهة أخرى، والتي لا ترى إلى هذه اللحظة في هذه المعارضة سوى أفراد معارضون لا يستطيعون تلبية أقل مما يقدمه لهم النظام السوري.
أما المعارضة بطبيعتها الكلاسيكية فإنها تترقب الشارع والمتظاهرين (كل على حدة) من أجل الانقضاض على ما تحققه الثورة السورية، على عكس المطلوب منها كتهيئة الأوضاع السياسية الدولية والإقليمية من أجل التخفيف من أعباء الشباب، وحشد الدعم السياسي وقيادة العملية الانتقالية من خلال توحيد صفوفها وإيصال صوت الشعب إلى المحافل الدولية، وطمأنة القوى الدولية بمراعاة مصالحها في المنطقة على أقل تقدير.
فالمؤتمرات المتعددة للشخصيات المعارضة سواء من داخل سوريا أو خارجه، وعدم توافقها على طرح شعار موحد تلبي آمال المتظاهرين باتت سببا في إطالة عمر هذا النظام، وسببا في تزايد عدد الشهداء والضحايا والمعتقلين، ناهيك أن هذه المعارضة تجهل أن هذا النظام بات يستغل ويتحكم في والوقت ويستثمره لالتقاط أنفاسها والتفكير في آليات جديدة لقمع ثورة الشعب، لتكون بذلك عبئاً على كاهل الشعب لا عوناً له.
إننا وكما نعلم بان النظام المستبد في سوريا كان ينتهج سياسة "فرق تسد" وانه كان يحاول دائما خلخلة البناء التنظيمي للمجتمع داخليا من خلال زرع نفوذ لها في الهرم التنظيمي للأحزاب والتنظيمات أو خارجيا من خلال محاولاتها في زرع الفتنة بين الأطراف والأطياف والقوميات حتى بين الفرد وضميره مستخدمة كل الطرق والأساليب للسيطرة علينا.
ونحن كمعارضة وطنية كنا ولا نزال نختلف من أجل قضايا ثانوية مبتعدين بذلك عن جوهر القضية ملبين بذلك ما يرغبه عدو الشعب وما يريده، ليس لأنهم طلبوا منا ذلك، بل بسبب سيكولوجيتنا المقهورة المتقبلة لذلك، من خلال تكريس مبدأ (الأنا) سواء أكانت فردية أم جماعية لتحقيق بعض المكاسب الضيقة التي تشكل جدارا عازلا أمام رغبة بعض الغيورين على المصلحة العامة.
إننا على أعتاب مرحلة جديدة، تتطلب منا إعداد أنفسنا من أجل الابتعاد عن الفكر الأيديولوجي الشمولي والتحلي بثقافة الوعي المدني والاعتراف بالآخر، في سبيل لم شمل جسد المعارضة السورية الداخلية والخارجية بطوائفها وقومياته، للخروج برؤية مشتركة يحقق مطالب ثورتنا ثورة الأطفال والشباب، ثورة النساء والرجال والالتقاء من أجل القضية الجوهرية لثورتنا ضد الاستبداد والاستعباد، وتكريس مبدأ (كلنا من أجل الوطن والوطن من أجل المواطن).
واقرأ أيضاً: