عش الأزمة، تتبعها النقمة، تسبقها السبة، ونحن رغم سيرنا لا زلنا نُراوح مكاننا، رغم تعاقب الليل والنهار والكر والفر، تبقى يا ابن أمتي مطلوباً على كل المحاور، مصلوباً في كل الدوائر فلا تُناور وغادر... منذ النكبة وحتى النكسة والجرح يكبر فينا يوماً بعد يوم، حتى ولد انتفاضة من الجراح والآلام ليصل بنا زحف الأيام إليك يا أكتوبر ويسقط من أبناء شعبي ثلاثة عشر شاباً يُعلنون الولاء لله وحب الأقصى والأوطان، وتنقلب الموازين فيُصبح الجلاد والسجان والقتلة "أصحاب حق" وقضية وكأن هؤلاء الفتية كانوا سراباً أو درباً من الخيال، والأهل والأحبة في شفاعمرو يُدانون وهم يُدافعون عن أنفسهم ضد المذبحة.
لن أبكيكم يا أبناء شعبي طويلاً فإن الجراح ملّت الدماء وعافت نبضات القلوب الصماء، وقبل أن أغوص غمار القضية أُعلن إني متمرد على كل الأنظمة الجاهلية وحكامها وسلاطينها والدساتير المخملية...
تُطالعنا كل يوم وسائل الإعلام العبرية، تسير في إثرها العربية عن أخبار وأخبار مجموعة من شباب بلادنا الحبيبة يتصلون "بالقاعدة" ويُخططون لتحطيم طائره رئيس الولايات المتحدة الأمريكية (بوش)... فصول مسرحية هزلية جديدة وعنوانها...
مدان وإن كنت برئ... إنها آخر صراعات المخابرات الإسرائيلية التي تعرف أحوالك أيها العربي... متى تأكل وكيف تأكل وماذا تأكل وإن كنت تنام متى تنام وكيف تنام... لكنها لم تدرِ كيف تكون الحرب في لبنان وكيف عدوهم خطط ودبر وهل بات في الأحياء من أسر وكيف تكون المرحلة القادمة... أسئلة كثيرة طرحت لكن أجهزة المخابرات الإسرائيلية لم تجد لها عنواناً أو حتى جواباً... فكنتم يا أبناء شعبي متنفساً لتغطية الفشل وتوجيه الأنظار إلى قوة الأجهزة الاستخبارية، لا بد من بديل لمن حُرِرَ، وكيف يجوز أن تبقى السجون خالية، ومكاتب المخابرات ليس عليها ملفات وعدد ما شئت ومن شئت من الوحدات السرية والعلنية المكتبية والميدانية...!!؟؟
أعود بكم إلى انتفاضة الأقصى وأحداث أكتوبر ـ كما يُسميها البعض ـ حينما قتلت أيد الغدر ـ بدعوة حفظ الأمن والنظام وحفاظاً من الجنود على كيانهم وأمانهم ـ كان القناصون يوجهون سلاحهم القتَّال إلى فلذات أكبادنا وصوت الرصاص يؤز في المسامع والآذان وصور الجنود والشرطة ورجال المخابرات ومعداتهم وعتادهم تملأ الأفاق، إذ ليس من حقك أيها العربي أن ترفع رأسك، ليس من حقك أن تشكر ربك، بل ينبغي عليك أن تُسبح ولي النقمة ومن يُطعمك اللقمة وتتسول استعطاف رجال المؤسسة الحاكمة والمخابرات أو تسلك في عداد الأحزاب الصهيونية وتُعلن لها الولاء حتى تُدرج في تصنيف العرب الجيد من الرديء.
تعاودنا الذكرى من أكتوبر وأيامه السوداء، يوم شيّعنا شهدائنا الأبرار ووسدناهم التراب ودفنا معهم الخوف والضعف وأبقينا قيد الحياة: الكبرياء والإباء... نسمع ونقرأ في وسائل الإعلام كل يوم عن قضية تُحاك بليل مظلم ضد صبي أو شيخ أو امرأة أو حتى صبية... بإخراجها المعهود كذبت الرواية من شعبنا وصدق الجنود والشرطة.. محكمة حاكم ومحكوم، أنت يا ابن وطني قبل محاكمتك معدوم لو كان في النظام إعدام ولكنك للأبد مسجون وتهون عندهم حياتك وآلامك وأهلك... وحتى الطفل المولود بغياب والده أو ذاك الذي ولد في السجن ولم يعلم أن بعد جدران السجن حياة كل دنياه سجن سجان... وعيون وظلمات السجون تلف الأمهات والفتيات والفتيان والشيوخ والأطفال وتأبى التنهيدات والحسرات أن تعلو حتى الجباه لأن الصبر سيد الموقف وحاكمه وليل الظالمين لا بد له من زوال... فكم لنا في السجون من ورود وزهور تأبى الخضوع والذبول..!!؟؟
والسؤال هل تبقى يا ابن وطني أمياً حتى لا تُتهم بالإرهاب..!؟ وهل سيسلم شخصك من السباب أو يدك من النار واللهب..!؟ لا يا ابن أمتي أنت مطلوب على كل المحاور: فإن كنت أمياً فأنت متهم بالبربرية، وإن كنت متعلماً مثقفاً فإنك تعاملت مع أيدٍ إرهابية، زودتك بالعلم والفهم حتى تُجيد القتال أو سلكت سبيل تقبيل النعال، فإن زمن خيانتك وبيع أرضك وشعبك إلى زوال مهما قلدوك من أوسمة ونياشين ولبست من الإشكال والألوان سيدوسونك إذ ينتهي الشوط كالصرصار... عندها لن تُنجدك حروب (دون كيشوت) ولا جهود أبي رغال، وإن كنت تعيش على هامش الحياة تُعلف كالأغنام ستبقى قطعة عربي قذر وهذا أقل السباب من أولاد الحرام... وإن كنت متنسكاً متهجداً تحب الأنبياء جميعهم (عليهم السلام) فإنك تُعلن البراءة وتخفي وفق تقاريرهم التقية... هذا حالنا في بلادنا وحصارنا في أوطاننا بألف حجة وقضية...
لا تُغادر بيتك ليلاً أو نهاراً، ربيعاً أم خريفاً، صيفاً أو شـتاءً، يا ابن القدس الأبيـة خوفاً من أن يأتي مسـتوطن يحتل بيتك إن غبت عنـه لهُنيهـة...! لا تُغادر فإن الظالم هو الحاكم.. لا تُغادر فإنها محكمـة سـتقضي في نهايـة المطاف أنك مُدان وآثم وعقوبتك أن تلتحف السـماء وتفترش الأرض وتسـكن العراء...
يا عرائـس البحر لا تُبحري فيـه ولو لاسـتراحـة قصيرة، لقد مضى زمن البرتقال واللوز والزيتون.... لا، لا تُبحري فإنهم سـيُصادرون البيوت والأرض وحتى الأنفاس، وسـيأتون بإلف وثيقـة ووثيقـة مزيفـة سـتكون في حكمهم "عين الحقيقـة"...
لا، لا تُبحري يا عرائـس البحر، فيافا تعرف كيف تصون شـرفها، وعكا سـتصمد رغم أمواج البحار، واللد تشـد من أزرها الرملـة، حيفا تطل بكبرياء واسـتعلاء، قفوا كما أنتم أعمدة، فإن السـقف إن سـقط فليـس لكم إلا الرحيل، وحقكم في البناء والتصليح والتعمير مصادر بكل الأحوال، وأنت أيها المرابطُ الأمين، القاعد على أعناق الجلادين، الضاغط على أوردة المغتصبين، إن أصلحتَ بيتك أو سـددت ثقباً أو اداريت من المطر فإنك مخالف على أفعالك، وسـتُعاقب على جرائمك في المحاكم المدنيـة والعسـكريـة، تُطبق عليك قوانين الطوارئ، ويُعلنوك خارجاً على القانون، تُدان في المجتمعات الدوليـة، وتُلاحق مصبوغاً بالتهم الإرهابية، والتهمة الأولى والأخيرة... أنك عربي بقيت ولم ترحل، صمدت على أرضك، زرعت بوطنك، ذُبحت ولم تُهاجر ولن تُغادر، رُوعت ولم تُبادل، قُتلت ولن ترحل، سُـجنت ولن تسـتسـلم، ضاقت عليك الدنيا بما رحُبت وما زلت تُصر على البقاء، وتصبر حتى ما لا نهايـة، وغايـة السـلامـة أن يعود كل ذي حق لحقـه، ومفتاح الدار لا يعرف الصدأ إليه سـبيل، والأمل سـيل جارف لا يعرف مسـتحيل، ووصيـة الأب عند الممات ميراث عظيم: أنت يا بني مقتول على كل المحاور، مطلوب في كل الدوائر، مصلوب على كل المعابر، فلا تُغادر لا تُغادر لا تُغادر...
واقرأ أيضاً:
هل تغتال (إسرائيل) الأسرى المحررين المبعدين؟؟/ ألا نخجل!!؟؟/ تحرير الأرض يبدأ بتحرير الإنسان/ الدم الفلسطيني المنسي