أرسل د. محمد أحمد الفضل الخاني (طبيب استشاري بالطب النفسي، 74 سنة، المملكة العربية السعوية، مسلم) يقول:
تعليق على فتوى طلاق الموسوس
ذكرت بعض المواقع الإسلامية الإلكترونية على الإنترنت نقلاً عن فقهاء مسلمين أن تلفظ مريض الوسواس بالطلاق لا يقع طلاقه، لأنه تلفظ به رغماً عنه، والذي أراه أن حقيقة الأمر غير ذلك وهذا ما دعاني لأن أشرح تعريف مرض الوسواس وخصائصه ومناقشة الموضوع طبياً ومناقشة آراء الفقهاء بآراء فقهاء آخرين والله أعلم.
مرض الوسواس هو مرض عام لا يصيب المسلم وحده، بل يصيب جميع البشر، إنما يأتي للمسلم خاصة بأمور تتعلق بالتدين، كالوضوء والصلاة والطلاق أو بالله سبحانه وتعالى، لأن خلفية المسلم الفكرية والعقائدية هي إسلامية، ولو كانت الخلفية الفكرية والعقائدية للمصاب بالوسواس خلفية علمية أو تاريخية أو فلسفية أو.....الخ لأخذ الوسواس موضوعاً يتعلق بهذه الخلفية الفكرية الخاصة.
وللأعراض الوسواسية خصائص هي:
- أنها خبرات غير مقبولة من الشخص وغير مرغوب بها، ومزعجة ومؤلمة له، ويرى أنها غريبة أو غير منطقية أو يراها تافهة أو سخيفة لا داعي لها
- أن هذه الأفكار أو الدوافع أو التصرفات أو المخاوف تستحوذ على الشخص ويجد نفسه في كل مرة أنه مدفوع بدافع ذاتي قوي للعودة إليها وتكرارها رغم إدراكه أن هذا التكرار لا معنى له، ولا داعي له، وهو يقاوم دافع التكرار باستمرار.
- إن استطاع الشخص التغلب على تسلط هذه الوساوس عليه ويبعدها عنه فإنه سرعان ما يشعر ثانية بتوتر داخلي شديد يزداد تدريجياً حتى يصل إلى أن يستسلم له ويكررها ليرتاح ولكنه بذلك يشعر بالفشل وآلام نفسية
- رغم عجز الشخص عن التحكم والسيطرة على وساوسه إلا أنه يدرك تماماً أنها صادرة من ذاته وليست مفروضة عليه من أي جهة أخرى، فالتفكير والدوافع والخوف والتصرفات الوسواسية ليست السلوك العادي للشخص وإن كانت نابعة من ذاته وبإرادته بل هو مجبر عليها من داخله ولا يستطيع التوقف عن تكرارها رغم مقاومته الواعية لها*.
ولشدة الأعراض الوسواسية درجات: الدرجة الخفيفة والمعتدلة والشديدة . الوسوسة الخفيفة يستطيع المريض بها أن يمسك نفسه ولا ينطق بالطلاق حتى وإن كان متضايقاً، ويقال مثل ذلك عن الوسوسة المعتدلة، أما الوسوسة الشديدة فإنني بصفتي طبيباً نفسانياً أقول: أن لهذه الحالة مهما اشتدت علاجاً دوائياً و/ أو سلوكياً، فعوضاً أن نقول للمصاب "لا يقع الطلاق أو يقع الطلاق" نقول له راجع طبيباً نفسانياً خبيراً ويعطيك الدواء المناسب، وإن استعملته بانتظام فستتغلب على هذا الدافع الداخلي القوي المزعج الذي يدعوك إلى الطلاق وغيره، ولدينا الآن أدوية تعالج الوسواس وهي فعالة نسبياً لا ضرر منها ولا إدمان ولا اعتياد عليها، وإن ظهر للدواء مضاعفات فإنه يمكن التغلب عليها ونفس الشيء يقال لمن لديه وسواس فكري ديني أي لديه أفكار سلبية بشعة نحو الله سبحانه وتعالى ونحو الرسول صلى الله عليه وسلم: أنه في الوقت الحاضر ومع تقدم الطب النفساني أقول لهؤلاء المصابين بالوسواس الفكري الديني إياكم والتلفظ بلفظة الكفر أو غيرها، كما أقول للمصاب بوسواس الوضوء أو الصلاة ألا يترك العبادة بحجة أنه موسوس وأنه لا فائدة من عبادته، فكل هذا له علاج حديث دوائي وسلوكي يخففه أو يزيله**.
إخوتي وأخواتي لو فتحنا الباب على مصراعيه للمصاب بالوسواس بعدم وقوع طلاقه إذا تلفظ به ستعود للمصاب دوافع التلفظ بعد فترة قصيرة لا تتجاوز عدة دقائق وهنا وقعنا في فوضى الإفتاء وأن التلفظ بالطلاق لن يحل المشكلة.
إنني أدعو فقهاءنا الأفاضل أن يبحثوا الموضوع مع الأطباء قبل إصدار تعميم عن مرض الوسواس يفيد بعدم وقوع الطلاق عند تلفظ المصاب بالوسواس أو أنه يقع، وأدعوهم للسؤال عن الجديد في الطب النفساني فيما يتعلق بمرض الوسواس ولا أتعدى على السادة الفقهاء إن قلت أن التلفظ بالطلاق عند المريض الموسوس في وقتنا الحاضر مع تقدم الطب يوقع الطلاق - والله أعلم .
وما نقله العالم الفقيه ابن عابدين رحمه الله عن الليث وما نُقِل عن ابن القيم رحمه الله في طلاق الموسوس كان القصد منه حصراً: طلاق الشخص المُكرَه المغلوب على عقله أو زائل العقل كما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم ((لا طلاق ولا إعتاق في إغلاق)) فالإغلاق هنا هو الإكراه الذي يغلب الإرادة قسراً، ولا ينطبق هذا في الوقت الحاضر على الوسواس حتى لو كان شديداً***.
وقد اختلف الفقهاء في حكم طلاق المُكرَه والسكران والغضبان (الذي فقد السيطرة على نفسه) فأوقع بعضهم طلاق هؤلاء وبعضهم الآخر لم يوقعه (الموسوعة الفقهية).
فالموسوسون المصابون بوسواس خفيف الشدة أو معتدل الشدة وحتى كثير من المصابين بالوسواس الشديد لا يشملهم وصف ((المغلق أو المكره المغلوب على أمره)) الوارد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا طلاق ولا إعتاق في إغلاق" وأورد هنا تعريف الإكراه في الطلاق من الموسوعة الفقهية الكويتية: "الإكراه في موضوع الطلاق معناه: حمل الزّوج على الطّلاق بأداة مرهبة".
وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى وقوع طلاق المكره إلا إذا كان الإكراه شديداً، كالقتل، والقطع، والضّرب المبرّح، وما إلى ذلك، وذلك لحديث النّبيّ صلى الله عليه وسلم: {لا طلاق ولا إعتاق في إغلاق}، ولحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنّ اللّه وضع عن أمّتي الخطأ والنّسيان وما استكرهوا عليه)، أي أنه انعدام الإرادة والقصد، فكان الشخص كالمجنون والنّائم، وأما إن كان الإكراه ضعيفاً، أو ثبت عدم تأثّر المُكرَه به تأثراً شديداً، فإن تلفظه بالطلاق يوقع طلاقه لوجود الاختيار.
وذهب الحنفيّة إلى وقوع طلاق المكره مطلقاً، لأنّه مختار له بدفع غيره عنه به، فوقع الطّلاق لوجود الاختيار.
وهذا كلّه في الإكراه بغير حقّ، فلو أكره شخص على الطّلاق بحقٍّ، كالمُولِي إذا انقضت مدّة الإيلاء بدون فيء فأجبره القاضي على الطّلاق فطلّق، فإنّه يقع بالإجماع.
وأرجو من السادة الفقهاء أيضاً الرجوع إلى كتب الطب النفساني باللغة العربية، ومنها كتاب ((المرشد إلى الطب النفساني الجزء الأول)) أو الاتصال بالأطباء للتشاور معهم
الدكتور محمد أحمد الفضل الخاني
17/10/2012
أستاذنا وشيخنا الفاضل الدكتور محمد أحمد الفضل الخاني نورت مجانين متفضلا بالزيارة كريما بالمشاركة فأهلا حللت وسهلا أنرت...... تضيف مشاركتك هذه كثيرا لباب نطاق الوسواس القهري على مجانين فموضوع وسواس الطلاق هذا لم يأت ذكرٌ مفصل له بعد اللهم إلا جزئيا في مقالة المهدي عن المسئولية الدينية لمريض الوسواس القهري كما أشرت إليه في بعض إجاباتي على أصحاب المشكلات وأشارت إليه فقيهتنا رفيف السورية في عدة مواضع من كتاباتها على مجانين..... لكننا بفضل مشاركتك هذه إن شاء الله سنوفق إلى فصل الكلام في وسواس الطلاق أو طلاق الموسوس****.
نتفق تماما مع ما أشرت إليه من شرح مبسط لمرض الوسواس القهري، ونذكر أن البساطة والوضوح سمتان يتميز بهما المرجع العربي الذي أشرت إليه ((المرشد إلى الطب النفساني)) وأهمية ونجاعة العلاجات المتوفرة حاليا في علاج نسبة كبيرة من مرضى الوسواس القهري لكن النجاعة خاصة عند العلاج بالعقاقير فقط ليست كبيرة في أصحاب الوساوس الدينية، خاصة المتعلقة وساوسهم بالأحكام الفقهية ومنها مسألة الطلاق كما سنبين، والعكس صحيح تماما عند استخدام العلاج المعرفي المستند إلى الفقه الإسلامي فتصبح نسبة التحسن كبيرة.
ونتفق معك كذلك أن الوسواس مرض عام يصيب أيا من بني البشر بغض النظر عن ديانته لكن أعراضه تكون دينية في المتدينين سواء كانوا مسلمين أو مسيحين أو يهود وقد رأينا من المسيحين المتدينين من تكرر صلاة الشكر سبع مرات أو أكثر ومن يكرر الاعتراف ومن يعاني من سب المولى عز وجل أو سب المسيح عليه السلام أو السيدة مريم العذراء.
كذلك نتفق معك على أن من الممكن للموسوس أن يطلق إذا أراد الطلاق وصدر منه اختيارا (أي في غير حال الوسوسة بالطلاق)! والواقع أن حال الموسوس بالطلاق في مجتمعاتنا يا سيدي مختلف تماما..... فهناك خصوصية للطلاق في ثقافتنا حيث لكلمة طالق قوة غير عادية وهذا بالنسبة للموسوس فخ كبير كما سأبين لاحقا لكنني بداية سأعرض بعض النماذج مما خطته أنامل الموسوسين بالطلاق على لوحات مفاتيحهم وأرسلوها طالبين خدمة الاستشارة النفسية بموقعنا مجانين:
ولنبدأ يا أستاذنا الفاضل بما يقوله عبد الحفيظ صاحب مشكلة من وسواس لوسواس: حتى الطلاق:
((ثم بعد ذلك تسرب هذا المرض إلى مجالات أخرى فتسرب إلى علاقتي مع زوجتي فقد أصبحت أخاف من بعض الكلمات أن أتفوه بها................... فتولدت لدي عقدة بل عقدتان خطيرتان ألا وهما الردة والطلاق فقد أصبحت شديد الخوف منهما إلى درجة أني لم أستطع التلفظ بالكلمة الثانية ألا وهي الط...، لا أستطيع يا أستاذي العزيز أن أكملها لا أستطيع فقد كتبتها آنفا بعد تردد شديد ففي كل حوار مع زوجتي الحالية والتي تزوجت بها سنة 1996 ولي معها الآن 3 أطفال ولدان وبنت أصلحهم الله جميعا قلت في كل حوار أو نقاش ولو كان نقاشا عاديا ينتابني شعور خطير ووسوسة شديدة يتعلقان بتلكما العقدتين اللتين قلت لك.
يا أستاذي الفاضل لقد مررت يا أخي الكريم بظروف جد عصيبة لا يعلمها إلا الله عز وجل لقد أصبح هذا الوسواس الخطير يطاردني في كل حركاتي وسكناتي في كلامي مع الناس مع زوجتي مع أبنائي مع الزبناء فأنا سائق سيارة أجرة تصور معي يا أستاذي العزيز حتى بعض الحركات البسيطة أصبح ينتابني فيها هذا الوسواس الخطير لقد أصبحت شديد الانتباه مع تلك الكلمة الخطيرة والتي أخاف منها كثيرا ألا وهي الطلا...، لا أستطيع كتابتها فقد أصبح لا يفارقني طول الوقت حتى كتابة هذه السطور كل كلمة أتفوه بها أشعر وأحس كأني أقصد بها...... خصوصا حين أكون أتكلم مع زوجتي)).
وما يقوله صاحب مشكلة وسواس الطلاق: أيضًا قهري:
((لم أكن يوما سعيدا وأصبحت منزعجا من فكرة أن بكلمة واحدة ممكن أن أنهي هذا الارتباط وكنت أسأل الناس ماذا لو فقط قلتها ماذا لو قلتها دون تفكير هكذا؟ وكانوا يقولون لي أتعني في حالة إن كنت تقصد أن تقول شيئا وقلت كلمة الطلاق بالخطأ.
إنهم لم يفهموني إنه الوسواس هو من يقولها وهذا يرعبني كثيرا، لا أعلم لماذا أريد أن أقول هذه الكلمة فأنا قلق جدا من أن أهدم علاقتي بزوجتي والذي على أساسه سوف يقضى علي أنا الآخر.
أصبحت الوساوس أكثر سوءا عندما علمت أنه إذا قلت كلمة الطلاق ثلاث مرات وكنت تعني بها الطلاق مرة واحدة، إذن فهي واحدة أما إن كنت تقصد بهم الطلاق ثلاث مرات إذن فهم الثلاث طلقات وهذا ما دفعني لجنون وأصبحت مرعوبا من أن يأتي يوم ويتغلب علي الوسواس ودون تفكير تفلت مني كلمة الطلاق ثلاث مرات وهكذا ينتهي كل شيء.
لقد تحدثت مع عدد من الناس وعلى ما يبدو لم يفهموا مشكلتي..... وفي يوم من الأيام بينما كنت في السيارة بمفردي قررت أن أتخيل سيناريو الطلاق وبدلا من أن أقول كلمة "طالق" أقول كلمة "اذهبي" ثلاث مرات فأنا لا أريد الطلاق لأرى ما إذا كنت أقصد بها طلقة واحدة أم الثلاث طلقات حيث تخيلت أني في موقف طلاق مع زوجتي حتى أهيئ عقلي ومشاعري ثم أقول تلك الكلمات في نفسي أملا في أن يعني بها الوسواس مرة واحدة فقط على الرغم من قول الكلمة ثلاث مرات.
وبعد 20 دقيقة أصبحت قلقا من أن أكون قد أوقعت الطلاق فعلا فأنا أعلم أن الطلاق يقع حتى وإن كان مزاحا أو تنكيتا وإن استخدمت استعارة للفظ فهذا يرجع لقصدك فارتعبت من أن أكون أوقعت الطلاق بتخيلي لسيناريو الطلاق وقول كلمة اذهبي في نفسي ثلاث مرات، والله لم أرد الطلاق كنت فقط أرى إذا كان الوسواس سيخرج لفظ الطلاق ثلاث مرات أم مرة واحدة)).
وكذلك صاحب مشكلة أستاذ وسواس: وسواس قهري نماذجي:
((ومنذ سنتين عقدت قراني على فتاة وبعد عقدي للقران بيوم سافرت إلى مكان عملي فطلبت مني الطلاق فحاولت ألا أتسرع ليس لأجلي بل لأجلها ولكن عندما أختلي بنفسي أتخيلها وهي تطلب مني الطلاق وفي إحدى المرات قلت (طيب خلاص بصوت مسموع) فقلت ربما تكون طلقت وذهبت أسأل العلماء وبعد ذلك أصبحت أتلفظ بألفاظ الطلاق داخل نفسي وأعرف أن هناك رأيا مرجوحا عند المالكية يقول بوقوع الطلاق بالكلام النفسي ومرات أربط الطلاق داخل نفسي بأمور غير معقولة مثل خلع الخاتم وهكذا...........إلى أن وقع المحذور.
ومنذ أربع شهور تقريبا تزوجت لمدة شهر ورجعت إلى مكان عملي وبعد عشرين يوم تقريبا طلبت من أهلي أن يرسلوا لي زوجتي فماطلوا ومن قبلها كانت تأتيني وساوس عن الطلاق وكنت أبعد هذه الوساوس عن نفسي ومع مماطلة أهلي في إرسال زوجتي جاءني في أحد الأيام نوع من الوسوسة الشديدة بضرورة الطلاق ولكني لم أستجب لدرجة أن وضعت قطعة من القماش في فمي والحمد لله لم أنطق بشيء، ولكن بعد ذلك بيوم دخلت في نوع من الحوار يبدأ نفسيا ولا أدري هل ينتهي نفسيا أم تخرج بعض ألفاظ الطلاق في نهايته وتكرر هذا الأمر وسألت المفتي دون أن أبين له ما عندي من شك هل خرج اللفظ أم لا فأفتاني بوقوع ثلاث طلقات فرجعت إلى دار الإفتاء وأخبرتهم بالحال فتحفظ البعض وأفتاني البعض بعدم وقوع الطلاق مع الشك وبدأت رحلة من الأسئلة استمرت لمدة ثلاثة أشهر منها في الشبكة الإسلامية... والآن جاءت زوجتي وبعد أربع أيام قلت ربما كانت الفتوى الأولى هي الصحيحة وربما تلفظت فامتنعت عن زوجتي وأنا إلى الآن في عذاب مستمر))
وأيضًا ما يقوله صاحب مشكلة وسواس الطلاق والتحاشي والاكتئاب:
((بعد كتب الكتاب بحوالي 12 يوم ظهرت الوساوس في صورة أخرى (الوسوسة في الطلاق) فأصبح الآن هناك نوعان من الوسوسة فتحول شكل الوسواس إلى أن كل حركة أو كلمة أو أي شيء يوسوس الوسواس ذلك على أنه (....)، ذهبت إلى طبيب نفسي جديد فوصف لي مجموعة أدوية (.......) وبعد 21 يوم تحسنت كثيرا من الوساوس الدينية ولكن بقي الوسواس الآخر وهو الوسوسة في () ولم أكمل العلاج الدوائي أو لم أنتظم عليه)).
أحسب النماذج المعروضة وحدها تكفي لبيان وجهة نظر مختلفة لطلاق مريض الوسواس القهري حين يكون الطلاق محور وسوسته أو أحد محاورها... هناك عدة خصائص معرفية لمريض الوسواس القهري -أتمنى أن يوفقني الله في استنباط وعرض بعضها- تجعل موضوع الطلاق (والخلع بالمناسبة أيضًا) شائكا جدا بالنسبة للموسوس وفيه من التعقيد ما فيه:
1- الاقتناع بالقوة السحرية للكلمات أو الأفكار أو الحروف.... والحقيقة أن كون الطلاق يتم بنطق لفظة أنت طالق يجعل الموسوس معرضا للوقوع في الفخ أكثر من غيره من الناس... ذلك أن كلمة بهذه القوة تجعله ربما يخاف من قولها حتى في الحلم وهو نائم! (وقد سألني أحد موسوسي الأعزاء هل يمكن أن يطلق الواحد زوجته في الحلم؟ وعندما قلت له حديث رفع القلم عن ثلاث..... حكى أنه حلم بنفسه وهو يصيح أنت طالق وخاف أن يقع الطلاق!).... بالتالي يخاف أن يكتب الكلمة ويخاف أن يقولها حتى بينه وبين نفسه، وقد تحاشى اثنان كتابتها لنا ضمن إفادتهم لاستشارة مجانين، وأحد أهم الواجبات السلوكية أثناء العلاج تكون التلفظ بأنت طالق وكتابة صفحات فيها مثلا طلق يطلق تطليقا وأنت طالق وهي طالق وطلقني وطلقتك....إلخ....
2- التحيز المعرفي لإغفال بعض الحقائق أو المقدمات... فرغم أن التلفظ بالطلاق لا يكتسب القوة إلا بشروط عديدة فإن الموسوس أميل من غيره إلى إغفال ذلك وقد رأيت من كان يتحرى في حروف كلامه مع الناس مخافة أن تأتي "ط" في كلمة ثم "ا" ثم "ل" ثم "ق".... وأحدهم لم يكن يرى أنه يشترط الترتيب!
3- القابلية العالية للشك في المعلومات الداخلية (مثل الذاكرة أو المشاعر أو النية) فكثيرا ما يحول الوسواس بين المريض وبين التيقن من ذكرى معينة أو إحساس معين أو حتى موقف معرفي معين فمثلا حين يحاول مريض الوسواس استرجاع ما كان في نيته ساعة ما قال لزوجته "روحي لأهلك" ويأتي سائلا أليس هذا طلاقا بالكناية؟ فيرد عليه من يفتيه بأنه يعتمد ذلك على نيتك يا "....." ... هذا الرد ببساطة يمكن أن يوقعه في الفخ! وأحدهم كان يقول الكارثة أني عندما حاولت أن أتذكر ماذا كانت نيتي احترت حيرة عظيمة فأنا لا أستطيع الثقة في ذاكرتي! لا أستطيع أن أتذكر بالضبط ماذا كانت نيتي وقتها!
4- النزوع للتفكير الترابطي وهو شكل مميز مِنْ اللا عقلانيةِ.... عملية شمولية تَبْحثُ عن العِلاقاتِ وتعطي قناعة بوجود ارتباط بين فعل ما أو قول ما وحدث ما دون وصلة سببية ظاهرة، ويمكن أن يحتوي قدرا كبيرا مِنْ الغموضِ والتناقض، وقدج رأيت من كانت وسوسته هكذا: إذا دخلت الشارع اليمين تصبح زوجتك طالق... فيضطر للدخول في الشارع على اليسار... أو إذا اشتريت تفاحا تصبح زوجتك طالق فيحرم شراء التفاح على نفسه! وأعلى الصفحة قال عبد الحفيظ: (كل كلمة أتفوه بها أشعر وأحس كأني أقصد بها......).
5- القابلية العالية للانفصال أو الانشقاق: يميل الموسوس معرفيا وشعوريا إلى الانفصال خاصة تحت تأثير الكرب المعرفي المصاحب للوسوسة.... وتختلف شدة الانفصال من خفيف ربما يصلح لتفسير ما أشرت إليه في الخاصية الثالثة من القابلية العالية للشك في المعلومات الداخلية، إلى انفصال شديد ترى فيه الموسوس يشعر بأن قوة من داخله تنفصل عن إرادته جزئيا أو كليا وأن الكلمات بالتالي ربما تقال داخله وربما رغما عنه تحرك لسانه وتفوه بها ولذلك يغلق بل يلصق فكيه أو يضع قطعة من القماش في فمه كما فعل أستاذ وسواس في المشكلة المعروضة أعلاه.... وبعضهم يصر على أن الكلمات (سب المقدس أو الطلاق أو غيره) تقال داخله وتحرك لسانه رغما عنه.... وهذه أندر الصور.
يلاحظ مما سبق يا سيدي -على الأقل لنا كأطباء نفسانيين- أن ما يتعلق بالطلاق في حالات الوسواس القهري هو الجانب التسلطي في الأغلب الأعم مثل الخوف من قول الكلمة أو من وقوع الطلاق بشكل أو بآخر ولذلك يتحاشى المريض التلفظ بالكلمة أو كتابتها أو حتى رؤيتها.... خوفا من تسلطها عليه، أي أن الموسوس بالطلاق يا سيدي أميل دائما إلى التحاشي المفرط للتلفظ بكلمة الطلاق منه إلى تكرارها كفعل قهري، بمعنى آخر تدور معظم الأفعال القهرية في الموسوس بالطلاق حول الامتناع عن التلفظ به أو بما يمكن أن يكون كناية للطلاق أو ما يرتبط ولو عشوائيا بالطلاق في ذهن الموسوس، وذلك يجعلنا لا نخاف ما تخاف منه يا سيدي من فتح الباب على مصراعيه فالموسوس كما أعرفه دائما أحرص مني ومنك على إغلاقه.
إلا أن ما يشير إليه قولك (لو فتحنا الباب على مصراعيه للمصاب بالوسواس بعدم وقوع طلاقه إذا تلفظ به ستعود للمصاب دوافع التلفظ بعد فترة قصيرة لا تتجاوز عدة دقائق وهنا وقعنا في فوضى الإفتاء وأن التلفظ بالطلاق لن يحل المشكلة)... إنما هو الجانب القهري أي جانب الفعل القهري الذي يلجأ له المريض ليستريح من تسلط الفكرة الوسواسية التي تكون في مثل هذه الحالات فكرة أن الشخص يشعر بأنه لن يستريح إلا إذا تلفظ بالطلاق.... وبالتالي يكون التلفظ الذي تشير إليه يا سيدي فعلا قهريا بينما وسواس الطلاق يكون الطلاق فيه مخشيا لا فعلا مريحا (وإن كان قهريا).
ولعل المثل الوحيد الذي صادفته لمن يكون طلاقه فعلا قهريا هو النص التالي لمريض وسواس لم أره، وإنما أرسل لي عبر الفيسبوك وذكرتني بحالته المستشارة رفيف الصباغ وهي مرجعنا ومراجعنا الفقهي في مجانين بعد أن أرسلت لها هذا المقال لتنقيحه فقهيا فلنقرأ يا سيدي ما يقوله المريض:
((ذهبت عني وساوس الطلاق بشكل يعني أراحني ولا أقول بشكل نهائي وظللت أنا وزوجتي عايشين بهدوء وسلام ومبسوطين فجاءني خبر من أهلها لا أعرف هو صدق أو كذب لمشاكل حاصلة بيننا أصلا وهو أنني معي مهلة إذا لم أجعلها تدرس سوف يسعون للطلاق أنا سمعت هذا الكلام فأصبحت أكلم نفسي بأمور الطلاق وكنايات الطلاق وأصبح الوسواس عندي كبير جدا لدرجة أنه ظننت أن الطلاق وقع وأن زوجتي حرام علي وأصبحت لا أطيق رؤيتها ..... فأصبت أيضا بعد يومين بوساوس الطلاق التي جعلتني أتكلم أيضا مع نفسي بأمور الطلاق فظننت أيضا وقوع الطلاق الثاني والثالث هو قبل هذا بشهرين وهو أنها ذهبت إلى أهلها زعلانة فقلت رجعتها على البيت مقابل وقوفها عن الدراسة يعني بصيغة تعلق الطلاق بكناية لكن هو ليس تعليق .....
لكن وسوس لي الشيطان أنه قلت ذلك بنية الطلاق فظللت ممتنعا عن عودتها خوفا من وقوع الطلاق لكن عندي لفظي لهذا الكلام لم يرد قلبي وقوع طلاق مني لكن لا أعرف الوسوسة في كناية الطلاق والنية التابعة لها مثل ما قلت لكم هو ما دعاني لذلك ولا أعرف هل نويت على أساس هذا الاعتقاد أم لا فهل لو نويت على أساس اعتقادي أنني نويت أصلا تعتبر النية هنا فهل وقع الطلاق هنا لأنها عادت إلى الدراسة وهي أصلا أيضا لا تعرف عن هذا الكلام شيء أبدا يعني أنا قلت الكلام هذا لأبي وعمي لكن هي لم تعلم عنه شيئا ..... لكن أنا بنيت على أنه وقع الطلاق لكن أليس شرط سماع الزوجة بتعليق الطلاق أو معرفتها بشرط الطلاق أمرا يختلف فيه عند العلماء وهل يجوز لي أن آخذ بعدم وقوعه لأنها لم تعرف شيئا عنه أبدا
المهم هنا ظننت وقوع الطلاقات الثلاثة وأصبح عندي إحساس أن زوجتي ليست حلال ووجودها في البيت ضايقني وبدأت بالخوف والذعر لما حصل فذهبت وطردتها بنية الطلاق لأنني أصبحت في حالة أنه لم تفرق معي الآن وأصبحت أتكلم بدافع الوساس والخوف..... وأنا في الأساس منذ عشرة سنوات وأنا في حالة غير طبيعية دائما أكلم نفسي دائما مكتئب دائما حزين والله لم أستطع قيام ليلة القدر في المسجد بسبب هذا فأصبحت بعد طردها قلت في نفسي أسأل الشيخ على ما حصل فوسوس لي الشيطان وقال لي أنت لا تعرف أن عقدك معها مفسوخ وذلك بسبب وساوس الكفر التي تأتيني اذهب وتخلص منها بشكل نهائي لأنني لم أكن مرتاحا ولا شاعر أنها حلال لي فوسوس لي الشيطان أيضا وقال لي يجوز أن هناك طلقة باقية وإذا ذهبت إلى أهلها وظل هناك طلقة لو تزوجت من شخص آخر وطلقت منه ورجعت لها ظلت الطلقتان باقيتان فلن تذهب عنك إلا إذا أوقعت الثلاثة فذهبت وطردتها خمسين مرة لكن لم ترضى لوجود الحالة العصبية عندي وهي تعرف أنني مريض نفسيا))
فهذا المريض كما بينت بالبنط الثقيل مرة طرد زوجته بنية الطلاق لأنه كان يعتقد أنها بالفعل طالق ووجودها في البيت يضايقه ! ومرة جاءه الوسواس من مدخل أنه قد لا تكون الزوجة طالق بالثلاثة وتتركها أنت على أنها طالق بالثلاثة فيأتي أحدهم ويتزوجها بينما هي لم تطلق طلاقا بائنا لكنها تظنه بائن! وعليه لكي تستريح طلقها طلقة ثالثة فما كان منه إلا أن طردها خمسين مرة! فهذا المريض إن صح أنه فقط موسوس (وليس مريضا ذهانيا ذا اضطراب أشمل والوسواس جزء منه كما أخمن) يطلق استجابة لرغبة قهرية في الطلاق.
تبقى نقطة أخيرة لابد من الإشارة إليها وهي حالات الوسواس القهري المواكبة لاضطراب توريت ففي هذه الحالات المشهورة ندرتها يمكن أن يأخذ التلفظ بالطلاق الجانب القهري من حلقة الوسوسة ويكون مثله مثل السب القهري للمقدسات في اضطراب توريت مثلما نرى في مشكلة العرات المزمنة والوسواس: توريت والسب القهري، وكذلك من المهم استبعاد اضطرابات الشخصية التي يمكن أن تفرز لنا رجلا مطلاقا مثل المشار إليه في إجابة شماعات الأخطاء، وسيكولوجية المطلاق
أتمنى أن أكون وفقت في توضيح الالتباس وأعلن تأييدي للفتوى التي تقضي بعدم وقوع طلاق الموسوس ما دام الطلاق موضوع وسوسته.
* وهنا تعلق المستشارة رفيف الصباغ هذه العبارات كلها دليل على أن إرادة الموسوس غير سليمة، وأن هناك نوعا من الإجبار، وهذا يستدعي دراسة تأثير الوسواس على الإرادة، والتأني قبل الحكم عليه بأن طلاقه واقع.
** وهنا تتساءل المستشارة رفيف الصباغ: وماذا لو وقع الطلاق منه قبل ذهابه إلى الطبيب؟ وماذا لو تعذر ذهابه؟ ألا نحتاج لفتاوى الفقهاء الأقدمين حينئذ؟ وماذا لو لم يفده الدواء وبقي على حاله طوال عمره؟
*** وهنا تتساءل المستشارة رفيف الصباغ: يا ترى ما شدة الرعب الذي يصيب الموسوس من فكرة الطلاق؟ ألا يصل إلى مرحلة يصبح فيها كالمدهوش والغضبان، لا يستوعب ما حوله ولا يرى أمامه إلا فكرته الوسواسية؟ أظن أن القلق الشديد يمكن أن يصنع به هذا
**** وهنا تعلق المستشارة رفيف الصباغ ما أظن أن هذه العجالة تفصل الكلام في مسألة يمكن جعلها رسالة ماجستير بكل سهولة!!
ويتبع >>>>>>>>>: طلاق الموسوس: الوسواس القهري والطلاق تعقيب
التعليق: مكنتش أعرف أن اللي كان يحصل لي زمان وسوسة قهرية
ذي أني بشتم حد مش عايزة أشتمة وتطلع غصب عني أو بدعي على حد بحبه وتطلع غصب عني
بس أنا الحمدلله بقدر أكبتها دلوقتي الموضوع تعود