المقدمة: الحديث عن طبيعة الإنسان والرعاية التي يتلقاها في حياته لا يخلو من الجدل ومن الصعب الحصول على توافق في الآراء على المستوى الشخصي والعائلي والحضاري لأي مجموعة بشرية. النموذج التي يستعمله هذا المقال هو أقرب إلى حضارة الإنسان في يومنا هذا وهو جهاز الكمبيوتر المتواجد في جميع أنحاء المعمورة وربما في كل بيت، وإن لم يتواجد في البيوت فليس هناك ما يمنع أي إنسان من العثور على جهاز ما واستعماله أو أحياناً اللعب والعبث به.
النموذج المستوحى من الكمبيوتر هو كما يلي:
لكل كمبيوتر منبر أو رصيف يتحدد بطبيعة ما يسمى بمعالج المعلومات Processor هناك اختلاف شاسع بين الأجهزة في نوعية المعالج، وجودة الكمبيوتر تستند في النهاية على المعالج. يبدأ الكمبيوتر عمله ويتحدد أداؤه بالبرامج التي يتم نصبها أو تثبيتها في الجهاز. لا يمكن تثبيت أي برنامج في أي جهاز ويجب على أقل تقدير تحديث هذا البرنامج استناداً إلى المعالج الموجود داخل الجهاز. رغم ذلك هناك برامج مهما حرص الإنسان على تحديثها لا يمكن تثبيتها، وهناك من البرامج ما هو قادر على تعطيل الجهاز وقتياً أو أبدياً. عملية اختيار البرامج وتثبيتها يقوم بها الإنسان بمفرده أو يتم تثبيتها من قبل شركة تعرض هذا الكمبيوتر للاستهلاك.
هذا الجزء من المقالات يتطرق إلى معالج المعلومات وإلقاء الضوء على بعض الآراء الحديثة في هذا المجال. من خلال الإلمام بمعالج المعلومات يمكن بعد ذلك إدراك محاولات البرمجة وتأثيرها على الإنسان أو بعبارة أخرى نجاحها أو فشلها.
الجميع على إلمام بما يسمى حاصل الذكاء (Intelligence Quotient (IQ إلى درجة أن البشر في جميع أنحاء العالم يستعملون مصطلح IQ4 في الإشارة إلى ذكاء الفرد وخاصة إذا كان هذا الحديث يتعلق بأبنائهم وأحفادهم. هناك بعض المنتديات التي تعنى بالأفراد ذوي الحاصل المرتفع، وترى البعض يحرص على حفظ أي شهادة تحتوي على إشارة إلى حاصل الذكاء المرتفع.
بعيداً عن الخوض في المعادلات الرياضية المستعملة للوصول إلى الأرقام ولكن التقسيم يقسم البشر إلى رفيع الذكاء جداً (130 وأكثر)5 وبعدها ينخفض الرقم حتى يصل إلى الرقم السحري (70) الذي يعني به علم النفس والطب النفسي لتصنيف المستضعفين من البشر ذوي العاهات التعليمية. حاصل الذكاء بحد ذاته يعتمد على عمل فحص يتطلب تدريباً ودراية بعلم النفس ويتطلب استعماله الكثير من العناية والدقة، والرقم الناتج يمثل أداء الفرد في الفحص خلال تلك الفترة الزمنية التي تم فيها إجرائه والتي لا تتجاوز الساعتين. بعبارة أخرى الرقم الذي يسحر الناس والطب النفسي لا يعطي إشارة ذات معنى لأداء الفرد في الماضي والمستقبل ولا حتى قبل أو بعد يوم من إجرائه4.
تطور علم النفس في العقود الثلاث الماضية وأصبح يعني ببحوث علمية تتداخل مع علوم الوراثة والجينات بدلاً من الاعتماد على فرضيات وآراء شخصية ناتجة من ممارسة مهنية. لا شك بأن حقل الجينات السلوكية Behavioural Genetics هو من أكثر حقول علم النفس جذباً للأنظار ويميل إلى استعمال مصطلحات علمية ومبسطة وواضحة للآخرين بدلاً من استعمال لغة غامضة لا يفهمها إلا بعض علماء النفس ولا تفيد الإنسان والمجتمع على حد سواء. هذه اللغة أدت إلى انقراض المدرسة التحليلية في علم النفس وأصبحت في عداد الأصناف التي لا يبذل أحد الجهد لحمايتها.
1 - علم النفس الحديث يعنى بـ GQ .
2 - عامة الناس والإعلام تعنى بـ IQ .
تأثيرات العوامل الوراثية على التعليم1 كبيرة عكس ما يتصور البعض ويمكن حسابها كالآتي:
٠ 80% على تعلم القراءة والكتابة.
٠ 70% على تعلم الرياضيات.
٠ 60 % على تعلم العلوم.
رغم أن DNA هو ما تركز عليه الدراسات العلمية 2 في الوراثة ولكن هناك اختلافا في الأداء بين إنسان وآخر يتحدد بوراثة حامض آخر من خلال الجينات الضابطة أو المنظمة Regulator Genes والتي تسمى بالـ RNA غير الترميزي أو غير الشفيري Non – Coding RNA والتي يقدر عددها بما يقارب 100000 وتفسر هذه الجينات الأخيرة هذا الاختلاف الهائل بين البشر في قابليتهم في عسر القراءة Dyslexia ومواهبهم الفنية. بعبارة أخرى لكل إنسان قابلية على الأداء الموسيقي والقراءة وليس هناك ما هو غير طبيعي أو مرضي ولكن صقل هذه الموهبة يعتمد على الجينات الأخيرة وتجاوبها مع تدريب الإنسان. ليس كل من يجيد الأداء الموسيقي أو العزف ينجح في التلحين الموسيقي وهذا واضح للعيان!!.
المصادر:
1. Asbury K, Plomin R (2013). G Is for Genes: The Impact of Genetics on Education and Achievement. Wiley – Blackwell.
2. Deary I, Johnson W, Houlihan L(2009). Genetic foundations of human intelligence. Human Genetics 126: 215-232.
3. Devlin ,. Daniels M, Roeder K(1997). The heritability of IQ. Nature 388: 468-71.
4. Maclintosh N(1998). IQ and Human Intelligence. Oxford University Press.
5. Neisser U(1997). Rising scores on intelligence tests. American Scientist 85: 440 – 7.
واقرأ أيضاً:
عقاقير الزاء ... تجنبها رجاءً / التطبيع القسري والسلوك العدواني / الوظائف الجبهية التنفيذية من المذاكرة إلى الطب النفسي