الروائي إبراهيم عبد المجيد والذي يبدي استياءه من المزايدات بشكل عام في الحياة الثقافية المصرية، يرى أنه لا يمكننا معاقبة الفلسطينيين في الداخل بسبب وجودهم على أراضيهم الفلسطينية، فتمسكهم بأرضهم لا يجب أن يقابله المقاطعة من طرفنا. حتى موضوع الحصول على التأشيرة الإسرائيلية للدخول إلى الضفة والذي يثير الحساسية لدى بعض الكتاب العرب، يرى عبد المجيد أنه يمكن التحايل عليه بطرق مختلفة وبالتنسيق مع السلطة الفلسطينية.
"يجب أن نزور الفلسطينيين والمناطق التابعة للسلطة الفلسطينية لدعمهم ومؤازرتهم. لكن الأمر يحتاج إلى قرارات من اتحاد الكتاب والنقابات الفنية لإعادة النظر في تعريف التطبيع وكيفية ألا يتحول لمقاطعة للفلسطينيين." يقول عبد المجيد الذي يرى أيضاً أن مثل هذه القرارات تستغل كثيراً في صراعات الكتاب الشخصية، فلا يمكن التحقيق مع كل كاتب يزور مكانا ما، ويتحول الأمر إلى قضية وصراع بين الكتاب لا طائل منه على حد تعبير عبد المجيد، وإعادة النظر في مسألة التطبيع مهمة ليست فقط بالنسبة لفلسطين بل أيضاً للتخلص من هذه الصراعات بين الكتاب وبعضهم.
تتغير الظروف السياسية سريعاً في المنطقة، ومعها الكثير من المواقف والقناعات الثقافية، بعضها تسقط وأخرى يعاد النظر فيها، لكن التطبيع والعلاقات مع إسرائيل والموقف من المسألة الفلسطينية من أكثر المواقف الثابتة وموثقة بقرارات لعقود دون أن يقترب منها أحد أو تطرح حتى للنقاش.
محمد سلماوي رئيس اتحاد الكتاب يؤكد أنه طبقاً لقرارات الاتحادات والنقابات المصرية الواضحة فأي دخول للأراضي الفلسطينية وهي تحت الاحتلال محظور. لكن سلماوي اعترف أيضاً أننا في حاجة إلى إعادة النظر في مفهوم التطبيع نفسه. قائلاً: "البعض يتصور أن التطبيع ومعاداته تصور ثابت ودائم لا يقبل المناقشة بينما الحقيقة أنه تطور ويتطور على مدى السنين".
يضرب سلماوي مثالاً على تغيير المفهوم بفلسطيني الداخل الذين يحملون جوازات سفر إسرائيلية، فقبل معاهدة السلام وتبادل السفارات كانوا ممنوعين من دخول مصر لأن جوازات سفرهم إسرائيلية، لكن بعد ذلك تغيير هذا المفهوم وأصبح يتم التعامل مع فلسطيني الداخل كفلسطينيين بغض النظر عن الجوازات التي يحملونها. ففي النهاية هذا الشخص فلسطيني عربي تمسك بأرضه ورفض مغادراته وإسرائيل تطارده وتعاقبه على ذلك فلا يمكن أن نعاقبه نحن أيضاً. تغيير هذا المفهوم هو الذي سمح لسميح القاسم بزيارة القاهرة أكثر من مرة وبدعوته هو وغيره من فلسطيني الداخل للفعاليات الثقافية والفنية التي كانت تقام في القاهرة.
الآن الأوضاع السياسية في المنطقة تغيرت ومنطق الصراع نفسه يتطلب منا إعادة تقييم المواقف القديمة. يعلق رئيس اتحاد الكتاب العرب: "اليوم الفلسطينيون أنفسهم ينادون علينا ويقولون لا تتركونا وحدنا مع الإسرائيليين، وليس مقبولاً أبداً أن الأجانب يسافرون ويتضامنون مع الفلسطينيين على الأرض ويضحون بحياتهم كحالة راشيل كوري التي ضحت بحياتها أمام الجرافات الإسرائيلية بينما العرب يمتنعون تحت دعوى رفض التطبيع". سلماوي يرى أن منطق ووضع الصراع الآن يحتاج إلى أقصي درجات التضامن العربي فزيارة السجين ليست تطبيعا مع السجان. الأراضي الفلسطينية يتم استلابها وشراؤها من قبل رجال أعمال إسرائيليين فلماذا لا يساهم الأغنياء العرب في هذا الصراع على المستوي الاقتصادي؟؟ ولماذا لا يشترون أراضي وبيوتا في الضفة والقدس القديمة، وينقذون المباني الأثرية التي تشتريها إسرائيل وتغير معالمها في عملية مستمرة لطمس معالم وهوية المدينة.
سلماوي كشف لأخبار الأدب أنه تلقى دعوة من محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية لزيارة الضفة والأراضي الفلسطينية وخاطبه عباس بصفته ممثلاً لاتحاد الكتاب وقال إن فلسطين تحتاج إلى دعم الكتاب المصريين والعرب. وكان رد سلماوي على دعوته أن الأمر يحتاج إلى قرار من اتحاد الكتاب العرب وللوصول إلى هذا القرار نحتاج إلى النظر في مفهوم التطبيع على ضوء المتغيرات.
لكن في ذات الوقت يرفض سلماوي التحرك من خلال مواقف فردية، يقول موضحاً: "أن يذهب شاعر أو كاتب إلى فلسطين منفرداً هذا لن يحل المشكلة ولن يغير الموقف القائم". بل نحتاج إلى النقاش أولاً وطرح الأفكار والمواقف القديمة للنقاش، وبناء على دعوة محمود عباس عرض محمد سلماوي أمر الدعوة على اتحاد كتاب فلسطين الذي أكد وكرر دعوة محمود عباس، وأن الكتاب والفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية يحتاجون إلى دعم الاتحاد.
سلماوي أوضح أن مسألة إعادة النظر في التطبيع ومفهومه ومعناه طرحت للنقاش داخل أروقة الاتحاد، والفلسطينيون يقولون إن هناك وسائل أخرى لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي غير المقاطعة الكاملة والتي يقع تأثير الجزء الأكبر منها على الفلسطينيين. الحل الذي يقترحه سلماوي يقضي أولاً بمؤتمر نستمع فيه أكثر إلى آراء الفلسطينيين في هذا الأمر لكي نصل إلى تعريف واضح للخط الفاصل بين التطبيع والدعم، وكيف لا تتحول مثل هذه الزيارات أو غيرها من أشكال الدعم إلى نوع من الاعتراف ومنح الشرعية للاحتلال الإسرائيلي. بعد ذلك يجب وضع تعريف جديد للتطبيع بإجماع المشاركين، ويعبر عن وحدة الصف العربي والكتاب العرب. لكن حتى يحدث كل هذا فأي تصرفات فردية تعتبر خرقا لقرارات الاتحاد وخروجاً عن الإجماع العربي وهي مرفوضة.
يختلف الروائي يوسف القعيد مع الرؤى السابقة، ويتساءل : "ما الذي تغير في موقف العدو الصهيوني من القضية الفلسطينية حتى نعيد البحث أو التفكير في موقفنا؟". القعيد أكد أنه شخصياً تلقى دعوات بعضها كان من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبو مازن لزيارة الضفة لكنه رفض قائلاً بأنهم يمنحوني جواز مرور لكن يظل الزائر في حاجة إلى تصريح من قوات الاحتلال وهو ما يرفضه. واعتبر القعيد دعوات سلماوي وإبراهيم عبد المجيد لإعادة النظر في قرارات اتحاد الكتاب تعبر عن أرائهم الخاصة معبراً في الوقت ذاته عن قلقه من توقيت طرح مثل هذه المبادرات قائلاً: "هناك تقديرات إسرائيلية بأن انتفاضة ثالثة على الأبواب لن تبقي ولن تذر، وهناك محاولات على كافة الأصعدة لاحتواء هذه الانتفاضة وتخفيف الاحتقان في الضفة تبدأ من لقاءات تجمع نتنياهو بملك الأردن والرئيس الفلسطيني، لذلك فدعوات زيارات الكتاب إلى الضفة الآن، تدخل تحت باب تخفيف هذا الاحتقان".
يتمسك يوسف القعيد بموقف اتحاد الكتاب الآن معتبراً أي زيارة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة تطبيع واضح وصريح، طالما تطلب هذه الزيارة الحصول على إذن من قوات الاحتلال.
واقرأ أيضا:
الجدار العازل وأزمة الإدراك وغياب الفهم/ شيِّد جدارك/ على باب الله: هدم جدار، وبناء حائط!!/ تفجيرات القطاع ذات ألوان إسرائيلية/ رحيل تشافيز.. في الفكر السياسي الإسرائيلي!/ القدس تعود إلى مدينة داوود!