ملاحظة مهمة: المقالة موجهة حصراً لنساء العراق لإنشاء دولة خاصة بهن، تُدعى نسوان ستان.
أصبح الحديث جهراً، ليل نهار، ودون مواربة أو خجل، يجري كأنه أمر واقع حول تقسيم وطننا الجميل العراق إلى مجرد قطع أراض دون انتماء لحضارة وادي الرافدين. ولصالح من يا نساء العراق؟ لصالح مذاهب صنعها الذكور، لا نحن.
كل يوم نودع قلوبنا أمانات في أجساد أولادنا لتتمزق مع تمزقهم، وتحولهم إلى أشلاء، فبين المدرسة، والعمل، والبيت تُقيم المفخخات اللعينة راصدة زهورنا اليانعة، لتقطفها قبل الأوان أمام أعيننا النازفة دمها لا دمعها، وما صنعها غير ذكور لا رجولة فيهم.
كل يوم نودع أيتها الحانيات أولادنا، وكأنهم ذاهبون بمشيئتهم نحو الموت، ليس اليوم فحسب، بل منذ حرب إيران وما سبقها من تأريخ مشؤوم، والذكور يتصارعون على كراسيهم، ويدوسون على قلوبنا، ودموعنا، حتى أصبحنا من سكان المقابر جوار أحبتنا.
نحملهم وهناً على وهنٍ تسعة شهور، ونضعهم كُرهاً، وألماً، وصراخاً، وبعض من النساء يلفظن أنفاسهن الأخيرة مع صرخة خروج المولود إلى الحياة.
نُرضعهم، وننسى حلاوة النوم كي يشبعوا من صدورنا حليباً، ويكبروا كأجمل حُلم، وأمل لنا، نخاف عليهم من نسيم الهواء البارد كي لا يمرضوا، نقلق إن اقتربت منهم بعوضة وامتصت بعض دمهم، يحلو في أعيننا نموهم، وضحكهم، ونجاحهم، وفرحهم، ويُبكينا مجرد إرتفاع درجة حرارتهم، ومرضهم، يُدمي قلوبنا بكائهم إن لمحوا لعبة نعجز عن شرائها لهم، نحزن إن لم يوفقوا في الدراسة، نسهر الليل قلقاً إن بلغهم ظلم الدنيا، وجورها الذي لا يرحم.
وحتى يشب من يصل إلى سن الشباب فيهم، يكون شعر الرأس فينا قد شاب، ونخرت أجسادنا أمراض الضغط والقلب والسكر.
الذكور الظالمون لا يُدركون أن أولادنا، وإن أصبحوا راشدين، فهم قطع من قلوبنا تمشي على الأرض، لذلك لا يعنيهم إن تحولوا برمشة عين إلى عدم، وقبور تجلس عندها أمهات ثكلى تبكيهم.
القطة التي لا تمتلك عقلاً بشرياً تُحارب من أجل صغارها إلى درجة يخشى فيها الإنسان أن يفكر بمجرد الإقتراب منها، وهي تزأر كأسدٍ هصور رغم ضعفها، وصغر حجمها، ومعاناتها بعد الولادة والإرضاع، وتنتقل بهم من مكان إلى آخر خوفاً من أن يأكلهم الهر ـ-أبوهم بيولوجيا- وهو جائع، فما الذي يمنعنا نحن الأمهات عن حمل أولادنا بعيداً عن الهِررة الذكور من البشر، كي لا يُصبحوا زاداً لهم، وهم الجائعون أشد الجوع إلى المال، والسطوة، والعرش على حساب دمائهم؟
ستقوم دولة "سنيستان" لتنأى بالسنة عن الشيعة، وتقوم دولة الشيعة بعيداً عن السنة، أما كردسـتان فقد قامت مع صمت الصامتين، وكأن الحدود الجديدة سـتمنع حرباً بين ذكور لا تتوقف أطماعهم عند حد، ولا تسـعهم عروش حتى تسـقط غيرها، ومن منا لا يعلم أن هذا تم عبر مؤامرة طويلـة جداً، وعبر أجيال تشـردت، وقُتلت، وعُذبت في السـجون، وأُعدمت، والأمهات تنزف ألماً وحسـرة لعقود مرَّت عليهن كأزلٍ لا ينتهي لشـدة ما ظُلمت هذه القلوب الأنثويـة الرقيقـة، لا لشـيء إلا لأن هناك عوالم عبر البحار تُشـيد حضارة لا يمكن أن تسـتمر دون النفط الذي في أراضينا..!!
انظرنَ إلى خارطة الشرق الأوسط الجديدة المعلن عنها في نيويورك تايمز:
الطامعون في نفطنا ذكور، ومن يبيعون الشعوب لصالح حضارة الغرب المشيدة بدم الأبرياء ذكور، الموضوع كله يدور حول الذكر وسلطته، ودوامها ضد مشيئة الإنسان وسلامته وأمنه، فما شأننا نحن الأمهات وأكبر آمالنا أن يعيش أولادنا بسلام..!!؟؟
إن الذكور من العراقيين اليوم يُحققون أحلام (رالف بيترز، اليهودي المتطرف) في خارطة الشرق الأوسط الجديدة، المسماة بحدود الدم، شيعة وسنة، وبحماقة شديدة، وتعصب أعمى بين منتقم لضحايا السنة، وآخر لضحايا الشيعة، والشيعة والسنة براء من دم بعضهم البعض، إنما هي لعبة الدين المُسيس، أو ما يُسمى بـ "الإسلام السياسي" الذي فرَّق الناس تحت رايات الطوائف، والأعراق، والأديان كي لا يكون بينه، وبين السرقة، والسلطة المطلقة من ينتفض بوجهها، ولذلك في بغداد بالذات التي لا يستحقها المفرطون بها من السنة والشيعة أدعو النساء لإقامة جمهورية "نسوان ستان"، وكما تفعل القطط سنفعل، نحمل السلاح كي نحمي الصغار من شر الرجال وصمتهم على الظلم، ودورانهم في دوامة عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب منذ 14 قرناً، رغم أن علياً لم يقتل عمر، وعمر لم يقتل علياً، بل لشدة تعاونهما مع بعض من أجل المسلمين قيل "لولا علي لهلك عمر".
هل فكر المتناحرون من الرجال كم من أم سنية في العراق وأولادها من الشيعة!؟ كم من أم شيعية وأولادها من السنة!؟ كم من عربية وأولادها أكراد!؟ وتركمانية وأولادها عرب، وكردية وأولادها عرب أيضاً!؟ وكم؟ وكم؟ وكم؟ والأمثال لا تُحصى...؟
هل تسكن الشيعية في "شيعيستان" تاركة زوجها وأولادها في "سنيستان"؟ أم تسكن السنية في دولة "سنيستان" تاركة أولادها في "شيعستان"؟ وهذا المثلان ينطبقان على كل العوائل العراقية التي اختلط دمها بدم البعض...، فهل من منكر أن هناك مسيحيات بأولاد مسلمين ضاقت بهن بلاد الرافدين فغادرن نحو بلاد الغربة في زمن القتل على الهوية والمذهب والعرق والدين؟
يسـتحيل عليَّ أن أسـرد في مقالـة كل قصص الحب التي قامت تحت النخيل على ضفاف دجلـة والفرات، وكوَّنت هذه الأُسـر الملونـة الجميلـة كلوحـة فنان مبدع.
بعد هذا الإمتزاج الذي لا فكاك منـه، يأتي القتلـة من بلاد كانت أصلاً ملكاً للهنود الحُمر فأبادوهم، وكوَّنوا قوة عبرت المحيطات نحونا لتُبيد أولادنا، تمنح بعض خونتنا سـطوة التلاعب بنا، فيُفجرون مراقد الأئمـة، والجوامع، والحُسـينيات، والكنائـس، وبيوت عبادة الصابئـة المندائيين، والأيزيديين، ويجعلون منا مجرد وحوش لا يردعنا دين، ولا مذهب عن ذبح بعضنا البعض، و(إسـرائيل) على مقربـة منا ترقص فرحاً وطرباً لإنتصارها العظيم؟
أين الرجال مما حلَّ فينا، يا نساء، وفي أولادنا؟
اليهود على إختلاف عروقهم اتحدوا في وطن لا يملكونه، ونحن العراقيون نُقسّم وطناً واحداً منذ بدء التأريخ تحقيقاً لحُلمهم في دولة تمتد بين الفرات والنيل؟
ما سر خضوع الذكر الشرقي خضوع العبد لذكر الغرب!؟ وفي بيته يغدو ملكاً لا تُجادله المرأة في قوامته عليها؟ علامَ هو قوام وحاله حال ربات الحجال أمام عدوه!؟ يتذكر الدين حين يتزوج أربع، وينساه حين تُستباح الأرض، ويقتل الإنسان البريء، وتؤكل أموال اليتامى، وحق الفقراء في زكاة الأغنياء؟ إذا كان بعض الساسة ودعاة الدين قد قدموا مع الدبابات لنهب ثروات الشعب، ووضعوا أقدار العراقيين في أيدي من لا يود لهم الخير، فما بال الفقراء منهم يتبعون لصوصهم تحت رايات مذهبية، وحزبية، وهم لا يملكون قوت اليوم القادم، ولم يمنحهم حزب، ولا معمم حصتهم في عوائد بحيرة نفط يعوم فوقها العراق؟ يجهلون في أية لحظة ستنفجر مفخخة ما تخطف أعمارهم، وأعمار أولادهم، وتهدم وطناً ليس هناك على الأرض مثيلاً له؟ أهناك وطن في العالم تمتد فيـه الأنهار من شـمالـه إلى جنوبـه وتتفرع كأغصان الشـجر، وكل فرع منها قامت عليـه حضارة ما، في زمن ما تحت ظلال النخيل؟ أهناك وطن فيـه خير الكون كلـه، ويسـتورد حتى الماء من أهل الصحراء في الجوار؟
يا أمهات العراق، لنقل كلمة حق لا بد من قولها، ما من أمل في ذكور ماتت رجولتهم يُفرطون بأرضهم مجاناً ودون ثمن من أجل عدو دفع بهم إلى حرب لم تخطر على بال سنية تزوجت من شيعي، أو شيعية تزوجت من سني فأنجبت أولاداً لا يعلمون لأي أرض ينتمون.......... وكذا الحال بالنسبة لكل ألوان الطيف العراقي.
ولا يتبع التفريط بالأرض سوى التفريط بالعِرض، فهل ننتظر متى سيُقيمون سوق عكاظ مجدداً ليبيعونا شرعاً وفق فتاوى دينية ومذهبية لصالح بني (إسرائيل)، وبلاد العم سام..؟
علينا مواجهة الحقيقة المرة، لا رجال في العراق ينتصرون لدموعنا، ونحن نرى إلى نثار اللحم بعد كل إنفجار دون أن نعرف أية قطعة لحم منها تعود لولد كان يوماً جنيناً في بطن واحدة منا تنتظر ولادته بشوق.
إني أدعو جميع نساء العراق إلى تكوين دولة "نسوان ستان" في بغداد نفسها، تحفظ حق أرامل الحروب بدءً من حرب الخليج الأولى وانتهاءً بحرب الطائفية التي لم تضع أوزارها بعد، وحقوق الأطفال جميعاً ممن ينتمون للعراق كله بسبب الزيجات التي كانت تحدث بشكل طبيعي بين مختلف الأعراق، والأديان، والطوائف، وتمخضت عن ولادتهم، فوجدوا أنفسهم مشتتين بين كردستان، و"شيعيستان"، و"سنيستان"، ولم يبلغوا بعد سن الرشد ليُقرروا مع من سيُقيمون، مع آبائهم من السنة؟ أم مع أمهاتهم من الشيعة؟ أو بالعكس، وهذا ينطبق على فسيفساء الوطن كله، فلا ذنب لهم بأطماع دول الغرب، وأزمة الطاقة والرأسمال العالمية، وعملائهم المقيمين تحت حماية جيوش معولمة، نظراً لحجم ونوع غنائم العراق التي أباحت للعالم كله احتلالنا، وتوزيع ما نملك وفق جهودهم في حربهم ضدنا.
لنزأر كإناث القطط قبل أن يقترب القتلة ممن تبقى من فلذات أكبادنا، ونرفع السلاح بوجه من لم يرحم قلوب الأمهات، لنشرع ببناء جمهورية لا ذكور حمقى فيها مع أولادنا حتى يُصبحوا بالغين لهم خيار الإلتحاق بدول الذكور العدوانية، أو البقاء في جمهورية تحكمها النساء بإسم الأمومة المقدسة وشرعها العادل...
انتفضنَ لأجل أطفالنا وأمانهم، لنجعل من بغداد جمهوريتنا المُصانـة بقوة حب الأم لجنين ينمو في أحشـائها، ولتكن بذرتها حشـودنا الثائرة تحت رايـة جواد سـليم في سـاحـة التحرير، فهو لم ينـسَ المرأة وثورتها وحصتها في منحوتاتـه..، نحن أحق ببغداد من القتلـة، إشـحذنَ المخالب، وحاربنَ لأجل حق الطفولـة في الحياة الآمنـة المسـتقرة، نظفنَ بذات الأسـلحـة التي حرمت أولادنا حياتهم المناطق التي تعفنت، وأسـنت، وكثرت فيها الطحالب حتى أصبحت خضراء، وسُـميت كذلك، دعنَ بغداد تُصبح جمهوريـة حب تضع حق النسـاء في حياة كريمـة من أولوياتها، وتؤمن مسـتقبل بنات الضحايا في الحروب الذكوريـة التي لا تنتهي، يبتعد فيها الأطفال عن رؤيـة الدم، والعنف اليومي؛
"نسـوان سـتان" حلنا الوحيد إزاء مصير دموي وحتمي، إني لا أراها مجرد حُلم، بل ضرورة يفرضها الواقع، الأم أولى بالحكم من ذكر لا يثأر ضد ظلم، ولا تأخذه غيرة على وطن، ولا يرى أبعد من شـهواتـه، وليـس لـه من دافع لحمايـة أولاده، نحن من أنجبنا كل من يمشـي على الأرض، وما من رجل كان أو يكون دون تضحياتنا التي لا يُقدم عليها سـوى مخلوق شـجاع اسـمه المرأة، ولأنها من صنعت الحياة فليسـت بقاصرة عن إدارة شـؤونها دون سـطوة الذكور، وإن كان حملهم للسـلاح لغرض قتل الإنسـان، فليـس سـوانا من يحمل السـلاح لأجل البقاء والحريـة والعدل...
هذه سطور كُتبت بدوافع خلقتها جرائم الذكور بحق الإنسانية، ومادامت قد ظهرت إلى الوجود بحكم أسبابها، فإني على ثقة كاملة أن ملايين من النساء بلغنَ وسيبلغنَ ما ذهبت إليه، ويفتحنَ مغالق الطُرق التي أفضى إليها عنف الذكر، واستحواذه على السلطة نحو عودة مفاتيح الفردوس لمالكتها الأولى، المرأة الجميلة، الأم الحنون، إن غداً لناظره قريب يا أمهات العراق، ومؤسسات جمهورية "نسوان ستان" على ضفاف دجلة، ومسافة الألف ميل تبدأ بخطوة، والخطوة الأولى قد بدأت بمقالتي هذه، وسيليها حتمية الثورة النسوية مع استيفاء كل مقومات نشوئها، ونجاحها في الوصول لأهدافها دون شك، لنا بغداد وما فيها، لتعلو أصواتكنَ الرائعة في ساحة التحرير بهتاف واحد، لأجل هدف واحد، فمن ارتضوا التقسيم بخضوع شديد، عليهم أن يستجيبوا لإرادة النساء، قد عدمت الخيارات أمامنا، ومن هنا عليكن السير نحو "نسوان ستان" بخطى ثابتة وواثقة، في سبيل ما أنجبت البطون نجعل المستحيل ممكناً، وللجبناء أن يكسروا حدودنا القائمة تحت شعار:
(شحده اليوصل يم حدنا)*......
__________________________________________
*مثل عراقي يعني: لن يستطيع أحد بلوغ حدودنا.
واقرأ أيضاً:
طبيب جراح!!! / بوش دمّر العراق بحثاً عن يأجوج ومأجوج! / دعوا العرب يقضون على أنفسهم بهدوء!!!