لا نفهم مبررات هذا الهجوم الشرس الذي يتعرض له الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، بعد الفتوى التي أطلقها وحرّم فيها زيارة القدس المحتلة، وتأكيده بأن المدينة المقدسة لن تعود إلا بالمقاومة!
الدكتور القرضاوي كان يرد على دعوة أطلقها الرئيس الفلسطيني محمود عباس للمسلمين بشد الرّحال إلى القدس المحتلة، للتواصل معها وكسر العُزلة الإسرائيلية، وهذا من حقه، لأن زيارة العرب والمسـلمين للمدينـة المقدسـة سـتصب في مصلحـة التطبيع، وسـتُخفف الضغوط على (إسـرائيل) عبر الإيحاء بأنها "دولـة منفتحـة على الأديان الأخرى"، وأن المدينـة يجب أن تظل موحدة تحت سـيادتها..!!
الرئيس عباس ينطلق في دعوته هذه من رغبته في تحدي سياسة الأمر الواقع الإسرائيلية التي تريد عزل المدينة والاستفراد بها وقطع صلاتها مع العرب والمسلمين، وإظهار الدعم العربي والإسلامي لأهل المدينة من خلال دعم اقتصادهم وبما يؤدي إلى تعزيز صمودهم!
نختلف مع الرئيس عباس في هذا التوجه، لأن الإسـرائيليين لن يسـمحوا للعرب والمسـلمين بهذه الزيارة للمدينـة المقدسـة، إذا كانت تعتقد، أي (إسـرائيل)، أنها تتعارض مع مخططاتهم لتهويدها وهدم المسـجد الأقصى لإقامـة هيكل سـليمان المزعوم على أنقاضـه. فقادة (إسرائيل) ليسوا على هذه الدرجة من الغباء؛ فـ (إسرائيل) هي التي تتحكم بمن يدخل أو يخرج من الأراضي الفلسطينية المحتلة، والسلطة الفلسطينية ليس لها أي رأي في هذا الصدد، وربما يفيد التذكير بأنها سحبت تصريح التنقل الذي كان يستخدمه الرئيس عباس نفسه داخل مناطق السلطة أو خارجها!
فإذا كان مئات الآلاف من أبناء الضفة الغربية، ناهيك عن أبناء قطاع غزة، ممنوعين من زيارة المدينة المقدسة، والصلاة في أقصاها، وهم يتواجدون على بعد أمتار منها، فكيف ستسمح السلطات الإسرائيلية لمئات الآلاف من العرب والمسلمين بزيارتها..!!؟؟
زيارة العرب والمسـلمين للقدس المحتلـة سـتخدم الاقتصاد الإسـرائيلي أكثر من خدمتها لاقتصاد أبناء القدس؛ فأي زائر يُلبي نداء الرئيـس عباس سـيضطر للذهاب إلى السـفارات الإسـرائيليـة للحصول على تأشـيرة الدخول مقابل رسـوم ماليـة، والتخاطب مع المسئولين الإسـرائيليين فيها... وهذا تطبيع واضح...!!!
وماذا لو قرر الفلسـطينيون في مخيمات الشـتات في لبنان والأردن والعراق ومصر التوجـه إلى القدس المحتلـة، تلبيـة لنداء رئيسـهم بأعداد كبيرة، فهل سـتسـمح لهم (إسـرائيل) بتحقيق هذه الأمنيـة!؟ والأكثر من ذلك هل سـتسـمح لهم دول مجاورة مثل الأردن ومصر بالمرور عبر أراضيها..!!؟؟
الدكتور القرضاوي لم يُحرّم الزيارة بالنسـبـة إلى الفلسـطينيين، بل عن العرب والمسـلمين، ولكن (إسـرائيل) لا تريد هؤلاء ولا زيارتهم، بل تريد العرب والأثرياء منهم خاصـة، والرئيـس عباس يُدرك هذه الحقيقـة، وإذا كان لا يًدركها فهي مصيبـة كبرى...!!!
الزيارة الوحيدة الشـرعيـة لهؤلاء للمدينـة هي أن يذهبوا إليها فاتحين ومحررين، وأن يهرعوا لوقف عمليات الاسـتيطان التي تخنقها، والحفريات التي تُهدد المسـجد الأقصى وأسـاسـاتـه، أما الذهاب إليها كسـياح أو بغرض الصلاة فهذا قد يؤدي إلى زيادة عمليات الاسـتيطان والحفر...!!!
الحكومات العربيـة تسـتطيع دعم صمود أهل القدس بطُرق عديدة، ولكنها لا تريد، وإن أرادت فلا تسـتطيع، لأنها تخشـى الغضبين الأمريكي والإسـرائيلي معاً! فلماذا لا تُقيم هذه الدول مشـاريع اقتصاديـة في المدينـة المقدسـة!؟
ألم يكن (الفيتو) الأمريكي ـ الإسـرائيلي هو الذي منع إعادة إعمار قطاع غزة طوال السـنوات الثلاث الماضيـة؟
فإذا كانت (إسـرائيل) وأمريكا تمنع إعمار قطاع محاصر مجوّع، فهل سـتسـمح بدعم عروبـة القدس واقتصادها!؟
الرئيس عباس ورجالاته يُرددون دائماً مقولة "صلح الحديبية"، ويضربون به مثلاً للتطبيع، ومقارنة بيت المقدس بزيارة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ للمسجد الحرام وهو تحت سيطرة كفار قريش، وهي مقارنة في غير محلها على الإطلاق، فالرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ شيء والرئيس عباس والذين يُفتون له شيء آخر، مختلف تماماً، وهناك بونٌ شاسع بين الحالتين، لا يمكن أساسا المقارنة بين الحالتين لانعدامها كلياً.
فالرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان من أبناء مكة، وكفار قريش كانوا يُمثلون قبيلته التي جاء ليهديها، أما في القدس فهذه المدينة محتلة ومُهانة ومُذلة من قِبل غرباء لا يريدون خيراً للعرب والمسلمين.
فتوى الدكتور القرضاوي ليست مخالفة للسنة النبوية وكتاب الله عز وجل، مثلما قال السيد محمود الهباش وزير الأوقاف الفلسطيني، بل منسجمة معهما تماماً، لأنهما يُطالبان، أي السنة والقرآن الكريم، ببذل كل الجهود لتحرير الأرض واستعادة المقدسات.
عندما يمتلك الرئيـس عباس سـلطـة القرار بإدخال العرب والمسـلمين إلى المدينـة المقدسـة، فإن هؤلاء لن يحتاجوا إلى دعوتـه، وسـيهرعون إليها لأداء واجباتهم الدينيـة وشـدّ الرّحال إلى أولى القبلتين وثالث الحرمين، أما غير ذلك فلا...!!!
أخيراً نوجه سؤالاً للرئيس عباس وهو عما سيفعل لو استغل بعض العرب والمسلمين دعوته هذه وذهبوا إلى الأرض الفلسطينية المحتلة تحت عنوان زيارة القدس، ثم ذهبوا بعد ذلك إلى تل أبيب سواءً للعلاج أو السياحة والاستمتاع بملاهيها الليلية، وصرفوا مئات الملايين من الدولارات مثلما يفعلون في العواصم الغربية..!!؟؟
نتمنى على الرئيس عباس أن يُراجع فتواه هذه، وليس الدكتور القرضاوي مثلما يُطالبه ورجالاته، فالدكتور القرضاوي كان مصيباً، بينما أخطأ الرئيس عباس
واقرأ أيضاً:
بدون مؤاخذة ـ عفواً سيادة الرئيس