قرر مجلس إدارة النادي الأهلي إيقاف اللاعب أحمد عبد الظاهر واستبعاده من المشاركة في مونديال العالم للأندية وحرمانه من مكافأة بطولة دوري أبطال إفريقيا (ربع مليون جنيه) وأخيرا عرضه للبيع (وكأنه عبد يباع في سوق العبيد، وكان ناقص يقتلوه) لأنه "فرد" أصابعه الأربعة، ولم يشفع له نجاحه وتميزه في هذه المباراة وفي غيرها، ولم تتدرج العقوبة لتتناسب مع الجرم (إذا كان ثمة جرم).
ويعاقب أبو تريكة بالغرامة ويضطر للاعتزال حفاظا على كرامته وهو في قمة مجده وتألقه المهني لأنه فعل نفس الشيء (فرد أصابعه الأربعة) ولم تشفع له عطاءاته لفريقه ولناديه وللفريق القومي ولوطنه في كل المناسبات والمواقف الرياضية بما يجعله بطلا قوميا في مجاله رفع اسم مصر كثيرا وأسعد جمهور الكرة في أوقات كان يتعسهم ويحزنهم من عاقبوه، ولم يشفع له أنه لاعب خلوق متواضع ومهذب وطيب ومتدين وسمح وأمين. لقد نهشش الإعلام بكافة أشكاله في لحم أبو تريكة وتعامل معه على أنه خائن عميل لا لشيء إلا لأن له رأيا يخالف رأي ملاك الصحف والقنوات. وحدث هذا أيضا مع محمد يوسف بطل الكونج فو الذي لم يشفع له أنه رفع اسم مصر في بطولة دولية فاعتبره ذوو السطوة الآن خائنا لأنه فرد أصابع يديه الأربعة.
وفي الحقيقة لم أكن سعيدا بما يحدث على منصة رابعة وكنت أرى في أغلبه تسويقا رديئا للمشروع الإسلامي نفّر الكثيرين منه حتى المتعاطفين مع ذلك المشروع، وأفقد التيار الإسلامي شعبيته، ولم أتقبل أن يعيش سكان رابعة في ظل كارثة إنسانية بسبب الاعتصام وسلوكيات المعتصمين أو بعضهم، ولي انتقادات كثيرة لسلوك قادة الإخوان ولسياسات الإخوان بعد ثورة 25 يناير وانفصالهم عن الخط الثوري والشعبي العام، ومع ذلك نددت بطريقة فض الاعتصام التي راح ضحيتها أعداد كبيرة من المصريين.
ولا أوافق على إدخال السياسة في الرياضة أو في العلم ولا أوافق على ما يحدث الآن من شغب في الجامعات (بصرف النظر عمن يقوم به)، وأهتم كثيرا بالانضباط المهني والالتزام بالتعليمات في أي مكان عمل، وقد ألوم هؤلاء الأبطال الرياضيين على رفع إشارات دينية أو سياسية بعينها في المحافل الرياضية التي يفترض ويستحب أن تكون محايدة ولكل الناس، ولكن مع كل هذا لا أجد مبررا للتطرف في العقوبة إلى درجة الفصل والبيع والتشريد (بما يعكس حالة من الرعب الداخلي لدى متخذي القرار).
ويحدث نفس الهجوم ونفس الاغتيال المعنوي للأستاذ فهمي هويدي رغم أنه لم يفرد أصابعه الأربعة، وربما كانت له تحفظات على ما حدث في رابعة وتحفظات على أداء الإخوان في فترة حكمهم وقد كتب هذا مرارا في حينه، فالرجل معروف بموضوعيته ومنطقيته واعتداله وأنه قامة صحفية وفكرية محترمة في كل أنحاء العالم، ولكنه لا يساير الموجة السائدة فيكون جزاءه التشويه والتسفيه والاغتيال.
وإذا كان السابقون منتمين أو متعاطفين مع التيار الديني (المرفوض والمنبوذ حاليا على المستوى الرسمي والإعلامي)، فإن أمامنا نماذج أخرى لا تنتمي إلى هذا التيار بل وانتقدته وتنتقده في مواقف كثيرة، فمثلا باسم يوسف النجم المحبوب الذي تألق في سماء السخرية والكوميديا السياسية وكان في وقت من الأوقات مصدر البهجة الوحيد في حياة المصريين، ونالت سخريته اللاذعة والمؤثرة من هيبة الدكتور مرسي وهو في منصب الرئاسة ومن الإخوان ومن ممارسات بعض الدعاة على القنوات الدينية وقدم عشرون حلقة في عهد مرسي ولم يوقفه أحد (رغم شراسة نقده وتأثيره الهائل على صورة النظام وهيبته في ذلك الوقت)، نراه الآن وقد أوقف برنامجه في العهد الجديد بعد حلقة واحدة انتقد فيها بعض الأوضاع القائمة "برفق وحذر شديد".
وينهال عليه الهجوم من كل مكان وتهدر نجوميته وتسفه عبقريته الكوميدية الساخرة والمؤثرة لأنه رفض أن يسير في الركب السائد ورفض أن يضبط إيقاع عقله وقلبه على النغمة المقررة رسميا وإعلاميا، وتخسر مصر موهبة فذة كان يتابعها ويسعد بها ملايين المصريين والعرب في كل مكان من العالم، وتشكل ظاهرة غير مسبوقة في النقد السياسي والمجتمعي تبعث على البهجة وفي ذات الوقت تحرض على التفكير النقدي الذي تفتقده العقول في مجتمعاتنا العربية التي تربت على عبادة السلطة وتقديس الخرافات.
ويتوالى الهجوم على عمرو حمزاوي، ذلك المفكر الليبرالي الذي رفض أن يخون مبادئه الليبرالية، وأن يظل واقفا بقلمه يدافع عن مبادئ الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان (أيا كانت انتماءاته أو توجهاته)، ويحقق مقولة الليبرالي العظيم الذي قال: "إنني أختلف معك في الرأي ولكنني مستعد لأن أدفع حياتي ثمنا لكي تعبر عن رأيك بحرية"، ويلحق به أو ربما يسبقه بلال فضل الذي رفض أن يبيع قلمه للإخوان كما رفض أن يبيع قلمه للنظام الحالي وانتقد سلبيات الجميع بمنطق وطني أخلاقي إنساني حر ومتجرد فكان جزاؤه التسفيه والعزل ومحاولات التصفية من الجميع. وحين عبر الرئيس التونسي المنصف المرزوقي عن رأيه (وهو يساري ليبرالي) بقوله: "إن الليبراليين المصريين خانوا الديموقراطية" انهالت عليه الأقلام تقدح في أخلاقه وفي ليبراليته وتصنفه (كما صنفت عمرو حمزاوي وبلال فضل) كطابور خامس وخلايا نائمة. إلى هذا الحد لم نعد نحتمل رأيا آخر حتى ولو كان يعبر بمجرد فردد أصابع يده ليس أكثر!!!
وهذا الهجوم المبالغ فيه على المختلفين في الرأي والتوجه (أيا كانت انتماءاتهم أو خلفياتهم) ينم عن حالة من الهشاشة والضعف يشعر به من يتخذ هذه الإجراءات الرادعة للرأي الآخر، فهو مرعوب من إشارة ومرعوب من برنامج ومرعوب من رأي أو مقال. والخطير في هشاشة أي نظام أنه يتوجه نحو القمع الفكري (وهذا حدث فعلا بناءا على قاعدة :اضرب المربوط يخاف السايب) ويتوجه نحو القمع الأمني ويسمح للآلة الأمنية بالتوحش والتغول والتوغل فيي حياة المصريين مرة أخرى تحت زعم حماية الدولة ومحاربة الإرهاب، وهذا ما قامت ثورة 255 يناير للخلاص منه، فاعتبروا يا أولي الأبصار.
واقرأ أيضاً: