في علم نفس الجشتالت، ومدرسته العلاجية يلزم الانتباه الشديد لكل تغيير يطرأ على الشكل، والهيئة ... تباعا، للتساؤل بشأنه، وتحليله، ومن ثم البناء عليه، وتلك مهارة تنقصنا، ووعي نغيب عنه !!
المشهد في مصر يتغير بسرعة، ويتطور، وأغلبنا لا يلاحقه، ولا يستوعبه!!
نزل للشوارع في 30 يونيو ملايين من المصريين يعترضون على صيغة حكم فاشلة شكلا وموضوعا، متأثرين بالإعلام والإفشال وبقية الكيد والخداع الذي تمارسه عصابات وشبكات مصالح النظام السابق/الحالي/المستمر!!! هذا النزول كان يستهدف تنحية المكون الإخواني عن مشهد الحكم، وربما عن السياسة ودوائرها، وقبل أن تتبلور له رؤية، أو يحصل فيه فرز .. تم إجهاضه بعودة الجيش إلى صدارة المشهد!!
هذه العودة استفزت ملايين من المصريين ليتظاهروا ويحتشدوا مع الإسلاميين، كثيرون منهم ليسوا إخوانا، وبعضهم ليسوا مسلمين!!! هم موجودون دون أن يراهم، أو يقدر وجودهم...أحد !!! ملايين مستفزون من سلطة مبارك وعصاباتها العائدة إلى واجهة المشهد بقوة، وهي التي لم تغب عنه أصلا!!! ومستفزون من القتل والإجرام، وتكميم الأفواه، والديكور المدني البائس الذي تصدر باسمه القرارات، وسط نفس الشبكات والقيادات والمصالح المجرمة والفاسدة !!
هذه الموجة من الثورة -في رأيي- هي الأكثر وعيا، ولكنها الأقل حظا .. من عدة جهات :
- القيادات المتوافرة لها هي إصلاحية بامتياز: خليط من الإخوان عديمي الخبرة بالحراك الثوري، وفصائل إسلامية أخرى لا خبرة لها باحتلال المجال العام، ولا بالتعامل السلمي مع الحشود، والضغط المنظم بها، ولا استيعاب التنوع والاختلاف المجتمعي، ولعلهم الآن يتدربون !!!
طبيعة هذه القيادة تهدد مستقبل الاحتشاد، وحسن استثماره لمصلحة استكمال الثورة.. لضعف أو انعدام الخيال الثوري، والخبرة .. في هذا الميدان.
- الخصوم الأيدلوجيون للإخوان والإسلاميين ما زالت مواقفهم تتراوح بين السخرية/التشفي/التحريض على الانتقام الشعبي، وحتى التحفظ -في أحسن الأحوال- وغيابهم عن هذه الموجة يزيد من الانطباع المتداول - ويطيب للإسلاميين- بأنها موجة ثورية .. "إسلامية" !!! مما يضعفها من جوانب أخرى، ولعل هؤلاء الخصوم يغيرون مواقفهم، أو يدفعون ثمنها .. آجلا، أو عاجلا !!
- يتم تكريس وتلبيس وصمة عار لكل من شارك في حراك 30 يونيو بوصفه -تلقائيا- مؤيد للانقلاب العسكري، والسهل أن يبتلع مؤيدو ذاك الحراك..هذا الطعم، فيدافعون -ولو ضمنا- عن آثار الانقلاب، وتداعياته الكارثية، ولو بغياب منطق، أو استخفاف بما يتفجر من دماء !!
والسهل أن يتعاموا عن الحشد الشعبي الضخم المتحرك على الأرض ضد الانقلاب .. بسبب أنه يتضمن إخوانا، وإسلاميين !!!
- تحفظ أو عدائية الشباب الثوري لهذه الموجة، ورفضهم لتكرار التعاون مع الإخوان يحرم هذه الموجة من زخم السخونة والجرأة والمفاجأت والإبداع والمذاق الذي تعطيه تحركات الشباب الثورية العفوية، ويتميزون بها عن حركة التنظيمات البطيئة .. المتوقعة .. غالبا !! لدى أجهزة الأمن، والمخابرات !!
- إصرار الإخوان على عودة مرسي واستمرار رفع صوره في الميادين يعطي الاحتشاد طابعا ماضويا، وكأنه يهدف لاستعادة وضع مكروه لدى الملايين من المصريين، بينما كثيرون من المتحركين ضد الانقلاب يريدون خارطة طريق تركز على الاستفادة من أخطاء الماضي، وصيغ فشله.. لمصلحة تجاوزه، والتطلع إلى آفاق جديدة!!
- التغطية الإعلامية لهذه الموجة معطوبة، وقاصرة.. القنوات الفضائية المصرية كلها مناهضة، وكذلك الأغلبية الساحقة من الصحف، أما شبكات التواصل الاجتماعي فتتبادل السباب -غالبا- وتوصل رسائلا متناقضة !!!
- ربما يتعامل الإخوان والإسلاميون مع هذه المرحلة بنفسية ومظلومية المنهزم المضغوط، ومن شأن هذا أن ينعكس على سقف الطموح والتفاوض، كما ينعكس على قدراتهم على تطوير الحراك، وعلى تعبئة المحتشدين بطاقات نفسية سلبية، وتصدير رسائل شعورية، ونوايا غير طيبة .. للجيران، ولكل من يتابع هذه الموجة!!! اجتماع الناس فرحة وقوة وونس .. وبهجة .. والطاقة السلبية تبدده وتوتره وتفككه بدلا من أن تشع وتشيع سكينة وتفاؤلا وسلاما !!!
- بالتالي فإن صيغة شعب ضد سلطة التي تبلورت عبر الـ 18 يوم تبدو في هذه الموجة الحالية مهددة/غامضة/تائهة وسط صراع: إخوان-ضد إخوان !! وبمقدار ما تتحرر هذه الموجة من أثقالها، وتجتذب المقموصين، والمستنكفين والمترددين والمحبطين من أداء الإخوان .. بمقدار ما ستتقدم على الأرض، وتنتصر !!
وبمقدار ما نؤثر جميعا الاستسهال والتغاضي عن استيعاب الإيقاعات الجديدة، ونؤثر عدم الحساسية والإحساس بناس هذه الموجة من البسطاء، والشرفاء، ونحتسبهم جميعا إخوانا، أو مجانين، أو انتحاريين محتملين .. إلى آخر هذه النعوت والأوصاف المندفعة العمياء !!
الاستسهال بيخسرنا كثير !!!
هذا أو تعود الدولة التي يعجبني وصف بعضهم لها .. على الجدران : دولة رؤوس أموال .. والشعب دمه حلال !!!
الثورة مستمرة .. بفضل الله، وعونه !! هو يكيد لها، ولكن أكثر الناس لا يدركون !!
ويتبع >>>>>>>>: مسار الثورة: إحياء الموتى 22 يوليو.... لم الشمل ....
واقرأ أيضاً:
مسار الثورة 11 يوليو.... شأن يخص المصريين/ إحياء الموتى ومسار الثورة.. 15 و16يوليو..قبل السحور/ مسار الثورة .....17-19 يوليو : ضد التبسيط ......