دخل الرئيس السيسي إلى قصر الاتحادية في سيارة جيب يقودها بنفسه ونزل برشاقة وخطوة عسكرية متجها نحو البهو الرئاسي... كانت تنتابه مشاعر متناقضة حاول السيطرة عليها حتى لا تحدث له ارتباكا.. كان يشعر بالنشوة والانتصار.. لقد نجح في كل ماخطط ورتب له, أصبح زعيما شعبيا محبوبا, أطاح بالإخوان وأبعدهم عن المسرح السياسي ووجه ضربات قاسمة للتنظيم, أعاد الهيبة والقبول بل والمحبة للمؤسسة العسكرية على المستوى الشعبي.... ولكن مع كل هذا يشعر بحالة من الانقباض تعكر عليه صفو فرحته... أن الأيام القادمة ستكون أصعب أيام حياته, هو لم يتعود على البذلة المدنية بل كان يشعر بالارتياح في البذلة العسكرية, لم يتعود على الجدال والمناقشات السياسية العقيمة ولف ودوران ومكر السياسيين, كان يشعر بالارتياح والأمان وسط ضباطه وجنوده.
جلس على الكرسي في مكتب الرئيس ورجع بجسده للخلف وأخذ نفسا عميقا وهو يمسك بجوانب الكرسي ويستشعر حالة التمكن والاستقرار ويجيل ببصره في أنحاء المكتب الرئاسي وكأنه يرى هذا المكتب لأول مرة, طلب من سكرتير مكتبه أن يتركه لحظات ولا يحول له أي اتصالات, كان يريد ولو عدة دقائق يخلو فيها بنفسه بعد أحداث ومعارك جسيمة في الشهور الماضية, صحيح هو يشعر بالانتصار والسيطرة والتحكم في الأحداث, ولكن مازال تحت هذا الكرسي العديد من القنابل القابلة للانفجار في أي لحظة, الإخوان وأعوانهم لن يسكتوا ولن يتركوه يستمتع بالهدوء والاستقرار, معلوماته الاستخباراتية تؤكد أنهم ليسوا بالسهولة التي يتحدث عنها الإعلام الموالي له, رجال الحزب الوطني يريدون العودة للصدارة السياسية وهذا يسبب له حرجا شديدا, صحيح هما عملوا حاجات مهمة غيرت توجهات الرياح السياسية
لكن ظهورهم سيسبب حرج شديد له, شباب الثورة مش عاجبهم الأوضاع الحالية وممكن يعملوا دوشة ومشاكل في الأيام الجاية, توقعات الناس مالهاش حدود وعايزين الرئيس يحقق لهم أحلامهم وهما قاعدين تنابلة أو نايمين في الخط... كمان الشعب المصري متقلب جدا وعصبي في الفترة الأخيرة وبينتقل من الحب للكراهية والانتقام بسهولة... ما يغركشي كلامهم الحلو دلوقتي .
حاول الخروج من هذه الأفكار والمشاعر المختلطة فطلب من مدير مكتبه عمل بعض الاتصالات:
- ألف مبروك ياريس
- شكرا أستاذ هيكل... طبعا ما ننساش أفكارك ومقترحاتك ومجهوداتك العظيمة في المرحلة السابقة, وده اللي كنا متوقعينه من رمز وطني زي حضرتك
- كلنا كنا جنود بندافع عن مستقبل واستقرار البلد, وده أقل واجب أقوم بيه في نهاية حياتي علشان أطمئن على مستقبل ولادي وأحفادي
- مقدرين مجهودك يا أستاذنا
- على الرغم من فرحتي باللي اتحقق, لكن من واجبي أقول لحضرتك الأيام الجايه مش هاتبقى سهلة, فيه مخاطر كتير متوقعة وأنا واثق إنك هاتقدر تتجاوزها, أنا حاسس إنك هاتقوم باللي ماقدرش عليه عبدالناصر والسادات, والشارع معاك وسعادتك بتفكر وتخطط كويس
- شكرا يا أستاذ وربنا يديك الصحة, ودايما تلهمنا بأفكارك ومقترحاتك القيمة
اتصال آخر :
- صباح الخير يا فندم
- ألف مبروك يا سيادة الرئيس
- لا ياريت تقوللي ياعبدالفتاح زي ماتعودت منك يافندم
- إنت عملت حاجات مهمة ياعبدالفتاح.. رجعت القيمة والاحترام للعسكرية المصرية.. وحطيتها في المكانة اللي تليق بيها في الخريطة المصرية (كان المتحدث مجهدا ويبدو أنه يعاني من متاعب صحية)
- أنا النهاردة حاسس إني رجعت لحضرتك حقك... ما تتصورش أد إيه يا سيادة المشير كنت حاسس بالألم يوم ما أعلن مرسي إقالتك إنت والفريق عنان, كنت حاسس ساعتها بانكسار وهزيمة, وأقسمت إني لازم آخد حقك وأعيد الأمور لنصابها ويرجع الحق لأصحابه
- شكرا ليك يا سيادة الرئيس عبدالفتاح
- ربنا يخليك لينا يافندم, إحنا اتعلمنا من سيادتك الوفاء لمصر وللمؤسسة العسكرية العظيمة
مدير المكتب يخبره بوجود وفد من الإعلاميين حضروا للتهنئة, بدأ الرئيس متململا ومجهدا ومترددا في قبول الزيارة, وفهم مدير المكتب مايدور بداخله فسارع بقوله:
- دول تعبوا معانا كتير يافندم, بالذات لاميس وعمرو وإبراهيم وأحمد وعبدالحليم وصلاح
- خليهم يدخلوا
كان اللقاء بالإعلاميين صاخبا وفيه الكثير من الابتسامات المصنوعة والمجاملات المبالغ فيها, وكان الرئيس يشعر بعبء هذا اللقاء على الرغم مما قدمه هؤلاء الإعلاميين له في الشهور الماضية, لسبب ما هو لا يطمئن للإعلاميين يشعر بحسه المخابراتي بأنهم سلاح مزدوج يمكن أن يوجه ضده في أي وقت.
بعد انتهاء اللقاء طلب سجادة ليصلي الظهر, وكان يطيل السجود ويترك جبهته تحتك بالسجادة, فهو سعيد بعلامة الصلاة التي بدأت تزداد وضوحا في الفترة الأخيرة. بعد الانتهاء من الصلاة بدأ يدعو الله أن يوفقه في مهمته الصعبة, فاقتحم وعيه فكرة وجود أناس يدعون عليه في صلاتهم ليلا ونهارا بسبب قتل ذويهم أو اعتقالهم في الأحداث... حاول أن يهرب من هذا الخاطر ويقول لنفسه: أنا فعلت ذلك من أجل إنقاذ البلد من حرب أهلية. وقام واتجه إلى الحمام الملحق بالمكتب ليغسل يديه عدة مرات, فهو يشعر في الفترة الأخيرة برغبة ملحة في إعادة غسيل يديه على الرغم من أنها تبدو نظيفة .
مدير مكتبه يدخل عليه مرتبكا... مبارك على التليفون
- ألف مبروك سيادة الرئيس وربنا يوفقك
- شكرا يافندم وياريت دايما تقوللي ياعبدالفتاح زي الأول إحنا كلنا أبناء وتلاميذ حضرتك
- أنت أنقذت مصر من الإخوان ومن الفوضى يا عبد الفتاح, وأنا متابع الأحداث وكنت متأكد أنك هاترجع الأمور لنصابها, إنت انتصرت لكرامة العسكرية المصرية, بس خد بالك فيه مشاكل كتير مستنياك البلد في حالة صعبة والمتربصين بيك كتير بره وجوه ومش هايسلموا بسهولة
- شكرا يافندم, ودايما هاتكون حضرتك أستاذنا ومعلمنا, وأكيد هانحتاج توجيهات سيادتك ونصايحك, واسمح لي أزور حضرتك في أقرب فرصة
- شكرا يا عبد الفتاح ربنا يوفقك, بس كان لي طلب بسيط عندك, علاء وجمال مالهمش ذنب في حاج ومفيش عليهم حاجة تستاهل فياريت تساعد في خروجهم, أما أنا مايهمنيش حاجة أنا كبرت وماتفرقش معايا أكون في البيت أو في مستشفى المعادي
- أوامرك يافندم... اطمئن سيادتك خدمت مصر كتير وليك في رقبتنا دين كبير وسيادتك علمتنا الوفاء والإخلاص والتفاني لقياداتنا ولمصر
مدير المكتب: فضيلة الشيخ على جمعة منتظر يافندم جاي يهني سيادتك
- خليه يدخل بعد شوية بس ياريت تستدعي مندوب الكنيسة والأزهر وبتوع حزب النور علشان يكتمل الوفد الديني
وكمان يافندم شباب تمرد ومجموعة من شباب جبهة الإنقاذ
- خليهم بعدين مافياش دماغ ليهم دلوقتي
ووفد سيدات مصر يافندم جايين يهنوك
- خليهم يدخلوا فورا (وسمعت أصوات الزغاريد تملأ جنبات قصر الاتحادية, واستمر اللقاء عدة ساعات ظهر بعدها الرئيس في غاية السعادة)
فيه مجموعات من شباب التيار الشعبي والشباب الثوريين ومعاهم مجموعة من الإخوان جايين ناحية قصر الاتحادية وبيهتفوا وشايلين لافتات بتندد بالتزوير في الانتخابات وبتهتف: يسقط يسقط حكم العسكر
- أي حد يقرب من القصر أو يطول لسانه اضرب بالنار إحنا مش هانهزر من هنا ورايح , كفايه كده فوضى ولعب عيال ومؤامرات عايزين نشوف شغلنا, اطلبلي محمد ابراهيم على التليفون وكمان قائد الحرس الجمهوري والشرطة العسكرية.
واقرأ أيضاً:
الجماهير .. من السوقة والدهماء إلى عصر المجتمع المدني/ فوبيا المعارضة !/ طبيعة السلطة القادمة/ بروفايل مرشحيّ الرئاسة/ مناظرة لم تتم