تعلّمنا المزيد من الدروس السياسيّة والأمنيّة وكل ما يتعلق بهما، من خلال تعاملنا مع الجانب الاسرائيلي، وعلى مدار ما يقرُب من عقدين ونصف من التفاوض السياسي، برعاية أميركية ورغبة أوروبيّة، وأكثر ما تعلّمناه في الشّق السياسي، هو أن إسرائيل لم يكن في نيّتها فعل السلام العادل مع الفلسطينيين، بل السلام الذي تريده هي، وإن كان ليس بالإمكان الحصول عليه، فإنها تسعى إلى أن يُشاركها الفلسطينيون إدارة الصراع عِوضاً عن حلّه، ولا تمانع بالمرّة، في أن تستمر الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيين في تمويل تلك الإدارة كأيّة مشاريع أخرى.
وتعلّمنا أيضاً، بأن الجانب الإسرائيلي مسموحٌ له، لفعل ما يحلو من ممارسات أمنيّة، من ملاحقة واعتقال وقتل مطلوبين فلسطينيين، من دون مراجعة أو حساب، في مقابل أنه محظورٌ على الفلسطينيين الإتيان بأيّة حركة باتجاه إسرائيليين، وإلاّ فسيتكوّن عليهم أشد العقاب، وذلك بسبب أن تقديراته الأمنيّة، لها مكانة مقدّسة بالنسبة له، سيما وأنها تتطلب الحراسة الفلسطينية أولاً، لتسمين الأمن الإسرائيلي، بناءً على ما كُتب في اتفاق أوسلو، بوجوب ضمان الأمن من ناحية الفلسطينيين أنفسهم، ومن ناحية قدوم أعداء غرباء محتملين أيضاً، على الرغم من تأمين ناحيتيها الغربية بالنسبة إلى مصر، والشرقيّة كما حدث مع المملكة الأردنيّة، إضافةً إلى متطلبات الحماية الأمريكية والأوروبية، وبالتأكيد الحماية التي تعتمدها في الدفاع عن نفسها وبقواها الذّاتية.
لا تكفي إسرائيل أطياف الضغوطات الدولية نتيجة التعطّل السياسي مع الفلسطينيين وتدهوره، بسبب نواياها المتباعدة، وبسبب نشاطاتها الاستيطانية وانتهاكها المقدسات، سيما وأن الحديث الآن يدور عن جريمة مدوّية أخرى اقترفتها بنفسها، كونها قررت لجيشها استعمال المزيد من الامتيازات الإرهابية في مواجهة الفلسطينيين، حيث تم استهداف الوزير المناضل، رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، وعضو المجلس الثوري لحركة فتح "زياد أبو عين" أثناء فعاليّة وطنية، لزراعة أشجار الزيتون، في قرية ترمسعيا إلى الشمال من مدينة رام الله، والتي صادفت مناسبة إعلان حقوق الانسان العالمي، حيث أطلقت عليه قوات الجيش الإسرائيلي قنابل الغاز المسيلة للدموع، وتم ضربه بأعقاب البنادق بشكل مُميت، ليضاف إلى جرائمها الدموية بحق الفلسطينيين وعلى مدى الزمن.
كونه غنيٌ عن التعريف، فإننا لسنا بمعرض الحديث عن الوزير "أبو عين" ونضالاته بداية بمواقفه البطولية ومروراً بصبره على إصاباته المتعددة، خلال قيادته ومشاركته في العديد من فعاليات المقاومة الشعبية، التي جابت أنحاء المناطق الفلسطينية، سواء في باب الشمس، عين حجلة، أو المناطير، وغيرها من مواقع الاشتباك مع المحتل، فهذه مُضافة في سجلاّته الوطنية، ولكننا نسعى إلى التركيز على توضيح الصورة بأن إسرائيل لا يهمها السلام، ولا الاهتمام بمتطلباته، ولا يهمها توسيخ صورتها لدى العالم أيضاً، بسبب أنها معتادة على الحرب وعلى الغطرسة معاً، ويسرّها بالمقابل أن تزداد الأوضاع السياسية والأمنية سخونة، ويسرّها أكثر، إضاعة الفرص وتمويت السلام، وكأنها في الجادّة البعيدة، حيث لا تصلها أنباء أن المنطقة فوق الرماد، وتُنذر بما ليس بمرغوب.
بالتأكيد، ليس مهمّاً معرفة المواقف الوطنية الفلسطينية، من الجريمة الإسرائيلية، في كيفيّة شجبها واستنكارها أو في كيفية نعي الشهيد وتعداد مناقبه، وسواء تعلق الأمر بالسلطة الفلسطينية أو بحركات وفصائل كحركة حماس والجهاد الإسلامي والشعبية وغيرها، ولكن تهمّنا الأفعال ضد هذه الجريمة والجرائم الفائتة، والتي ضمت الآلاف الذين اغتالتهم آلة البطش الصهيونية، كونها لا تسقط بالتقادم، وبخاصةً أن إسرائيل تماطل كعادتها بشأن الاعتراف بجريمتها، حينما تورد حسب معلوماتها، بأن "أبو عين" استشهد، نتيجة نوبة قلبيّة وليس بسبب العنف الإسرائيلي، على الرغم من اعتذار وزير الجيش "موشيه يعالون" فيما بعد.
لقد حان وقت الجواب، على إسرائيل ككل -يمينيّة أو يساريّة- بشأن جرائمها السياسية والأمنية، والتي لا نقول بالرد الأمني أو بشكاية إسرائيل أمام محكمة ما، لكن نقول بدايةً، بضرورة تحشيد كل القوى -فتح، حماس، الجهاد والفصائل الوطنية الأخرى- في خندقٍ واحدٍ، لا في خنادق متعددة، والعمل على وقف كل أشكال التعاونات معها، بما فيها اتفاقات التنسيق الأمني، سيما وأننا طرِبنا لدى سماعنا بأن السلطة الفلسطينية، قد لوّحت بوقفه مجدداً، ترتيباً على هذه الجريمة.
خانيونس/فلسطين
10/12/2017
واقرأ أيضا:
عودة إسرائيل إلى جبل الهيكل!/ القوّة وحدها لا تُعيد الهدوء والاستقرار!!/ القدس تعود إلى مدينة داوود!/ خطط إسرائيلية غير قابلة للنجاح!