دولنا في بداية القرن العشرين كانت مُستعمَرة، ولم تتحرر من الاستعمار كما توهمنا إلا لبضعة عقود، وبعضها بقيت مستعمرة بصورة غير مباشرة، وفي فترة اللا استعمار فشلت دولنا في صناعة وجودها القوي المعاصر الذي يمنع الاستعمار المباشر، وفي بداية القرن الحادي والعشرين، قدمنا الأدلة الدامغة على أننا مجتمعات غير قادرة على المعاصرة والاستثمار الاقتصادي النافع لدولنا ومجتمعاتنا، فأمعنا في تبذير ثرواتنا وتسخيرها لقتل الشعب وتدمير البلاد.
ووفقا لذلك قدمنا بطاقة دعوة للدول الأخرى لإعادة استعمارنا، وحاولت الدول الاقليمية القيام بالمهمة أنها اتجهت نحو الدين وسخرته لأغراضها مما أطلق نزعات وأوهام بناء دولة الخلافة وفقا لرؤية الساعين إليها، وفي هذا الخضم المضطرب الذي عجزت الدول الإقليمية على التفاعل معه بعقلانية وذكاء، صار من الواجب أن تنهض النوازع الاحتلالية الكامنة في الدول ذات الخبرات والقدرات على احتلال غيرها واستعمارها.
وبما أن الدول القوية تواجه أزمات اقتصادية صعبة، وهي التي تعلمت أن احتلال الدول الأخرى من أهم أعمدة الاقتصاد وروافده، خصوصا عندما تكون الدول التي تسعى لاستعمارها ذات ثراء وموارد طبيعية هائلة، ولا تمتلك قدرات توظيفها واستثمارها، وهذا يعني أن الدول العربية الثرية ستكون من ممتلكات الدول القوية حتما، باحتلال مباشر أو غير مباشر، وأن إرادة دول المنطقة سيتم مصادرتها وتسخيرها لدعم مصالح واقتصاد الدول التي قررت استعمارها.
ويبدو أن الدول القوية قد وضعت خرائط تقسيم غنائمها الجديدة التي عجز أهلها عن الحفاظ عليها والتفاعل المعاصر معها، مما سيتطلب استحداث وزارات للمستعمرات فيها، كما كانت في بداية القرن العشرين.
ويظهر أن الدول القوية ستتحاصص في الدول التي ستستعمرها، وهذا يعني أن الهدف كان مرسوما قبل احتلال العراق، ولهذا تم استدراج الذين ارتضوا بالمحاصصة الطائفية، التي أدت إلى تداعيات أسست لتسويغ الاستعمار الجديد، فالاستعمار صار حالة مطلوبة بعد أن ثارت براكين الديمقراطية المزعومة وجعلت الناس معبأة ضد بعضها البعض، حتى صار الناس يستغيثون بأباليس الشرور لتخليصهم من هذا المصار الجحيم.
فقد أصبح واضحا فشل جميع الحكومات التي جاءت بعد انهيار العراق دولة وجيشا بعد السقوط الاحتلالي، وتمزق المجتمع ودمار البلاد وتهجير الناس داخليا وخارجيا، وتبين بعد ذلك أن لا حل ولا مخرج من المأزق المروع إلا بإعادة الاستعمار، الذي ربما يمكنه أن يضبط الأمور ويحمي البشر من عواصف الشرور التي ترفع رايات الدين.
ذلك حال محزن ومهين، لكننا صعدنا إليه بمحض اختيارنا، فالعالم أصبح حالة واحدة تتأثر بما يتحقق في أي جزء منها، ودوله تتحرك وفقا لمصالحها وبسرعة متوافقة والعصر، ولهذا فإنها ستجد استعمار مصادر المخاطر والثروات من مصالحها القصوى!!
وما أسعد الذين اكتفوا بغيرهم لتحقيق مصالحهم!!
واقرأ أيضا:
الاحتلال الصهيوني... فريدٌ من نوعه!! / الإبرة الفلسـطينيـة في مواجهـة الاحتلال والاغتصاب / رضيع فى زنازين الاحتلال