سلوك يتصف بآليات انحشارية ذات خيارات أحادية، أي أن الفرد يضع نفسه في زاوية حادة تزداد ضيقا حتى لا يتوفر أمامه أي منفذ سوى أن يقاتل وباتجاه واحد، وهذا ينطبق على الجماعة والفئة والمجموعة والحزب والشعب والأمة. والكثير من المجتمعات والشعوب تنحدر إلى هذا المصار المتضايق الخانق الذي يجبرها على الدخول في متوالية التداعيات والخسران الشديد، وهذا ما يفسر ما يتحقق في ربوعها من التفاعلات السلبية والنكبات المزرية.
وفي واقعنا العربي يتضح أن القوى والأحزاب تتخذ هذا المنهج سبيلا للتفاعل مما يؤدي إلى تورطها بذاتها وموضوعها، وتحطمها تماما، ولهذا فإنها لم تنجح بإقامة تقليد تفاعلي ذي إنتاجية حضارية ذات قيمة إنسانية، وإنما أدمنت المراوحة والانغراز في ذات المكان. وبهذا السلوك فإنها تنحشر في زوايا ذات خوانق متعددة ومنافذ مفقودة، لأنها تراكم ما يمنع المروق من قبضة الحالة التي هي فيها، فترى الأحزاب في محنة وكذلك القوى والحركات المتفاعلة في واقع تساهم في إحراقه وتحويله إلى رماد ودخان. ويبدو أن هذه النزعة تتحكم بها نبضات الموت المتحركة في الأعماق البشرية، وهي التي تدفع بالفرد والجماعة للوقوع في قبضة الانقضاض على الحياة، أي أن الانحشارية تشبه السلوك الانتحاري الإذعاني وربما تتحول إلى الانتحار العدواني.
ولا يُعرف تماما لماذا تتخذ بعض المجتمعات هذا المسلك سبيلا لتفاعلاتها مع وقائع الحياة ومستجداتها، وكيف أنها تصاب بنوبات انتحارية هستيرية ذات عناوين متعددة ومتنوعة، حتى ليقف العقل متحيرا أمام هذه النزعات الإفنائية القاسية. وقد يكون السبب الفاعل والناشط في تناميها وتطورها متولدا من تراكمات سلوكية وثقافية، ومفردات تعبيرية ذات طاقات انحرافية وتزويغية تمكنت من الوعي الفردي والجمعي، حتى تملكته وتصرفت به وفقا لما تمليه عليه رؤاها.
أي أن النفس الأمّارة بالسوء قد تسلطت وتسيّدت ومارست حرية التعبير عن أهوائها الدفينة، المعتقة في أوعية تخمّرها على نيران العواطف والانفعالات المتأججة والهادئة. ولا يمكن لمجتمعات منحشرة في زوايا ضيقة أن تقدم شيئا نافعا، أو تتصالح مع واقعها وذاتها وموضوعها، لأنها في مأزق خطير ويمكن تشبيهها بالذي يقف على حافة الهاوية ولا يجد أي خطوة ذات خلاص، فيبقى في محنته وقد تحفزت جميع قدراته الانفعالية والانعكاسية اللازمة للتعبير عن تشبثه بالبقاء المرير.
فهل من مراجعات معرفية عقلانية إدراكية، تعلّم المنحشرين كيفيات التوصل إلى منافذ ذات ربحية مشتركة؟!!
واقرأ أيضاً:
التنوير العلمي!! / النفس والتصنيع!! / العرب ضد العرب!! / الزمن والكرسي!! / هيبات وخيبات!! / نمطية التفكير الخائبة!! / أين العقل يا أمة يعقلون؟!!