الكرسي من الممكن أن يكون وسيلة لصناعة الكراهية، أو لإطلاق براعم المحبة والأخوة والتفاعل الإنساني الحضاري البديع.... وفي معظم الحالات يتم ترجيح كفة الكراهية على كفة المحبة، والسبب يكمن في أن الكرسي يمتلك مؤهلات ومسوغات إطلاق وتفعيل نوازع النفس الأمارة بالسوء في أعماق الجالس عليه، فيترجمها بسلوكه، وهذه العلاقة التوافقية ما بين الكرسي والنفس الأمارة بالسوء، لها دورها المؤثر في ميادين الحياة المتنوعة وعبر مسيرات التأريخ القديمة والمعاصرة.
وبنظرة سريعة على ما يفعله الكرسي في الذين امتلكهم وحدد رؤاهم وأطلق ما فيهم، يتبين لنا أن معظمهم قد طغت على سلوكهم أمّارة السوء التي فيهم، فأدت إلى قيام زوابع انفعالية وأعاصير عاطفية سلبية من حولهم، حتمت عليهم الاحتماء وراء الجدران أو طوابير من المسلحين، الذين يمنعون عنهم غائلة الاعتداء الدامي والقاتل، لأنهم قد أهلوا نفوسا عديدة لكي تكون معادية لهم، وذلك بسلوكهم المبني على معايير النفس الأمارة بالسوء.
والقلة من المعاصرين الذين امتلكوا الكرسي وتحذروا من امتلاكه لهم، فقدموا أسوة حسنة، ومثلا حضاريا وإنسانيا خلاقا، وهم يعدّون على عدد أصابع اليد أو أقل من ذلك.
والعجيب في أمر البشر، أن الفرد الذي يجلس على الكرسي يذعن لسطوته وسلطته ونوازعه وينسى معايير قيمه وأخلاقه، وما كان يقكر به ويسعى إليه قبل أن يسقط فريسة للكرسي.
وفي بلداننا سقط معظم الأشخاص في فم الكرسي وافترستهم أنيابه ومزقتهم شر ممزق، فالكرسي شره ويأكل أية قوة فردية وجماعية وحزبية أو عقائدية.
ولهذا ما كان للأنبياء كراسي!
ولم يكن للخلفاء الراشدين في الإسلام كراسي!
وإنما كانت هناك منابر يصعدون إليها ويطلقون لسان رسالتهم وأنوار فكرهم من فوقها!
والمنبر سلوك قيادي تربوي تفاعلي يحقق التواصل الإنساني ما بين الإنسان القائد والرعية، وهو إسلوب نفسي إيجابي للتحقق والتقدم وانبثاق الصيرورات الفكرية المؤثرة في المكان والزمان.
وتتوفر فيه دواعي ومرتكزات عقر النفس الأمارة بالسوء وتهذيبها وتطويعها، وتأكيد دور النفس المطمئنة ومقام النفس اللوامة في صناعة التفاعل الأفضل.
وما بين المنبر الذي يسحق النفس الأمارة بالسوء، والكرسي الذي يرعاها ويتوجها بالسلوك الذي يسيّدها، تكمن حقيقة التداعيات والتطلعات السلبية، الملونة بالبغضاء والكراهية والمشاعر السلبية الضارة بكل شيء.
وما دامت مجتمعاتنا ذات تطلعات كرسوية، فإن التقدم والمعاصرة والتعبير الأصدق عن الرسالة الإنسانية سيزداد بعدا، بتناحر الكراسي وتطاحن أعوانها وسعيهم وراء نوازع ورغبات تلك السيئة التي تتوهج فيهم.
فهل وعينا داء الكرسي أم أننا سكارى بالكراسي.
5/12/2012
واقرأ ايضًا:
اليقظة الثورية / التدمير الثوري / الدفاعية الثورية / صورة ثورة...! / مرسي والكرسي / الحكم بالأزمات