ذات سبتٍ من شهر أكتوبر عام 1973, وفي صباح واعدٍ بالتغيير والنهوض من ركام الهزيمة والانكسار, تواردت الأخبار وتواصلت, معلنةً أن الحرب انطلقت في فجر السادس من أكتوبر, وأن الجيش المصري يتوثب إلى الأمام بعزيمة الأمة وإرادة العزة والكرامة والتأريخ.
إنها الحرب...
الجيش المصري يعبر قناة السويس!
الجيش المصري يحطم خط بارليف!
واحتشد الناس حول المذياع والتلفاز, يشدهم ما يجري, وكأنهم يتشوقون لسماع المزيد, والمزيد من الأخبار السارة المشافية لأوجاع النفوس وآلام الأرواح العربية.
الجيش المصري ينتصر, ويعيد كلمة "نصر" إلى قاموس وجود الأمة وحاضرها!
وكنا صبية نتجمع كالطيور العازمة على التحليق في فضاءات الأماني, وقد امتلأنا شعورا بالعزة والقوة والكبرياء.
انطلقت فرحة الإرادة الأبية من أعماق وجودنا اليافع الطري الدفاق بالحيوية, وكأننا نخاطب الأيام بصوت الاقتدار على أن نكون!
وكانت أيام الحرب بأخبارها المتوهجة المنتصرة تشحذ فينا همة الإصرار والأمل والبهاء.
فكنا نحارب مع الجيش المصري بأرواحنا وقلوبنا ونفوسنا وعقولنا, وكل ما فينا من طاقات إنسانية واعدة متوقدة, متوثبة نحو صناعة المستقبل السعيد.
انتصر الجيش المصري, وذهبت غيوم الهزيمة والإحباط, فولدنا من جديد في 6 أكتوبر 1973!!
وبرغم كل ما رافق الحرب وأعقبها من تداعيات واختناقات, فإنها كانت حرب إعادة الوعي العربي وبناء القدرة والعزة والتفاؤل.
بل إنها كانت الولادة الحقيقية لجيلنا, الذي تعلم منها أن العزيمة تصنع النصر.
وإنّ الإرادة العربية لا يمكنها أن تنكسر إلى الأبد!
لأن الأمة تلد رجالها وتمنحهم قوتها وطاقتها, وتصنع وجودها الإنساني المشرق, لأنها أمة حية ثرية واعدة الإمكانات!
فكانت مصر وكان العرب معها!
وفي الذكرى الأربعين لهذه الملحمة المتوهجة في أعماق التأريخ, لابد لنا أن نقف أمام واقعنا, ونؤمن بالإنتصار على المعوقات والمصدات والإحباطات, التي تلبدت غيومها في فضاءات وجودنا الحضارية الباهية.
وعلينا أن نسترشد بإرادة السادس من أكتوبر, لكي نصحح مسارات انطلاقنا نحو آفاق الحرية والكرامة الإنسانية.
فالإنسان في وطننا ينتصر ويكون!
فالحرية قدره!
والحضارة أمله!
والتفاعل الوطني المعطاء رايته!
ولن يتراجع عن إرادة الحق والتقدم والعلاء!
ولن ينحرف عن مسارات الديمقراطية الصالحة لحاضره ومستقبله, والمضيئة بالأمل والمحبة والأخوة, والتفاعل الإنساني السامي النبيل.
تحية للسادس من أكتوبر المنير في أعماقنا!
وتحية لإنساننا الثائر على الظلم والاستبداد والطغيان!
وتحية محبة وعرفان لمصر العروبة والحضارة والثورة والإبداع والتأريخ!
مصر جوهر الأمة, وقلبها النابض بالإصرار على أن نكون, ولا بد لنا أن نكون بعزيمة مصر الميمونة!!
واقرأ ايضًا: