رحل ياسر عرفات مقتولا، والرجل كان يشعر أنه سيواجه تلك النهاية، إذ كان يقول دوماً إنه سيرحل... «شهيداً شهيداً شهيداً».
فتح ملف عرفات هذه الأيام، سيأخذنا إلى ما هو أهم، أي الجهة التي نفذت التسميم، وليس الجهة التي أمرت بتنفيذه أي «إسرائيل»، وهي الطرف الذي أمر بقتله، ولا فتحَ مبيناً بهذا الاتهام.
كل هذا يأخذك إلى الاستخلاصات الأخطر، حول الذين تولوا العملية والتسميم بمواد مشعة من الممكن تنفيذه بواسطة الأدوية أو الملابس، أو كاميرا ديجتال فوتغرافية أو تلفزيونية لصحفي مزودة بجهاز حقن إشعاعي عن بعد وبوسائل كثيرة متعددة.
هذه روايات قالها بعض الذين كانوا حول عرفات، والهدف من ذلك توسيع دائرة الاتهام، حتى لا يتم حصر المسؤولية بطرف محدد، والأغلب أن عملية التسميم تمت عبر الغذاء أو الدواء حصرياً، وهذا يقودنا إلى الأسئلة الأهم.
من هم الذين كانوا يتولون شراء الغذاء والدواء لعرفات؟ ومن أي الجهات والمصادر كانوا يقومون بشرائها، ووفقاً لأي معايير؟ وهل كان هؤلاء يعرفون ماذا يحملون لعرفات، أم أنه تم استخدامهم دون معرفتهم؟!.
نريد قائمة بأسماء هؤلاء على مستوى الأشخاص والمؤسسات والعواصم، وخريطة تحركهم، واتصالاتهم مع تقدير زمني يحصر المدة التي يحتاجها سم «البلونيوم»حتى يأخذ مفعوله، وعلى ضوء التقدير يمكن حصر الفترة الأخيرة لعرفات وربطها بهذه الأسماء؟!.
هل يمكن ببساطة اتهام من كانوا حول عرفات، أم اتهام الجهات المزودة بدس السم؟ ومن هي تلك الجهات المزودة؟ وبأي جهات ترتبط إسرائيلياً أو عبر أجهزة وسيطة ساعدت إسرائيل على إتمام المهمة؟!.
فتح ملف عرفات في هذا التوقيت، يراد منه أخذ النتائج النهائية باتجاه محدد مرسوم مسبقاً، وهو ليس إسرائيل، لأن إسرائيل متهمة سلفاً، لكنه سيأخذنا الى «القاتل الآخر» أي الجهة الشريكة أو المنفذة، وهذه هي الجهة المطلوب رأسها، بمعرفة إسرائيل على الأغلب.
معنى الكلام أن تفجير ملف عرفات الآن، لن ُيبنى ضد مجهول، وستثبت الأيام أن تفجير الملف يراد منه جهات أخرى وأطراف أخرى سيتم الزج بها، والمستهدف النهائي هو تلك الأطراف تحديداً، على خلفية مقتل عرفات.
ما بذلته «الجزيرة» من جهد يعد عظيما، غير أن التوظيف السياسي بدأ فوراً، لأن أمامنا طرفين، الطرف الذي أمر بالقتل وهو إسرائيل وهي معتادة على هكذا قصص، حيث ارتكبت آلاف الأفعال الشبيهة جماعية وفردية.
الطرف الثاني المرعوب حالياً، هو الطرف الذي قام بالتنفيذ، والمؤكد أن القصة لن تنتهي عند حدود اتهام طبّاخ عرفات، أو من كان يعد الشاي له، بل ستكشف عما هو أكبر، بهدف معين سيخدم إسرائيل نهاية، عبر تسخير الاتهام لتفجير فلسطيني داخلي.
إسرائيل بدون شريك، لا تستطيع إكمال العملية، والذي استخدم الشريك، في العملية، هو ذاته من يريد تدمير الشريك، لحساباته المعقدة، التي سنطالعها ونعرفها عما قريب وسط معمعة السؤال عن سر مقتل عرفات.
سؤال بريء: هل كانت إسرائيل المتنفذة غافلة عن التحقيقات في مختبرات سويسرا، ولماذا لم توقف التحقيقات لو لم ترد لها أن تتواصل حتى النهاية؟ والسؤال يقودك إلى ذات الإجابة حول توظيفات ملف عرفات في حياته وموته أيضا من جانب إسرائيل.
هل فوجئت إسرائيل بفتح الملف والنتائج؟ وهل كل شبكاتها التجسسية كانت عاجزة عن معرفة الاتصالات ونقل ملابسه وأغراضه للفحوصات، والاتصالات بالأطباء في سويسرا، إلى آخر هذه التحركات، ولماذا لم تؤثر عليها لو لم تقرر سلفا مآلات نهايتها!؟
فتح ملف عرفات له هدف كبير جداً، يتجاوز كشف الحقائق، نحو ما هو أخطر، وبما يخدم إسرائيل قبل غيرها، فقد اعتدنا على العواطف، لكنهم اعتادوا على توظيف الحياة والموت معاً.
اتهام إسرائيل بالقتل لا يضرها، لكن القصة تريد كشف القاتل الآخر، خدمة لحسابات إسرائيل ايضاً، التي لم تكن نائمة طوال فترة التحقيقات الطبية، ولم تباغت بها وبنتائجها، كعادتنا نحن العرب المفجوعين دوماً بالمفاجآت.
واقرأ أيضاً:
حكايات من غزة/ الطريق إلى غزة / حروب غزة التي بدأت/ نعم غزة: من الحاجة إلى سماح! / هنا غزة / هنا غزة... من يحتاج من؟ / هنا القدس...! / ذكرى النكبة: النكبة نكبات تتجدد يوميا / إسرائيل تبرئ نفسها