قد تكون مصر من الدول الأكثر غنى في عدد الثورات التي قامت بها بدءاً من ثورة عرابي ومروراً بثورة 1919 و 1952 و 2011 و 2013، فضلاً عن ثورتي القاهرة الأولى والثانية.
وقد تكون مصر - أيضاً - من أغنى الدول التي شهدت على أرضها أحداثاً تاريخية جساما، بعضها غير الكثير من موازين القوى في المنطقة.
لكن تظل الثورات الحدث الأبرز في تاريخ الشعوب، وعادة ما تضيع تفاصيلها وسط الأحداث الكبرى التي نتجت عنها ومع مرور الوقت يختلف تقييمها من لحظة لأخرى، فمثلاً ستظل ثورة 1952 هي الثورة التي استمد منها جمال عبدالناصر والسادات ومبارك شرعيتهم، وأتذكر هنا أن إحسان عبد القدوس ذكر في كتابه "على مقهى في الشارع السياسي" إنه إذا كانت مصر تريد أن تنتقل إلى وضعية أخرى، لابد من قيام ثورة جديدة، لأن هناك فارقا بين أساس الحكم وأصل الحكم، بهذا المعنى "جمال، السادات، مبارك" يعودون لأساس واحد هو ثورة 1952، سواء حافظوا على مبادئها أو خالفوها، لذا فثورة يناير أسست بلا شك لأصل جديد للحكم في مصر.
لكن يظل لدينا دائما مشكلة أساسية هي من يكتب التاريخ ومن ثم الثورات، التي - في أحيان كثيرة- تختطف سواء من جانب جماعة أو مجموعة من المؤرخين والكتاب الذين يكتبون الأحداث من خلال قناعاتهم ورؤاهم التي يمكن أن تكون في بعض الأحيان رؤى ضيقة.
ولأننا جيل لم يدرك سوى ثورة يناير وموجتها الثورية في 30 يونيو 2013، ويريد أن يحافظ على تاريخ هذه الثورة من الضياع، بل ويرغب في أن تتم قراءة تاريخ مصر كله بشكل أقرب للموضوعية، لذا أقترح على المسئولين في الدولة أن نفكر بشكل جدي في متحف للثورات المصرية.
فهذه الثورات لم تكن مجرد ساعات أو أيام ثار فيها الشعب، بل هي الحاملة للكثير من الأحداث التاريخية الكبرى، وترتب عنها الكثير من الأوضاع سواء في الحكم أو في مؤسسات الدولة، فعلى سبيل المثال كل الثورات نتج عنها دساتير، في وقتها كانت عاكسة لتوجه هذه الثورة أو ذاك، ولكن أول شيء تفعله أي ثورة هو المطالبة بتغيير الدستور، لأن الزمن قد تجاوز الدستور القائم، فلماذا لا يكون ضمن هذا المتحف ركن لهذه الدساتير والقراءات المختلفة لها، كذلك - مثلا - يكون لدينا ركن لأسباب هذه الثورات وأحداثها والنتائج التي ترتبت عليها، أن يكون هناك قسم لزعمائها ومؤيديها، وقسما آخر للشهداء الذين دفعوا الثمن غالياً لتحرير بلادهم، إن قيمة هذا المتحف أنه سيكون شاهدا على الثورات المصرية ومؤرخاً لها، ولن يكلف الدولة الكثير، بل يمكن أن يتم على خطوات، الأولى أن نعد مكتبته الخاصة بالإصدارات التي تناولت الثورات المصرية وكذلك الأعمال الإبداعية التي عبرت عنها، الخطوة الثانية أن نجمع الصور الفوتوغرافية والجرافيت، الخطوة الثالثة أن نعد المكتبة الفيلمية، إلى غير ذلك من الخطوات أو المراحل المختلفة لإنشاء هذا المتحف، الذي أتمنى أن نضع حجر أساسه قريبا.
واقرأ أيضًا:
الاغتيال المعنوي / انتبه.. العربة تجنح يسارا (2 من 2) / أنـا السيسي / مصر بعد الانقلاب: الأمن عاد، والخوف ساد!