أعاد المرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكية ما سبق أن قاله الرئيس الحالي (اوباما) يوم أن زار دولة الكيان الاحتلالي الصهيوني قبل الانتخابات الأمريكية السابقة، بإعلانه أن "القدس عاصمة (إسرائيل) الأبدية"، وبالطيع أضاف (رومني) لها نكهة من التطرف بانتقاده عدم القيام بأي فعل رسمي أمريكي لتحقيق تلك "الغاية المقدسة" لبني صهيون جمعيهم إلى جانب اعتباره أن سبب "الفجوة الاقتصادية بين الفلسطينيين والإسرائيليين تعود لأسباب ثقافية"...!!!
تصريحات عنصرية بامتياز تُعيد ذات الكلام عما كان يُقال ضد "السود في أمريكا.." تصريحات (رومني) تكرارٌ دائمٌ لشكل المزايدة المعيبة ـ العنصرية لمترشحي الرئاسة الأمريكية، ودوماً تكون دولة الاحتلال الهدف الأول لزياراتهم الخارجية، ولا يمكن أن تمر دون تأكيد "ثوابت الموقف الأمريكي" لتلك الدولة الاحتلالية ـ العنصرية والفاشية ـ ومنها "قضية القدس" و"أمن (إسرائيل)"، وطبيعة "دولة (إسرائيل) اليهودية"، والحفاظ على "التفوق العسكري" لها على كل دول العرب مجتمعة، حتى لو لم تكن لها رغبة أو قدرة أو هدفاً بخوض حرب ضد (إسرائيل).. إلى جانب ميزات استراتيجية لا تحصل عليها أي دولة غير (إسرائيل)...
ولكن الجديد في تصريح (رومني) ليس مضمونه العنصري المتغطرس، فذلك قد يكون نسخة معدلة لتصريح الرئيس (اوباما)، لكن المهم فيه هو "زمن وتوقيت" التصريح، حيث جاء وسط حِراك عربي كان له أن يكون داعماً مباشراً للقضية الفلسطينية، وقوة لها في مواجهة المشروع التصفوي الذي تُعده أمريكا ـ (إسرائيل)، ولكن "الصدمـة الكبرى" أن العرب جميعهم، دولاً وجامعـة عربيـة، لم تتلفظ بكلمـة واحدة تجاه تلك التصريحات التي تمـس مكانـة القدس السـياسـيـة ومسـتقبلها، وعنصريـة لن تقف على أهل فلسـطين بما لهم من كفاءة، لم نسـمع تصريحاً لرئيـس أو ملك أو أمير أو شـيخ أو كاتب أو محلل محسـوب على "تيار النفط السـياسـي"، صدمـة تفوق في كارثيتها ذاك التصريح العنصري لمرشـح لا ننتظر منـه ما يمكن أن يكون "عادلاً" للقضيـة الوطنيـة، بل نتوقع مزيداً من التآمر على القضيـة الفلسـطينيـة بما يزيد عمن سـبقـه، فتلك هي سـمـة غالبيـة رؤسـاء أمريكا الجمهوريين..
أما أن يتجاهل كل العرب تلك التصريحات، ولم يكلفوا خاطرهم أن يقولوا كلمة "عتاب" أو "أسـف" أو ما يُشـابـه تلك العبارات التي تحكم علاقتهم بـ "السـيد الأكبر" لهم، فتلك "مأسـاة سـياسـيـة"، تسـتحق أن يُفكر بها الشـعب الفلسـطيني وقيادتـه السـياسـيـة... فمن يصمت على تهويد القدس وما يجري يومياً من "تدنيـسٍ لمقدسـاتها" لن يرى فيما قالـه العنصري (رومني) ما يمكن أن يُثير بـه حالـة غضب أو وخزة من ألم على "قدس الأقداس" التي لم تعد بالنسـبـة لهم سـوى اسـم لمدينـة يمرون عليها كما يمرون على أي مدينـة لها اسـم... صمتٌ رسـمي عربي وتواطئ إعلامي لا يمكن وصفـه سـوى أنـه مقدمة لتمرير المشـروع الأمريكي لتصفيـة القضيـة الفلسـطينيـة... كيف يمكن رؤية هذا الصمت المريب تجاه ما يحدث للقدس دون أن نرى أي ردة فعل يُمكن أن يُعتد بها أو يُحسـب حسـابها..!؟ ولكن المشـهد العربي يعيـش حالـة من تزوير الوعي العام، حالـة ترى في سـوريا اليوم هي المعركـة الكبرى لعرب أمريكا الذين تعززت قواهم ورصيدهم بكل أسـف بعد نتائج الحِراك العربي؛ فكل من وصل للحكم في دول الحراك كانت واشـنطن عنوانه الأول.. وإن أراد البعض منهم أن يتحدث عن فلسـطين فإنـه يُقزمها في "حصار غزة"، ليـس بسـبب من يفرض سـيطرتـه عليها بقوة العسـكر، والارتباط الفكري ـ السـياسـي بمن يحكم في تلك الدول، بل هو هدف سـياسـي لتقزيم القضيـة الفلسـطينيـة من قضيـة وطنيـة إلى "قضيـة إنسـانيـة"، متجاهلين كلياً ما تتعرض له القدس...!!!
الموقف العربي الرسـمي دولاً ومؤسـسـات وعلى رأسـها الجامعـة العربيـة، بات "شـريكاً موضوعياً" في تمرير مؤامرة تهويد القدس، ما دام يتجاهل كلياً تلك التصريحات العنصريـة لمرشـح قد يُصبح رئيسـاً للولايات المتحدة، بكل أثرها الدولي والإقليمي على القضيـة الفلسـطينيـة.. لا نطلب من أنظمـة التبعيـة القديمـة والجديدة أن تتحدى أمريكا وتتخذ إجراءات سـياسـيـة ردعيـة على موقفها من القضيـة الفلسـطينيـة، ولكن لا يمكن الصمت على تلك الأقوال العنصريـة ـ السـياسـيـة حتى لو بكلمـة ملتبسـة المعنى...
لسنا مطالبين تلك الأنظمة أن تساوي بين فلسطين وسوريا فيما تعد عدتها السياسية والعسكرية والمالية، التي تُعيد الذاكرة لما كان يوماً في أفغانستان، مشهد يتكرر في سوريا، فما كان مأساة يومها بتقديم ما يزيد على 18 مليار دولار وآلاف المسلحين منذ عشرات السنين، بات مسخرة اليوم، خاصة وأن تلك الأنظمة لم تشحذ هممها يوماً واحداً لنصرة فلسطين كما فعلت وتفعل في سوريا وقبلها ليبيا.. ولكن "الحمية والنخوة" العربية الرسمية لسوريا وقبلها ليبيا ليست سوى تنفيذ لأمر "السيد الأكبر".. سقوط سياسي ـ أخلاقي لدول وأنظمة ومؤسسات، وبعدها يعتقد البعض منا أن النصرة ستأتيهم من تلك الكيانيات شبه الدول...!
واقرأ أيضًا:
شيزلونج مجانين نوم في غير وقته / هالة الفيصل .. طاب الموت يا عرب / هذه هي إسرائيل الطيبة يا مستر بوش... / أمة تمشي على أربع! / حينما نعجز عن"تصديق" النصر / الأزرق والأحمر وصبغات أخرى..