إن الحركـة الصهيونيـة العالميـة وأداتها التنفيذيـة الوكالـة اليهوديـة، هما جزء أصيل من فكر وأدوات النظام الرأسـمالي العالمي؛ حيث نشـأت وترعرعت وأخذت "شـرعيتها" من هذا النظام حتى وصلت إلى تحقيق فكرتها الأسـاسـيـة وهدفها المادي بإقامة "وطن قومي لليهود" في فلسـطين...
حيث أن ما أبقى الحركة الصهيونية ليس فقط على قيد الحياة... بل قوية ومُقررة في سياسات العديد من الدول، وخاصة العظمى، هو نجاحها في إقامة دولتها على أرض فلسطين بدعم مطلق وشامل وعلى كل المستويات من الدول الإمبريالية وخاصة من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية...
إن كل من يحرص على بقاء هذه الدولة ليست طبعاً من منطلق الحرص على حل ما يُسمى بالمسأله اليهودية أو إنقاذ اليهود من "إضطهاد الغير" ـــــ هذا "الغير" المبهم ـــــ بل لأن وجود (إسـرائيل) هو مصلحـة رأسـماليـة ـــــ إمبرياليـة بحتـة عسـكرياً واقتصادياً وآيديولجياً... ولأن الدين وما ينبثق عنه من تفرعات آيديولوجية كجزء من الآيديولوجيات السائدة في مجتمعات هذا النظام ـــــ عملت هذه الأنظمة على تعميق وترسيخ التخلف في دفاعها عن القلاع الخرافية للصهيونية الدينية من خلال صهينة الديانات الأخرى وخاصة المسيحية؛ فأصبحت الصهيونيـة المسـيحيـة تُمثل نفـس الخطر ـــــ إن لم يكن أكثر من الصهيونية اليهودية، حيث أن كلاهما رجعي وبامتياز...
عشية الحرب الاستعمارية على العراق والمنطقة؛ صرَّح (جورج بوش) الابن "ليـس كل صهيوني يهودي؛ هنالك صهاينـة من غير اليهود تجمعهم نفـس المصلحـة مع الصهيونيـة اليهوديـة"، إن الصهيوني ليس بالضرورة أن يكون منظم في احدى المنظمات الصهيونية يدفع إشتراكه الشهري لها، إن الصهيونية تموّل كل من يُدافع عنها ـــــ رغم أنه يوجد مدافعين مجانيين ـــــ وتمده بكل مقومات القوة التي بحوزتها لكي تحصل على دعم سياسي وفكري يصب في دعم شرعيتها المزيفة التي هي هاجسها الرئيسي والجوهري وخاصة في ظل ازدياد وتعمق وعي الشعوب والعديد من قواها السياسية والمجتمعية على الخطر الذي يُهدد مجتمعاتها من آفة الصهيونية التي تُمارس سياسة التخريب المجتمعي أينما استطاعت لتسهيل سيطرة النظام الرأسمالي التي هي جزء منه، لأن خراب أوطان الآخرين هو مصدر قوتها...
ببسـاطـة تبدأ صهيونيـة الفرد أو الحزب أو الحركـة عندما يبدأ دفاع هولاء عن "شـرعيـة" وجود هذه الدولـة المغتصبـة الفاشـيـة الدمويـة الإرهابيـة التي هي خارج التاريخ الحقيقي وعلى هامشـه، إن هذه "الدولة" تُمثل خط الدفاع الأول والمتقدم في أهم منطقتين من العالم ـــــ الوطن العربي والقارة اللاتينية ـــــ حيث أن كل الدكتاتوريات الأمريكية اللاتينية، الجنوبية والوسطى، تم إيصالها إلى الحكم ودعمها وتثبيتها من قِبل (الـموساد الإسرائيلي) وجهاز المخابرات الأمريكية، حيث مازالت هذه الأجهزة تعمل جاهدة لتخريب هذه المجتمعات والإطاحة بالأنظمة التقدمية فيها، وما حصل في فنزويلا من حرب اقتصادية وتمردات مسلحة، وإن كانت بدائية، ما هي إلا دليل على ذلك...
وكذلك تُساهم بشكل كبير فى تكريس أنظمه القمع والتخلف والتبعية في الوطن العربي وتُشارك بطرقٍ وأساليب مختلفة مع القوى المعادية كافة وأداواتها في إشاعة الفوضى والحروب الداخلية لتحقيق المزيد من التفتت والانقسامات وذلك لإحكام السيطرة على موارد الأمة من أجل استغلالها ونهبها...
كان الزعيم الفنزويلي الراحل (اوغو تشافيس) يُردد دائماً: "يجب توعيـة شـعوب قارتنا من الأخطار التي تُمثلها الصهيونيـة على شـعوبنا"؛ وأضاف في لقاء له مع قُوى يسارية من كل أنحاء العالم في شباط عام 2002 ـــــ أي قبل الانقلاب الذي حصل ضده بأقل من شهرين ـــــ "إن هنالك مؤامرة للإطاحـة بي وبالنظام والفكرة التي أُمثلها، وأن هذه المؤامرة تخرج خيوطها من سـفارات الولايات المتحدة و(إسـرائيل) في العاصمـة كاراكاس، إنها تُمثل خطر علينا جميعاً ويجب عليكم أن تنقلوا هذه الحقيقـة لشـعوبكم"...! فهل من وضوح أكثر من هذا؟
إن الصهيونية العالمية وكيانها يرتعبان دائماً من بدأ إرهاصات المقاطعة سواء كانت اقتصادية أم أكاديمية، وكونهما يعلمان بأنهما لن يُغيرا من ذاتهما ومن جوهرهما وبأن هذه الأساليب النضالية على صعيد عالمي مرشحة للتصعيد والتعمق والذهاب إلى أبعد من ذلك وفي أكثر من إتجاه؛ يجب أن لا تُمد خشبة الخلاص لهذا الكيان المجرم ولمؤسساته على الصعيد العالمي...
ومن يعتقد بأنه ليس في مستوى المرحلة والمراحل المقبلة التي تُبشر بصدام محتدم مع أعداء الشعب وقضيته وأرضه الذين هم أعداء كل شعوب الأرض قاطبة، فليتنحى جانباً وطوعاً كي لا يُكلف الحركة الوطنية أكثر من ما كلفها لحد الآن وإلا جرفته آلة الثورة إلى حيث لا يرغب...
رغم أن النضال والمعركة ضد الصهيونية هي أممية إلا أن موقف الند الأول والأساسي الذي هو في حال صدام دائم ومباشر مع مجمل المشروع الصهيوني وصاحب الملكية التاريخية والمباشرة، الأصلي وساكن هذه الأرض منذ آلالف السنين، الشعب الفلسطيني، الأصيل صاحب الحق الطبيعي والشرعي لنزع وتبديد "الشرعية المكتسبة قانونياً" لهذا الكيان. إن من يُحلق بعيداً وعالياً عن هذه الحقيقة سيهوي وإلى الأبد...
إن (إسرائيل) عندما أُقيمت لم تقم على أساس نصوص القانون الدولي؛ فالقانون الدولي فقط ثبَّت "قانونية" هذه الدولة التي قامت على أساس البرنامج الصهيوني المقر في مؤتمر بال عام 1897 والذي يقول "بدولة قومية لليهود" و(إسرائيل) تتصرف على هذا الأساس، وإلا فما معنى التطهير العرقي الذي حدث في فتره قيام (إسرائيل) وفي السنوات التي تلتها!؟ (إسرائيل) لا تريد حق العودة سواء كانت دوله يهودية أو دولة علمانية، و(إسرائيل) لا تريد الفلسطينيين في "دولتها" الذين هم مزروعين كشجر الزيتون في أرض آبائهم وأجدادهم التاريخيه سواء كانت يهودية أم علمانية؛ الأساس بالنسبة لهم هو "الدولة كدوله بحد ذاتها"، و(إسرائيل) سواء كانت دينية أو علمانية فهي صهيونية...
إذاً الأمور في منتهى الوضوح؛ العدو واضح وما يُريده واضح أيضاً. إن الذين يهلكون ويزولون هم الوسطيون والانتهازيون والمتخاذلون؛ الجماهير الفلسطينية تريد الوضوح وتحترم الواضحين في مواقفهم وأهدافهم، إن الجماهير ثورية بطبيعتها وإن ضُللت لبعض الوقت، وعلى البديل أن يكون واضحاً تماماً وثوري ووطني صادق وصدامي ويجب التخلص وإلى الأبد من معادلة مفهوم السلطة الرسمية أو القيادة الرسمية وقوى المعارضة؛ فمن يريد أن يبقى في صفوف المعارضة فهذا شأنه حيث في هذه الحال يكون قد قبل بأن يندمج في البنية الرسمية التي أسستها الإمبريالية والصهيونية والرجعية الفلسطينيه في "دولة" أخرى شبيهة بالأولى على أرض فلسطينية. إن البديل الثوري هو صاحب المشروع الحقيقي مشروع التحرير الكامل، إنه ليس معارض بل هو من يرفض الخروج عن هذه البرامج أو معارضتها ويُدافع عنها.
إن القوى الثورية الحقيقية الفلسطينية والمعادين للصهيونية في فلسطين تُلقى على عاتقهم مهمة مزدوجة ستدعمها كل القوى الثورية عالمياً ألا وهي تحرير فلسطين من الصهيونية وكيانها ومؤسساتها وحل مشكلة من جلبتهم من قوميات أخرى على طريق إنهاء الـ (غيتو) اليهودي في فلسطين حيث هو أكبر (غيتو) لليهود في العالم مما يُمهد الطريق الحقيقية لإنهاء ما يُسمى بالمشكلة اليهودية، أي إنهاء مبررات وجود الصهيونيه كحركة عنصرية فاشية استعمارية.
إن تطور البشرية نحو مزيد من وسائل الاتصال والتنقل بين الشعوب سيخلق ظروفاً جديدة للاندماج والتعايش وسيُنهي كل أشكال الـ (غيتو) الديني أو الإثني، وبزوالهما ستزول الصهيونية وإلى الأبد من المجتمعات البشرية كافة... فهل من يعتبر من تجار السياسة فلسطينياً وعربياً لأن ساعة الردع والتحول الثوري قادمة وبسرعة.
واقرأ أيضاً:
الأفاعي الصهيونية في أعالي النيل/ الصهيونية والحرب النفسية/ الحركة الصهيونية كمشروع غربي