أجرى الإعلامي (نيل كافوتو) مقابلة تلفزيونية مع الحاخام اليهودي (يسرائيل ويس) بثّتها أهم محطة أمريكية "فوكس نيوز"، وهو من جماعة "اليهود المتحدون ضد الصهيونية".
الحاخام (ويس) أعلن صراحةً في المقابلة المذكورة أن التوراة تقول: "إن المفروض في اليهود ألا تكون عندهم دولـة، لأنهم منفيون بأمر الله"!
ونظراً إلى أهمية المقابلة، أطلقت عليها المحطة الأمريكية "المقابلة الأهم في العالم"، ذلك أنها أثارت ردود فعلٍ كبيرة بين الأمريكيين الذين، وفي جزء كبير منهم، يعتقدون بأهمية وجود (إسرائيل) لأسباب دينية، وهذا التيار أُطلق عليه "التيار الصهيومسيحي".
الحاخام (ويـس) قال أيضاً في مقابلتـه: "لقد أفسـدت (إسـرائيل) كل شـيء على الناس جمعياً؛ اليهود منهم وغير اليهود"، وأعلن أن وجهـة النظر هذه متفق عليها بين الكثيرين من اليهود عبر المئـة سـنـة الماضيـة، أي منذ أن قامت الحركـة الصهيونيـة بخلق مفهوم أو فكرة تحويل اليهوديـة من ديانـة روحيـة إلى شـيء مادي ذي هدف قومي للحصول على قطعـة أرض، وجميع المراجع الدينيـة اليهوديـة تقول: "إن هذا الأمر مع ما تدعو إليـه الديانـة اليهوديـة، هو أمر محّرم قطعاً من الله"!
بالطبع الحاخام (ويس) ليس أول من يقول ويُفتي بهذا الأمر، فجماعة (ناتوري كارتا) اليهودية والمنتشرة في بلدان كثيرة من العالم بما في ذلك (إسرائيل)، تقف ضد إنشاء دولة يهودية لأسباب دينية أهمها: أن تجمعهم في هذه الدولـة سـيُسـّهل من القضاء عليهم مسـتقبلاً. أيضاً هناك حالياً الكثير من التجمعات اليهودية في دول العالم تتشارك مع (ناتوري كارتا) في هذا الفهم. وللعلم أنه في أواخر القرن التاسع عشر، وكما يُثبت المفكر الفرنسي (غارودي) في كتابه القيّم: "الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية"، فإن تجمعات يهودية في دول كثيرة أعلنت معارضتها إنشاء هذه الدولة لليهود، ومن أبرزها: التجمعات اليهودية في ألمانيا، ولهذا لم يعقد هرتزل المؤتمر الصهيوني الأول في ميونيخ كمان كان يرغب، ويهود الولايات المتحدة من خلال مؤتمر مونتريال في العام 1897 حيث أصدروا بياناً جاء فيه: "إننا نشـجب تماماً أي مبادرة تهدف إلى إنشـاء دولـة يهوديـة، وإن أي محاولات من هذا القبيل تكشـف عن مفهوم خاطئ لرسـالـة (إسـرائيل) التي كان الأنبياء اليهود هم أول من نادى بها، ونؤكد أن هدف اليهوديـة ليـس سـياسـياً ولا قومياً، ولكنـه روحي، فهو يُشـير إلى عصر مسـيحي، حيث يعترف كل الناس بأنهم ينتمون إلى طائفـة واحدة كبرى لإنشـاء مملكـة الرب على الأرض"!
لم تقتصر مناهضة الكثيرين من اليهود للصهيونية على الجماعات الدينية اليهودية التي كانت في نهايات القرن الماضي، والقرن العشرين، لكن هناك أعداداً هائلة حالياً من اليهود وبخاصة في كندا والولايات المتحدة ودول أخرى كثيرة، تقف ضد الصهيونية و(إسرائيل)، هذا ما يُثبته المؤرخ اليهودي (ياكوف رابكن) في كتابه الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية بعنوان "المناهضة اليهودية للصهيونية".
تتمثل قيمـة مقابلـة الحاخام (ويـس) أيضاً في أنها "شـهادة شـاهد من أهلـه" في الرد على الأضاليل الصهيونيـة في أن "فلسـطين هي الوطن الموعود لليهود" وفي "الحقوق التاريخيـة لليهود في هذه الأرض العربيـة" وغيرها من الأسـاطير المزّيفـة التي تحاول إلصاق فلسـطين بالتاريخ اليهودي ظلماً وعدواناً وافتراءً. وكدليل على عدم ارتباط التاريخ اليهودي في فلسـطين نذكر: أن فلسـطين لم تكن الخيار الوحيد في بدايـة توجـه الحركـة الصهيونيـة لإنشـاء وطن لليهود؛ ففي داخل صفوف هذه الحركـة جرى طرح إنشـاء وطن قومي لليهود في الأرجنتين أو كندا أو في موزمبيق أو الكونغو أو أوغندا أو جنوب أفريقيا وغيرها، ما يعني أن مجرد طرح مثل هذه البدائل يعني في ما يعنيـه زيف مقولـة ذلك "الارتباط الروحي لليهود بفلسـطين"، وبالتالي فإن الأطروحات الروحيـة جاءت وجرى تفصيلها بعد تثبيت فلسـطين خياراً اسـتراتيجياً للحركـة الصهيونيـة.
ديماغوجية وزيف أساطير الحركة الصهيونية تتمثل أيضاً في أن هذه الخيارات الجغرافية الأخرى ـ غير فلسطين ـ، ارتبطت بالمشاريع الاستثمارية للحركة الصهيونية، فعندما تم وضع الأرجنتين كأحد الخيارات البديلة، كان ذلك لأن الحركة الصهيونية آنذاك كانت تملك استثمارات عديدة في تلك الدولة. أما خيارات إقامـة الدولـة في فلسـطين فجاء نتيجـة صفقـة بين الحركـة الصهيونيـة والدول الاسـتعماريـة؛ حيث بحثت الأخيرة في مؤتمر كامبل ـ بنزمان في العام 1908 عن حليف لها، يمكن زرعـه في فلسـطين لمنع وحدة شـطري الوطن العربي في آسـيا وأفريقيا، ولم تجد حليفاً أفضل، أكثر من الحركـة الصهيونيـة...!!!
مقابلة الحاخام (ويس) تستحق أن يجري تعميمها في الوطن العربي، كذلك لا بد من التركيز الإعلامي على الجماعات اليهودية التي تقف ضد العدو الأخطر للعرب وللمسلمين وللإنسانية جمعاء وهي الحركة الصهيونية. وللأسف ما زلنا نجهل الكثير عن طبيعة وواقع هذه الجماعات التي تُحاربها الحركة الصهيونية أيما محاربة.
واقرأ أيضاً:
الماء أخطر من (الكاتيوشا)/ ألا نخجل!!؟؟